رجال الأعمال في سورية يسعون لإحياء الاقتصاد بعد إسقاط الأسد

17 ديسمبر 2024
آمال في إحياء سريع للاقتصاد السوري/ دمشق/ 16 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد الاقتصاد السوري تحولًا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث يسعى رجال الأعمال لإعادة بناء ما دمرته الحرب، مستفيدين من فرص جديدة بعيدًا عن الفساد والمحسوبيات.
- بدأت الأسواق السورية المتضررة تشهد حراكًا مع تحسن الأوضاع، حيث يسعى التجار لإعادة فتح محالهم ومصانعهم، مستفيدين من انخفاض تكاليف الشحن والإنتاج والتفاوض مع مستثمرين إقليميين.
- تتطلع الحكومة السورية الجديدة إلى تبني نموذج السوق الحرة، مع التركيز على إنهاء الفساد وجذب الاستثمارات، مما يعزز الأمل في عودة التجارة كركيزة أساسية للاقتصاد.

يشهد الاقتصاد السوري مرحلة دقيقة مع سقوط نظام بشار الأسد، ومحاولة رجال الأعمال إعادة بناء ما دمّرته سنوات الحرب الطويلة. وبعد عقود من الفساد والابتزاز، يرى التجار ورواد الأعمال في سورية فرصة جديدة لإحياء النشاط التجاري بعيدًا عن شبكات المحسوبيات والأجهزة الأمنية التي فرضت سيطرتها على الاقتصاد. وباتت هذه الفئة، التي طالما عُرفت بتاريخها العريق في التجارة، تتحرك سريعًا لاستعادة مكانتها ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي في البلاد، وسط أجواء من التفاؤل الحذر بشأن المستقبل.

وعلى مدار سنوات الحرب الثلاثة عشرة، واجهت الأسواق السورية تدهورًا حادًّا بسبب فرض الإتاوات من قبل جماعات مختلفة، كان أغلبها تابعًا للنظام، حيث اضطر التجار لدفع مبالغ ضخمة من أجل السماح لهم بمزاولة أعمالهم أو نقل بضائعهم بين المحافظات. وأرهقت هذه الممارسات القطاع الخاص، كما أجبرت العديد من رجال الأعمال على إغلاق مشاريعهم أو تقليص نشاطهم التجاري خوفًا من لفت الانتباه أو التعرض للملاحقة. ولكن الآن، ومع تفكك تلك الشبكات، يسعى التجار لإعادة فتح محالهم ومصانعهم، حيث يراودهم الأمل في بيئة اقتصادية أكثر حرية وعدالة.

وبدأت المناطق التي كانت الأكثر تضررًا من الناحية الاقتصادية خلال فترة النزاع، مثل ريف دمشق ومحافظات الجنوب، تشهد حراكًا ملحوظًا من رجال الأعمال المحليين، حيث بدأت المبادرات الصغيرة والمتوسطة في التوسع من جديد مع وصول واردات جديدة من الدول المجاورة، خاصة تركيا والأردن، وفق ما نشرته وكالتا الأناضول وفرانس برس. ويراهن التجار على انخفاض تكاليف الشحن والإنتاج بعد إزالة العديد من الحواجز التي كانت تعوق حركة البضائع، وتزيد من الأعباء المالية عليهم. وفي الوقت ذاته، بدأ بعض رجال الأعمال في التفاوض مع مستثمرين إقليميين بهدف تأمين رأس المال اللازم لإعادة تشغيل القطاعات المتضررة، مثل الصناعات النسيجية والزراعية.

وبينما أعلنت الحكومة السورية الجديدة عن تبنّي نموذج السوق الحرة، سعياً إلى دمج البلاد في الاقتصاد العالمي، بعد سنوات من العزلة الاقتصادية والعقوبات، يرى الكثير من التجار أن انتهاء الفساد الذي كان جزءًا لا يتجزأ من النظام السابق هو شرط أساسي لتحقيق أي انتعاش اقتصادي، حيث كرّست سنوات الحرب نظامًا من الابتزاز، أديرت فيه الأمور الاقتصادية من قبل شخصيات نافذة تعمل لمصالحها الخاصة. ويتطلع السوريون الآن إلى حكومة جديدة، تعزز الشفافية، وتعمل على جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية. ويدرك رجال الأعمال أن إعادة بناء الاقتصاد السوري لا تعتمد فقط على إعادة الإعمار المادي، بل على خلق بيئة أعمال آمنة وخالية من الفساد.

ونقلت مواقع إلكترونية صوراً لتحركات التجار بحرية بعد بسقوط نظام بشار. وفي الطريق السريع الرئيسي المؤدي من الجنوب إلى دمشق، كان أحد التجار ينطلق بشاحنته لتوصيل الطماطم إلى السوق المركزي في العاصمة لأول مرة منذ أن أقام الجيش نقاط تفتيش، بعد أيام قليلة من اندلاع ثورة 2011 ضد حكم عائلة الأسد. وقال، مشيرًا إلى الحاجز قرب مدينة سحمين: "كان هذا أسوأ حاجز في سورية"، حيث كان أعضاء من الفرقة الرابعة المدرعة النخبوية يتقاضون أموالًا مقابل السماح بمرور الأشخاص والبضائع، ويعتقلون كل من يُشتبه بدعمه حركة الاحتجاج المؤيدة للديمقراطية.

