يضع العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة تحديا اقتصاديا كبيرا أمام القطاع والمنطقة بأسرها بعد الحرب، خاصة في ظل حالة "التدمير الشامل" التي تعمد الاحتلال نشرها في القطاع على مدى أكثر من شهر.
غير أن هذا التحدي ينطوي على فرص من وجه آخر، على رأسها المشاركة في إعادة إعمار غزة وتنمية اقتصادها، وهو ما تعول مفاوضات "وضع ما بعد الحرب" فيه على دول الخليج العربية، حسبما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" مؤخرا عن مسؤولين أميركيين.
فإذا كانت إعادة الإعمار تعتمد بالأساس على أنشطة الزراعة والصناعات الصغيرة والخدمات، فيمكن لدول الخليج أن تستثمر في مشاريع تنموية وبنيوية في غزة، مثل إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية والمياه النظيفة، وإعادة تأهيل الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات، وتطوير القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية.
كما يمكنها دعم ريادة الأعمال والابتكار من خلال تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن ذلك كله يظهر رهينة التوصل إلى وقف للحرب، وهو ما لا يلوح في أفق قريب حتى الآن، وفق تصريحات المسؤولين الأميركيين.
ومن واقع المواقف السياسية من مختلف أطراف الحرب، فإن قطر والكويت ثم السعودية تبدو أقرب للعب دور في ملف الإعمار، خاصة بعدما أعلنت عن حملات إغاثية بالفعل بملايين الدولارات، بعضها اكتسب الطابع الرسمي، مثل تلك الحملة التي أطلقها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، مطلع الشهر الجاري، حسبما أوردت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس".
غير أن خبراء في الاقتصاد السياسي يرون أن فرص تطوير العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل ستكون أكبر للإمارات والبحرين اللتين انخرطتا في تطبيع العلاقات معها في ظل ما يسمى اتفاقات إبراهام.
الإغاثة وإعادة الإعمار
ويشير الخبير في الاقتصاد السياسي، الأستاذ بجامعة لونغ آيلاند في نيويورك، بكري الجاك المدني، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن "الفرص المتاحة لدول الخليج بعد اندلاع حرب غزة يمكن حصرها في فرص آنية مباشرة، تتعلق بالإعانات والإغاثة، وأخرى في المدى المتوسط، وهي البناء وإعادة الاعمار في غزة والضفة الغربية".
أما على المدى البعيد، فيرى المدني أن "هناك واقعا جديدا يتخلق في المنطقة، ستكون الفرص خلاله متاحة بشكل أكبر للدول التي تملك فوائض مستثمرة في الصناديق السيادية، بصرف النظر عن موقف هذه الدول من الصراع في المنطقة".
ويشير الخبير في الاقتصاد السياسي، الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار، عبد القادر سليماني، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن إسرائيل ستسعى لزيادة روابطها بالدول التي وقعت معها اتفاقات تطبيع للخروج من مأزق الرفض الشعبي في المنطقة، وتراجع بعض الدول عن خططها للتطبيع، بعد العدوان الوحشي على غزة.
وتوقع سليماني عودة الثقل الاستراتيجي للدور الأميركي بالنسبة للسعودية والإمارات كجزء من تداعيات حرب غزة.