جلست أحصى حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر، حتى يوليو 2018، فوجدتها تتجاوز 20 مليار دولار، موزعة ما بين مستحقات دول عربية وأجنبية، ومستثمرين دوليين من حائزي السندات القصيرة الأجل التي تم طرحها في نوفمبر ويناير الماضيين، وديون مستحقة كذلك لدول نادي باريس البالغ عددها 19 دولة.
فهناك 12 مليار دولار مستحقة لثلاث دول خليجية، منتصف العام المقبل 2018، بواقع ملياري دولار للسعودية وملياري دولار للإمارات ومليار دولار للكويت، وهذه الدول منحت المبالغ الضخمة لمصر قبل نحو 4 سنوات لدعم نظام 3 يوليو 2013.
ساعتها، هلل الإعلام المصري بالدعم الخليجي السخي للنظام الجديد، ومساندة الدول الخليجية للاقتصاد القومي الذي تأثر بشدة بتداعيات ما جرى يوم 3 يوليو، لكن لم يقل أحد وقتها إن جزءاً من الأموال الخليجية الممنوحة كانت عبارة عن قرض مساند أو وديعة لدعم الاحتياطي الأجنبي لدي البنك المركزي، وأنه سيتم رد هذه الوديعة بعد 5 سنوات.
ورغم أن بعض المصادر المصرية تتحدث في الخفاء عن امكانية تنازل بعض دول الخليج الثلاثة عن المديونيات المستحقة على مصر منتصف العام المقبل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، الا أن كثيرين يستبعدون هذا الاحتمال، خاصة وأن الدول الدائنة تعاني من عجز في الموازنات العامة، وضغوط مالية شديدة ناجمة عن تراجع إيراداتها، دفعها لخفض الدعم وترشيد النفقات الحكومية وفرض ضرائب ورفع أسعار العديد من السلع ومنها الوقود، وبالتالي بات من الصعب تنازلها عن مديونياتها الخارجية في هذا التوقيت بالذات.
كما أن الخلافات السعودية المصرية الحالية قد لا تشجع على سيناريو تنازل المملكة عن مديونياتها المستحقة على مصر منتصف عام 2018، قد يحدث تأجيل في السداد، لكن لن يحدث اسقاط لكامل المديونية.
وبالإضافة لـ12 مليار دولار المستحقة لدول الخليج في يوليو 2018، هناك مديونيات أخرى مستحقة أيضا لدول خليجية قبل هذا الموعد، منها 500 مليون دولار قيمة سندات خزانة اشتراها صندوق التنمية السعودي الحكومي خلال عام 2014 ويحل موعد سدادها في يونيو/حزيران المقبل، وقد كشف مسؤول حكومي في مصر قبل أيام عن أن وزارة المالية تبحث مع البنك المركزي كيفية تدبير المبلغ.
وهناك مليار دولار دينا مستحقا لتركيا كانت أنقرة قد منحته لمصر في أكتوبر 2012 آبان حكم الدكتور محمد مرسي، ويستحق السداد في أكتوبر 2017، وقد وعد البنك المركزي المصري سداد الدين في موعده.
ومن بين المديونيات المستحقة على مصر أيضاً مليارا دولار قيمة وديعة مستحقة للبنك المركزي الليبي، وهناك مفاوضات تجريها حاليا السلطات المصرية مع نظيرتها الليبية لتأجيل سداد الدين المستحق في أبريل 2018، إلا أن القرار النهائي ربما يتوقف على تفاهمات سياسية بين البلدين.
وهناك مديونيات أخرى مستحقة على مصر لأصحاب السندات الدولية وبنوك وصناديق استثمار عالمية، منها مليار دولار مستحقة في نوفمبر 2017 ضمن 4 مليارات دولار تم الحصول عليها عبر طرح في بورصة إيرلندا، ومليار دولار مستحق في يناير 2018 ضمن 4 مليارات دولار تم جمعها من الأسواق الدولية في الأسبوع الأخير من شهر يناير 2017.
وهناك 3.5 مليارات دولار قيمة مديونيات متأخرة مستحقة لشركات النفط والغاز العالمية العاملة في مصر، وقد أعلن طارق عامر محافظ البنك المركزي أخيراً، الالتزام بسداد 1.5 مليار دولار خلال العام الجاري 2017، على أن يتم سداد الملياري دولار المتبقية حسب الخطة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي والتعهدات الحكومية التي قدمتها مصر للصندوق للحصول على موافقته على قرض بـ 12 مليار دولار.
وهناك نحو 2.4 مليار دولار من المقرر أن يتم سدادها لدول نادي باريس خلال العام والنصف القادم وذلك على 3 شرائح، الأول في يوليو 2017 والثاني في يناير 2018 والثالث في يوليو 2018 وبواقع 800 مليون دولار لكل شريحة.
وهناك 200 مليون دولار أرباح الشركات الأجنبية المتأخرة العاملة في مصر والتي فشلت في تحويلها بسبب اضطرابات أسواق الصرف قبل قرار تعويم الجنيه المصري بداية شهر نوفمبر الماضي، وقد وعد البنك المركزي بتحويلها قبل شهر يونيو القادم.
السؤال من أين ستأتي الحكومة بأكثر من 20 مليار دولار قيمة المديونيات المستحقة خلال الـ 16 شهرا المقبلة؟
قبل التطرق للسيناريوهات المطروحة يجب الإشارة هنا إلى أن مصر ملتزمة طوال السنوات الطويلة الماضية بسداد المديونيات الخارجية المستحقة عليها في مواعيدها المحددة، وأنها لم تتأخر في يوم ما عن سداد الأقساط، وأن هذا الالتزام يحسب لمصر، وأظن أن الحكومة ستكون حريصة علي هذه الميزة، إذ أن عدم السداد سيفتح أبواب جهنم على البلاد.
هناك عدة سيناريوهات للسداد، الأول هو نجاح الحكومة في تنشيط موارد النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات حيوية مثل السياحة والصادرات غير الزراعية والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات العاملين بالخارج، بحيث تدر هذه الموارد المبالغ الكافية لسداد بندين رئيسيين هما، أعباء وأقساط الديون الخارجية التي تجاوزت قيمتها 75 مليار دولار بنهاية شهر يناير 2017، وتغطية قيمة واردات لا زالت تتجاوز قيمتها 60 مليار دولار سنوياً رغم محاصرة عملية الاستيراد وتشديد القيود عليها في الفترة الأخيرة.
ونجاح هذا السيناريو يتوقف على أمور عدة منها حدوث استقرار سياسي حقيقي بالبلاد يشجع على عودة الاستثمارات الخارجية وتنشيط قطاع السياحة وزيادة الصادرات واقناع شريحة مهمة من العاملين في الخارج بتحويل أموالهم للداخل.
ثاني السيناريوهات؛ هو الاقتراض من الخارج لسداد الديون المستحقة علي مصر، وهنا تكون البلاد قد دخلت دائرة الاقتراض الجهنمي وهو الاقتراض لسداد قروض.
أما السيناريو الثالث، فهو السحب من الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي والبالغ 26 كمليار دولار، وفي هذه الحالة سينهار الاحتياطي، لا قدر الله، والبلاد لا تتحمل تبعات هذا السيناريو المزعج والخطير الذي يعقبه خفض التصنيف الائتماني، ورفع كلفة الاقتراض الخارجي وغيرها.