دولرة عقارات مصر... انهيار الجنيه يرفع جدار الأسعار

16 ابريل 2023
مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة قادت موجة صعود الأسعار (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد أسعار العقارات في مصر ارتفاعاً جنونياً، رغم الركود الذي تشهده الأسواق وزادت حدته مطلع العام الجاري، وسط أزمة مزمنة في الدولار، لتتحول العملة الخضراء إلى وسيلة الدفع الأكثر رواجاً لقيمة العقارات الفاخرة، والمعيار القياسي للتسعير في المدن الجديدة والمناطق الراقية والمتوسطة في مختلف الأحياء.

تدفع شركات عقارية عربية ومحلية عملاءها لسداد قيمة العقارات بالقيمة الموازية للدولار، بينما تمنح الحكومة التي تعاني من شح في العملة الصعبة أفضلية لبيع الأراضي والعقارات المملوكة للدولة لمن يدفع بالدولار، حيث تسببت السياسات الحكومية في إدارة الملفات الاقتصادية والعقارية في قفزات هائلة لأسعار العقارات، أدت إلى كبح الطلب على الشراء، رغم وجود ملايين الوحدات المعروضة للبيع في أنحاء البلاد، ومواجهة قطاع العقارات خسائر فادحة.

وتؤكد بيانات لجنة التطوير العقاري في جمعية رجال الأعمال المصريين تأثر أسعار العقارات بشدة عقب اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، مع توجه الحكومة إلى سياسات التشديد النقدي، عبر رفع أسعار الفائدة ومنع الواردات، بالتزامن مع الخفض المتكرر لقيمة الجنيه أمام الدولار.

وتظهر تقارير المطورين العقاريين ارتفاعاً متكرراً في أسعار الأراضي ومواد البناء، وعلى رأسها الحديد الذي زادت قيمته من 16 ألف جنيه إلى 40 ألف جنيه للطن خلال 14 شهرا. وسارت أسعار الإسمنت والأخشاب والتجهيز والديكور، بالإضافة إلى أسعار الطاقة والنقل والجمارك، على وتيرة التضخم، حيث بلغ 40.3% في فبراير/شباط الماضي، وفق بيانات البنك المركزي الصادرة الشهر الماضي.

انتهاء عصر الاستقرار

وقضت الأزمات المتعددة على الاستقرار الذي تحلت به السوق العقارية لسنوات، وتحول القطاع من قاطرة تمثل نحو 60% من مدخلات الناتج القومي إلى صناعة تواجه الموت الإكلينيكي في المدن القديمة، بسبب قيود البناء التي وضعتها الدولة، وعدم صدور قانون التصالح على المخالفات القديمة، وتباطؤ شديد في البناء بالمدن الجديدة، حيث تراجعت المبيعات بنسب هائلة، فخرجت أغلب شركات المقاولات من سوق العمل مدفوعة بالخسائر الفادحة.

يقول شريف سليمانن وهو مطور عقاري، إن الهبوط الحاد لقيمة الجنيه مقابل الدولار أدى إلى زيادة أسعار البناء والتشغيل، بينما هناك كلف مرتفعة في أسعار الأراضي المعروضة من الدولة باعتبارها المالك المهيمن على سوق الأراضي في المدن الجديدة والتجمعات الأكثر جاذبية للمشترين، خاصة في العاصمة الجديدة والتجمع الخامس (شرق القاهرة)، والشيخ زايد والسادس من أكتوبر (غرب) والعلمين والإسكندرية، والمنصورة الجديدة (شمال)، والمدن الساحلية والسياحية شرقي البلاد.

يضيف سليمان في حديث مع "العربي الجديد" أن "لدى إجراء مقارنة بين سعر المتر بالجنيه وإعادة تقييمه بالدولار، سنجد أن الأسعار الحقيقية بالعملة المصرية متراجعة بنحو 40%"، مشيرا إلى أن أزمة العقار الأخيرة بدأت عندما كان الدولار يوازي 15.7 جنيهاً، وتصاعدت مع تخطي الدولار 35 جنيهاً في السوق الموازية (السوداء)، وبلوغه 31 جنيهاً رسميا، و41 جنيهاً بالعقود الآجلة.

