ذعر في تونس: الوباء يحصد الأموال والأرواح

01 يوليو 2021
التونسيون محاصرون بالوباء والأزمات المعيشية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تتوالى موجات الجائحة الصحية في تونس دون هوادة، لدرجة أن البعض يصف ما يحدث حاليا في البلاد بأنه بمثابة "تسونامي كورونا"، فمنذ مارس/آذار 2020 لم يسمح فيروس كورونا لاقتصاد البلاد بالتقاط أنفاسه مخلفا مع كل موجة خسائر كبرى باتت تهدد البلاد بالانهيار الشامل والعجز عن سداد ديونها الخارجية، حسب خبراء الاقتصاد.
وحكومة المشيشي التي تواجه الضغط المجتمعي والدعوات إلى العودة للحجر الصحي الشامل أصبحت بين مطرقة إنقاذ الأرواح أو إنقاذ الاقتصاد الذي لا يزال يدفع فاتورة الغلق الشامل الذي نفذته البلاد منذ أكثر من سنة وتسبب في هبوط تاريخي بنسب النمو إلى -8.8 بالمائة.
وذكرت وزارة الصحة التونسية السبت الماضي أن البلاد سجلت رقما قياسيا بأكثر من أربعة آلاف حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا في أربع وعشرين ساعة، كما بلغت الوزارة عن 90 حالة وفاة جديدة، ما يرفع عدد الوفيات الإجمالي إلى أكثر من 14 ألف وفاة، حيث تجتاح الموجة الرابعة أغلب محافظات البلاد التي أعلنت فيها السلطات المحلية الحجر الصحي الشامل، ما أوقف أغلب النشاطات الاقتصادية فيها.
وأوكلت حكومة هشام المشيشي، منذ تصاعد موجة الوباء الجديدة، قرارات الغلق إلى السلطات المحلية، حسب معايير علمية لدرجة تفشي العدوى، متجنبة مسؤولية إعلان الغلق الشامل في كافة البلاد، وما قد ينجر عنه من ارتدادات على المشهد الاقتصادي.
تتزامن موجة الوباء الجديدة مع مساع لتنشيط قطاع السياحة قادتها وزارة السياحة منذ أشهر تفاديا لموسم أبيض جديد، عبر تطمينات قدمتها المنظمات المهنية لكبار متعهدي الرحلات الدولية بضمان السلامة للسياح وتطعيم العاملين في النزل وتطبيق بروتوكولات صحية صارمة.
لكن العديد من الدول الأوروبية التي تمثل سوقا مهمة للبلاد تصنف تونس ضمن الخانة الحمراء للبلدان الموبوءة، ما يعيق تدفق السياح من أسواق منطقة اليورو.
ويقول متعاملون اقتصاديون إن تونس لا تملك هوامش مناورة كبيرة لإنقاذ اقتصادها، معتبرين أن تلقيح المواطنين هو الحل الوحيد لاستعادة الاقتصاد لعافيته.
أكد رئيس منظمة كوناكت (مجمع لرجال الأعمال)، طارق الشريف، أن إنقاذ اقتصاد تونس من انهيار وشيك يمر حتما عبر تكثيف حملات التلقيح في أجل لا يتجاوز الشهر، معتبرا أن البلاد تدفع غاليا ثمن تأخر جلب اللقاحات.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأفاد الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن جل البلدان المنافسة لتونس في صناعة السياحة تقدمت أشواطا كبيرة في تلقيح مواطنيها فيما بدأ الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول للبلاد في اعتماد الشهادة الصحية.
واعتبر أن اقتصاد تونس محاصر بالوباء والقيود الخارجية على حركة الأفراد والمستثمرين نتيجة فشل السياسة الصحية وتأخر جلب اللقاحات التي لا تزال متعثرة ولا تكشف عن بوادر انفراجة قريبة.
في المقابل، تطالب أحزاب سياسية بإيجاد حلول داخلية للأزمة الاقتصادية بفرض ضرائب على المؤسسات الكبرى والثروات، بهدف تعبئة موارد مالية تساعد الدولة على مجابهة الكارثة الصحية ومخلفاتها الاجتماعية والاقتصادية.
والثلاثاء الماضي، دعت حركة الشعب الممثلة في البرلمان إلى توفير كل الإمكانات المادية والبشرية لمجابهة الجائحة من خلال إرساء ضريبة استثنائية على الثروة وعلى المؤسسات الربحيّة وتوجيه ما أمكن من اعتمادات الميزانية لقطاع الصحة العمومية لتمكينه من مواجهة الجائحة.
وقالت حركة الشعب في بيان لها إن الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة في التعاطي مع أزمة كوفيد تتسم بالارتجالية وقلة النجاعة، مشددة على ضرورة تسخير المؤسسات الصحية الخاصة لمساعدة المجهود الوطني في هذا الظرف الصحي الصعب.
وحملت الحركة السلطة مسؤولية توفير اللقاحات في أقرب الآجال لتمكين الشعب من التطعيم كعنصر أساسي في الحماية ضد الوباء.
ويرى الخبير الاقتصادي، محسن حسن، أن تونس أمام أولوية إنقاذ الأرواح في الظرف الحالي، مشيرا إلى أن السلطات مطالبة بإعلان الحجر الصحي الشامل مع إقرار دعم سريع لفائدة الأسر المتضررة.
وأضاف حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحكومة مطالبة بوضع كل إمكانات الدولة لتمويل النفقات الصحية و الاجتماعية، مؤكدة أن الجرأة في اتخاذ القرارات ضرورية للإنقاذ.
وأوضح أن وضع الدولة استراتيجية عاجلة قائمة على خطة للإنعاش الاقتصادي، هو أبرز الحلول لدفع الاستثمار بمختلف أنواعه والحفاظ على النسيج الاقتصادي التونسي الذي يعاني جزء منه صعوبات كبيرة.
وأكد حسن على ضرورة مساندة الحكومة للمتضررين من المتعاملين الاقتصاديين في مختلف القطاعات والوقوف إلى جانب القطاعات الصغرى بتضمين قانون المالية التعديلي لإجراءات جبائية مالية تخفف الأعباء المالية على دافعي الضرائب.
وطلب حسن تأجيل أجال الجباية أو جدولة الديون المتراكمة لدى المؤسسات لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي والتي من شأنها إنقاذ القطاعات المتضررة من الجائحة الصحية، وخاصة القطاعات الصغرى ذات البعد الاجتماعي والصناعات التقليدية والمهن الصغرى.
ودعا كذلك إلى وضع برنامج إصلاحات في غضون أسبوعين للخروج من الأزمة معتبرا أن أولوية إنقاذ الأرواح تنافس أولوية إنقاذ الاقتصاد.
وتعاني تونس من زيادة في نسب الفقر بسبب هبوط قياسي في معدل النمو بلغ -8.8 بالمائة العام الماضي، مع توقعات بتواصل تباطؤ تعافي الاقتصاد إلى 2023 نتيجة تعطل قطاعات حيوية في البلاد ومنها السياحة وإنتاج الفوسفات.
وفي المقابل يبدي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تفاؤلا بشأن تعافي الاقتصاد بتوقعاته بتحقيق البلاد نموا بنسبة 2.7 بالمائة سنة 2021 وبنسبة 2.9 بالمائة سنة 2022 مدعوما بتأثير الظروف المناخية الملائمة للزراعة، ولا سيما إنتاج زيت الزيتون.
وأكد البنك أن انتعاش الاقتصاد سيعتمد أيضا على وتيرة التلقيح ضد جائحة كوفيد-19، بما يسمح بإعادة فتح الاقتصاد، بما في ذلك قطاع السياحة.
وبحسب البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية فإن الاقتصاد التونسي عرف انكماشا في حدود 8.8 بالمائة سنة 2020، موضحا أن التباطؤ تواصل خلال الثلاثي الأول من سنة 2021 ليتراجع الناتج الداخلي الخام الى 3 بالمائة.

