رحل الرفاعي ولم يرحل ظله

22 اغسطس 2024
زيد الرفاعي في مكتبه بعمان، 13 أكتوبر1974، (ألكسندر دي بورش غريف/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مسيرة زيد الرفاعي السياسية:** تولى زيد الرفاعي رئاسة الحكومة الأردنية مرتين (1973-1976 و1985-1989)، وشكل أربع حكومات بتكليف من الملك الحسين بن طلال، وشهدت حكوماته أحداثاً مهمة مثل مؤتمر جنيف للسلام 1973 وقمة الرباط 1974.

- **التحديات الاقتصادية والإصلاحات:** واجهت حكومته الأولى تحديات اقتصادية كبيرة، مما أدى إلى إنشاء وزارة التموين وتنفيذ الخطة الثلاثية الأولى (1973-1975) بنجاح. أعدت حكومته خطة اقتصادية جديدة للفترة 1976-1980، التي اعتبرت أنجح برنامج اقتصادي في تاريخ الأردن.

- **الأزمات السياسية والاقتصادية:** خلال حكومته الثانية، شهد الأردن ازدهاراً نسبياً نتيجة دعمه للعراق، لكن ارتفاع الدين العام الخارجي واندلاع انتفاضة الأقصى الأولى أديا إلى انهيار سعر صرف الدينار واستقالة حكومته في 1989.

توفي يوم الثاني عشر من هذا الشهر سمير الرفاعي رئيس وزراء الأردن الأسبق ورئيس الديوان الملكي الأسبق ورئيس مجلس الأعيان الأسبق. وقد تولى الراحل زيد سمير طالب الرفاعي، خريج جامعة هارفارد، رئاسة الحكومة على فترتين متتاليتين. الأولى كانت من شهر مايو/ أيار 1973 وإلى شهر يوليو/ تموز 1976. والثانية بين شهر إبريل/ نيسان عام 1985 وحتى الشهر نفسه من العام 1989. وبلغ مجموع الحكومات التي كُلف بتشكيلها من الراحل الملك الحسين بن طلال أربعاً خلال ما يقارب سبعة وثمانين شهراً. ولكن حكوماته كانت مليئة بالأحداث والتطورات.

ففي حكومته الأولى حضر بصفته وزيراً للخارجية مؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط. وقد ألقى فيه كلمة الأردن التي كانت من أكثر الكلمات شدة وضغطاً على إسرائيل. وفي مذكرة سرية عن المؤتمر نشرت حديثاً من قبل الإدارة الأميركية بيَّنتْ أن موقف الأردن رحب بالسلام، ولكن ضرورات الانتباه إلى الموقف الفلسطيني في الضفة الغربية، والموقف السوري الناقد لأطراف عربية حضرت هذا المؤتمر هو ما دفع بأن تكون الكلمة قاسية.

أما الحدث الثاني فجاء عام 1974 عندما انعقدت القمة العربية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول برئاسة الراحل الملك الحسن الثاني ملك المغرب. وقد بذل الحضور ومنهم منظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس أنور السادات، وغيرهما ضغوطاً على الملك الحسين لكي يقبل أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وقبل الملك الأردني ومعه رئيس وزرائه زيد الرفاعي بذلك الأمر على كرهٍ منهما.

في عام 1974، عانى الأردن اقتصادياً ارتفاعَ الأسعار فيه، وآثارَ تخفيض سعر الدينار مع الدولار عام 1973، وقبيل تسلم زيد الرفاعي لرئاسة الحكومة للمرة الأولى. وقد سجلت الأسعار عام 1974 ارتفاعاً ولأول مرة في تاريخ الأردن بنسبة 12%؜ . ولذلك تقرر أن تنشأ وزارة التموين منفصلة عن وزارة الاقتصاد الوطني من أجل أن تحتكر استيراد المواد التموينية الأساسية وتراقب الأسعار، وتصر على ضرورة إعلان الأسعار على السلع المعروضة للبيع.

في ظل هذه الظروف قبل الأردن تحت الضغط الاقتصادي وشبه الإجماع العربي قرار قمة الرباط 1974، ولكن بعد عودة الملك من المغرب، شكلت حكومة جديدة برئاسة الراحل زيد الرفاعي، وخرج منها ستة وزراء من أصول فلسطينية واستبدلوا بوزراء من الضفة الشرقية، تعبيراً عن أن قرار الرباط مخالف لشروط الوحدة بين الضفتين والتي أقرها البرلمان الأردني وصدرت بها إرادة ملكية عام 1950، والتي قضت من جملة ما قضت أن يكون عدد الوزراء متساوياً بين الضفتين.

وفي ضوء الوضع الاقتصادي، تقرر أن يقوم الأردن عام 1975، وبعد انقضاء فترة الخطة الثلاثية الأولى 1975-1973 والتي نفذ معظمها أيام حكومة زيد الرفاعي الأولى، بالتعاون مع الأمير الحسن بن طلال. وقد نجحت في خلق فرص عمل كثيرة، وفي منح الأردن الثقة بأنه قادر على الاستمرار. وقد أعددتُ بحثاً عام 1987 نشره صندوق النقد الدولي بينتُ فيه بالتفاصيل أهمية نجاح الخطة الثلاثية.