ويؤكد أن "شركات عقارية كبرى، خليجية ومحلية، تجري حساباتها وتسعير منتجاتها على أساس أن الدولار يوازي 46 جنيهاً"، مضيفا أن "شركات خليجية لجأت إلى التحوط بشكل أوسع عند تعاقدها، الشهر الماضي، على مشروعات جديدة، من خلال النص في العقود على تحمل العملاء مسؤولية أية زيادة تطرأ في التكاليف في حالة تصاعد الدولار عن 35 جنيهاً رسمياً".

وأحدث النظام الجديد الذي طرحته بعض الشركات الخليجية ضجة واسعة في السوق العقارية، وسط دهشة العملاء من عقود لا تضع سقفا لقيمة الوحدات. لكن سليمان يعتبر أن "هذه التطورات طبيعية في ظل عدم اليقين ووضوح الرؤية حول مستقبل الجنيه، وتوجه الحكومة إلى خفضه، وفق تعهدات أجرتها مع صندوق النقد الدولي لا تراعي وضع السوق ولا تضع في حساباتها الخسائر المترتبة على المقاولين والجهات الصناعية والإنتاجية، خاصة العقارات التي تحتاج ما بين 3 إلى 5 سنوات لإتمام مشروعاتها".

في الأثناء، طرحت هيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان، منتصف مارس/آذار الماضي، 3 قطع من الأراضي للبيع عبر التخصيص المباشر على مساحة 62 فدان، في مدينة المنصورة الجديدة (شمال القاهرة)، على أن يكون الدفع بالدولار ممن خارج البلاد. وحددت الهيئة سعر المتر بـ200 دولار لبناء منطقة سكنية وخدمية وترفيهية.

ويعرض مطورون كبار، خاصة الذين انتقلت ملكية شركاتهم في السنوات الأخيرة إلى مستثمرين إماراتيين، على المشترين الدفع بالدولار. ويرفض هؤلاء الالتزام بالقانون، الذي يحظر بيع منتجات بعملة أجنبية داخل الدولة من دون إذن مسبق من الجهات المختصة.

طلب متزايد على الدولار الشحيح

ويخشى محللون من دفع تجارة العقارات لزيادة الطلب على الدولار، نادر الوجود في البنوك، بما يعطل شراء الدولة للسلع الأساسية ويحرم القطاعات الصناعية والإنتاجية من استيراد مستلزمات الإنتاج، ويوجه السوق إلى "دولرة" على الطريقة اللبنانية، في أعقاب إفلاس الدولة.

وفي مقابل الركود الشديد في المبيعات، يعمد المطورون إلى زيادة مدة سداد الأقساط الشهرية، التي ارتفعت من متوسط 5 سنوات إلى 12 عاماً، وشملت مباني العاصمة الإدارية التي أصبحت مؤشراً على تصاعد الغلاء في أسعار العقارات.

يبرر مطورون في تصريحات لــ"العربي الجديد" زيادة الأسعار بارتفاع قيمة الأرض المخصصة من الحكومة، وارتفاع تكاليف البناء والتحوط لقيمة الانخفاض في قيمة العملة، وزيادة مدة السداد لجذب المشترين.

وبينما تتلاشى القدرات الشرائية للمقيمين في الداخل، تعول الشركات العقارية على شرائح من العاملين في الخاريج الفزعين من تبعات انهيار سعر الجنيه على أسعار العقارات، التي يرون أنها في تصاعد مستمر شهرياً، بينما العملاء المحليون يعانون من تراجع الدخل، ونقص السيولة، مع توقف البنوك عن ضمان التمويل العقاري، وارتفاع الفائدة على القروض إلى 25%، وتكاليف التسجيل والضرائب العقارية.

يقول باسم حمدي، وهو محلل عقاري، إن ربط العقار بالدولار أصبح أمراً شائعاً في السوق العقاري، الذي يعتمد على التمويل من الأفراد والأسر، وانتشر مع لجوء الحكومة ذاتها إلى بيع أراضي المدن الجديدة ومشروعات الإسكان بالدولار.

ويؤكد حمدي أنه رغم عدم التزام الحكومة بمواعيد تسليم الأراضي والمشروعات للحاجزين في المواعيد المتعاقد عليها، خاصة المصريين العاملين في الخارج، تسعى الشركات الخاصة إلى وضع التزام يحدد حقوق والتزامات كل طرف وفقا لسعر صرف الدولار، بما يضمن عدم حدوث مفاجآت غير مرغوب بها.