وتواجه تونس أزمة مالية حادة ترتبت عليها العديد من التداعيات السلبية، إذ أدى نقص التمويلات الخارجية للموازنة التونسية إلى تأجيل إعداد قانون المالية التكميلي، بعد أن أعادت تطورات سوق النفط العالمية خلط كامل أوراق قانون الموازنة الأساسي للعام الحالي الذي صادق عليه البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2020.
وكان يفترض وفق السيناريو الأولي الذي وضعته حكومة هشام المشيشي، أن تتولى وزارة المالية إعداد قانون مالية تكميلي تحيله إلى البرلمان في شهر مارس/آذار الماضي من أجل إعادة ترتيب النفقات وضبط الموازنة، وفق التطورات الجديدة لأسعار صرف العملة وسعر النفط في السوق العالمية، باعتباره واحدا من أهم العناصر المؤثرة في توازنات الإنفاق العام.
ولم يسمح تأخر تعبئة موارد خارجية بنحو 6.9 مليارات دولار لحكومة المشيشي بإعداد موازنة تكميلية في ظل تعثر في الحصول على القروض، وبطء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وباقي شركاء تونس الماليين.
ويكلّف زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط الموازنة العامة نفقات إضافية بـ129 مليون دينار (الدولار = 2.73 دينار)، حيث يتسبب تجاوز السعر العالمي عتبة الـ60 دولاراً في فجوة جديدة في موازنة تونس لن تقلّ عن 2.5 مليار دينار.
وتواصل الحكومة مساعيها من أجل عقد اتفاقات مالية مع مؤسسات القرض الدولية في أقرب الآجال، فيما تواجه المالية العمومية خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2021 ضغوطا كبيرة بسبب أقساط ديون بقيمة مليار دولار تحتاج البلاد لتوفيرها لخلاص أقساط قروض حلت آجالها.
ودخلت الحكومة منذ أسابيع في مفاوضات تقنية مع صندوق النقد الدولي من أجل اتفاق مالي بقيمة 4 مليارات دولار، في انتظار الخروج على السوق المالية لتعبئة موارد أخرى.

المساهمون