من ناحية أخرى، يعكف التجار السوريون على البحث عن أسواق جديدة لتصدير منتجاتهم، بعد سنوات من الحصار والعقوبات، حيث يرى هؤلاء أن فتح قنوات تجارية مع دول الجوار، خاصة في قطاعي الزراعة والصناعة، يمكن أن يلعب دورًا حيويًّا في إنعاش الاقتصاد. وفي مدينة درعا، بدأ تجار السيارات بإعادة التواصل مع الأسواق في دمشق، حيث يتوقع انخفاض تكاليف الاستيراد، ما قد يؤدي إلى تراجع أسعار السيارات وعودة النشاط التجاري تدريجيًّا. ويبعث هذا التحسن الطفيف الأمل بأن التجارة، التي لطالما كانت شريان الحياة للاقتصاد السوري، ستعود بقوة خلال السنوات القادمة.

وفي تقرير له على موقع "ذا ناشيونال نيوز"، يقول خالد يعقوب عويس "قبل أن يستولي المجلس العسكري على السلطة في سورية في أواخر الخمسينيات ويفرض سياسة اقتصادية اشتراكية، كانت سورية على قدم المساواة مع كوريا الجنوبية من حيث التطور. الأن أصبحت إحدى الدولتين قوة اقتصادية؛ بينما أصبحت الأخرى دولة متخلفة اقتصاديًّا".

ويضيف الكاتب، الذي سبق له العمل مع "رويترز" لأكثر من عقدين، وكان زميلًا زائرًا لأكثر من ثلاث سنوات في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، أنه مع تراجع القوة المالية لسورية، بدأ عمالها بالنزوح إلى لبنان ودول أخرى بحثًا عن أجور معقولة. وغادرت الطبقة الوسطى، بما في ذلك التجار والمصرفيون، البلاد بعد أن فرض الحكام الجدد اقتصادًا موجّهًا، وحظروا معظم المشاريع الخاصة.

وفي عام 1963، وصل ضباط علويون إلى السلطة عبر انقلاب في بلد ذي أغلبية سنية، مما مهد الطريق لأحدهم، وهو حافظ الأسد، والد بشار، لتولي الحكم عام 1970. وأصبحت النواقص الاقتصادية شائعة لدرجة أن السوريين العائدين من الخارج كانوا غالبًا ما يجلبون معهم احتياجات أساسية مثل الخبز وورق التواليت.

وبعد أن ورث السلطة في عام 2000، أطلق بشار ما أسماه "سياسة الانفتاح الاقتصادي"، لكن أغلب الفوائد ذهبت إلى ما أصبح يُعرف بالأوليغاركية العلوية، التي كانت توظف السنة واجهة أو شركاء صغار. وساهمت الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية التي خلقها هذا النظام في اندلاع حركة الاحتجاج عام 2011، التي قمعها النظام بقتل آلاف المدنيين. وبحلول نهاية ذلك العام، كانت الحرب الأهلية قد اندلعت، وكان الريفيون السوريون، خاصة في درعا الجنوبية ومناطق أخرى، الذين كانوا الأكثر تضررًا من سياسات الأسد الاقتصادية، هم النواة الأساسية للمعارضة المسلحة.

ولا تزال التحديات قائمة، حيث تحتاج البنية التحتية التي دُمرت بفعل إلى سنوات من العمل لإعادة تأهيلها، في وقت ما زال المستثمرون الأجانب فيه مترددين في الدخول إلى السوق السورية، بسبب غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي التام. وعلاوة على ذلك، فإن إعادة بناء الثقة بين القطاع الخاص والسلطة الجديدة أمر ضروري لضمان عدم تكرار ممارسات الماضي، إذ يدرك رجال الأعمال السوريون أن المرحلة المقبلة تتطلب تعاونًا حقيقيًّا بين الحكومة والقطاع الخاص لوضع أسس جديدة تعيد للاقتصاد قوته.

يعوّل السوريون على عودة النشاط التجاري خطوة أولى نحو التعافي الاقتصادي والاجتماعي، ويراهن رجال الأعمال، الذين تحمّلوا سنوات من الخسائر والضغوط، اليوم على مستقبل خالٍ من الابتزاز والفساد، حيث يمكنهم العمل بحرية لتحقيق النمو والازدهار. ويمثل هذا الأمل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة، قد تُعيد لسورية دورها التاريخي مركزًا تجاريًّا في المنطقة، بعد أن ظلت لسنوات جزءًا من بلاد ما بين النهرين، مهد العالم القديم، ومحطة رئيسية على طرق تجارة طريق الحرير.

المساهمون