ويغري المطورون المشترين ببقاء العقار ملاذاً آمناً للادخار، مع إسراف في الوعود بأن تدر المشروعات الفاخرة عائداً سنوياً بالدولار، كبديل للجنيه، والتركيز على التسويق لبيع وحدات فندقية كاملة التشطيب، وبأقل مقدم، وأطول فترة تسهيلات تمتد إلى 12 عاماً، وعقد إدارة وتشغيل إلزامي لمدة 25 عاماً.

ويروج المطورون للارتفاعات التي تحدث في قيمة العقار، والتي فاقت 100% خلال عام وتصل إلى 200% في العاصمة الإدارية وأحياء راقية والتقسيمات المميزة في المدن الجديدة، والمتوسطة بالمدن القديمة كثيفة السكان. فيما يتجاهل المطورون الصعوبات التي يواجهها المشترون حال رغبتهم في السكن، خاصة في ظل عدم اكتمال المرافق في الكثير من المشروعات، والصعوبات البالغة في تحويل العقار إلى أصول سائلة خلال مدة وجيزة، وتحويل قيمة البيع للدولار خاصة بالنسبة للأجانب، رغم سدادهم قيمة الشراء بالعملة الصعبة.

ولم يعد مفاجئاً أن ترى إعلانات من قبل شركات عقارية كبرى تتحدث عن شقق سكنية في المدن الجديدة على أطراف القاهرة، بمساحات لا تتخطى 200 متر، يصل سعرها إلى 15 مليون جنيه (484 ألف دولار) على مدد سداد تصل إلى 10 سنوات. بينما يؤكد البنك الدولي أن مصر من الدول منخفضة الدخل، حيث يعيش 60% من السكان عند مستوى خطي الفقر، 30% منهم يعانون الفقر، و5% يحيون في فقر مدقع.

ويسبب انهيار الجنيه حالة هلع لدى أصحاب المدخرات، ما يدفعهم إلى توجيه مدخراتهم نحو ثقب أسود، حيث يندفعون لشراء الدولار والذهب والعقار خوفا من الاحتفاظ بالجنيه المتدهور، ما يزيد من أزمة العملة الصعبة، وارتفاع مدخلات الصناعة متأثرة بزيادة الواردات بداية من خامات الحديد والأخشاب.

وتقدر لجنة التطوير العقاري في جمعية رجال الأعمال عدد العقارات المطروحة للبيع بنحو 3 ملايين وحدة، مع حاجة الدولة إلى مليوني وحدة سنوياً لمواجهة زيادة الطلب ونمو السكان.

قفزة جديدة في الأسعار

ويتوقع فتح الله فوزي، رئيس اللجنة، حدوث انفراجة في السوق العقارية خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بانتقال مكاتب الوزراء وجزء من الحكومة للعمل من العاصمة الإدارية، باعتبارها قاطرة السوق حالياً، مشيرا إلى قفزة بأسعار العقار لن تقل عن 70%، بسبب غلاء مكونات العقار.

وتؤكد جمعية مطوري العاصمة والقاهرة الجديدة أن العقار يساهم بنحو 25% من الناتج الإجمالي. ويطالب أحمد أنيس، رئيس الجمعية، الحكومة بالتدخل الفوري في حل أزمات القطاع، وضمان استقرار أسعار الحديد ومواد البناء، وعودة القروض منخفضة الفائدة للقطاع العقاري، لتجنب خروج شركات كثيرة من سوق العمل.

تسير الحكومة على جمر النار، مع حاجتها إلى الدولار، وفشل دعواها في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة للاستثمار العقاري في العاصمة الجديدة (شرق) والعلمين (شمال) والجلالة (شرق)، والمدن الساحلية، التي وجهت نحو 8 تريليونات جنيه للاستثمار في الطرق والكجسور والمرافق الحيوية المؤدية لها، منذ عام 2014، وفقا لتصريحات رئاسية.

وتحتاج الدولة حاليا إلى رأس المال الأجنبي، لترويض التضخم وخطر الركود الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية التي حذر منها صندوق النقد والبنك الدوليين في تقاريرهما الأخيرة عن الحالة الاقتصادية في مصر.

ويتوقع بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس أن يستمر الضغط على الجنيه الضعيف أمام العملات الأجنبية، مع تصاعد مستمر في معدلات التضخم، حتى نهاية العام الجاري. وتدفع حالة عدم اليقين المستثمرين إلى التريث في توجيه ما لديهم من دولار إلى القطاع العقاري.

المساهمون