وبعدها بدأ الأردن أيام حكومة الرفاعي، بالإعداد لأهم خطة اقتصادية في الأردن خلال الفترة 1976-1980. وكنت أيامها قد عُينت مديراً لدائرة الأبحاث الاقتصادية في البنك المركزي الأردني. ولإعلان الخطة عقد في شهر فبراير/ شباط من العام 1976 مؤتمر دولي للترويج للخطة التي اعتبرت أنجح برنامج اقتصادي نفذه الأردن في تاريخه.

ولكن لما حان موعد البدء بتنفيذها، أصبح واضحاً أن علاقات الأردن أصبحت أكثر ارتباطاً بدول الخليج، وأقل ارتباطاً بنظم الحكم في سورية والعراق. ولذلك تطلب الأمر تغييراً في الحكومة الأردنية، خاصة أن الرفاعي كان قد مضى على حكومته أكثر من ثلاث سنوات شهدت أحداثاً كثيرة. ومنها بداية الحرب الأهلية في لبنان. ولذلك استقالت الحكومة وعُين مضر بدران رئيس وزراء جديداً للأردن.

وقد كلَّف الملكُ الحسين زيد الرفاعي بعد غياب دام 19 سنة ونيفاً بتشكيل الحكومة في شهر إبريل/ نيسان 1985. وكان قد مضى في ذلك العام خمس سنوات ونيِّف على الحرب بين العراق وإيران. وقد قام الأردن بناء على طلب من دول الغرب الكبرى، وإلحاح من دول الخليج، أن يقدم الأردن طُرُقَه، وميناءه الوحيد في العقبة ومرافق أخرى لخدمة العراق. وقد شهد الأردن حالة ازدهار نسبي، ولكن حاجاته العسكرية بدأت تتنامى. وقد تلقى الأردن وعوداً من دول كثيرة بسداد ثمن المعدات والأسلحة التي اشتريت بفوائد تجارية قارب بعضها من نسبة 15% على الدولار. وعليه، ارتفع الدين العام الخارجي من 3.4 مليارات دولار عام 1984 إلى 8.2 مليارات دولار نهاية عام 1988.

ومع نهاية الحرب صار الأردن يقايض حاجاته النفطية المستوردة من العراق مقابل السلع والخدمات إليه. وقد أثار الأردن في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في الأردن في نهايات عام 1987، إلا أن الاستجابة لحاجات الأردن كانت ضعيفة، خاصة أن أسعار النفط خلال العامين 1986، 1987 قد تهاوت من حوالي 45 دولاراً للبرميل حدّاً أقصى إلى 8 دولارات فقط في منتصف العام 1986.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبعد مؤتمر القمة العربية، بدأت انتفاضة الأقصى الأولى في فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي. وعليها، فقد رأى الملك الحسين أن الوقت قد حان لفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية إبان حكومة زيد الرفاعي. وقد أثار هذا القرار نقاشاً حامي الوطيس في الأردن، ولكنه لم يَعْنِ ما فهمه كثيرون ومنهم منظمة التحرير الفلسطينية- أنه تنازل أردني عن أراضي الضفة الغربية. ولو كان كذلك لكان مخالفة دستورية واضحة.

وفي شهر أغسطس عام 1988 وأثناء عملي رئيساً للجمعية العلمية الملكية كتبت مذكرة بقلم الرصاص إلى الأمير الحسن بن طلال- ولي العهد آنذاك- أحذر فيها من أن سعر صرف الدينار معرض للانهيار خلال أشهر معدودة. وقد قوبلت مذكرتي بفتور عندما استدعيت إلى الديوان الملكي العام للقاء الراحل الملك الحسين والأمير الحسن ورئيس الوزراء زيد الرفاعي على مبالغتي في التشاؤم. ولكن مع الأسف جاء عام 1989 ليحمل أنباء انهيار الدينار، وارتفاع الأسعار ثانية بنسبة 25%، ومن ثم حصلت هبة معان حين انقطعت أرزاق كثير من أهلها بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية، ومقاطعة الأردن من قبل دول الغرب ودول الخليج، ومحاصرته في ضوء قرارات الغذاء والدواء التي أخذت ضد العراق بعد احتلال الكويت عام 1990. وقد استقالت حكومة الرفاعي بعد أربع سنوات من الحكم.

كان زيد الرفاعي الذي رحل يوم الثاني عشر من هذا الشهر رجل دولة بكل معنى الكلمة. وهو يأتي من عائلة خَدَمَ أربعةٌ منهم رؤساء للوزراء وهم سمير الرفاعي الجد، وابنه زيد الرفاعي، والراحل الشاعر والدبلوماسي عبد المنعم الرفاعي وأخيراً سمير الرفاعي الحفيد (ابن زيد).

عائلة الرفاعي تتمتع بذكاء سياسي خارق، إذ إن أيام حكمهم تكثر الأحداث الإقليمية وتتسارع ما يجعل الأردن في حالة تقلب كبيرة. وهم في غاية الأدب والذوق في التعامل، وهم سادة سياسة الأمر الواقع. وولاؤهم لأصدقائهم كبير وسبّب لهم مشكلات أحياناً، ولكنهم أصحاب أثر كبير على تاريخ الأردن وأهدافه الكبار ومن أشد الموالين للحكم الهاشمي.

المساهمون