دعم رئاسي غير كافٍ لإنقاذ الجنيه المصري.. والأسواق تترقب قرار سعر الفائدة

22 يونيو 2023
تهاوي سعر العملة المحلية يفاقم معيشة المواطنين (فاضل داود/Getty)
+ الخط -

تترقب الأسواق اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، مساء اليوم الخميس، وسط أنباء متضاربة عن تراجع طفيف في سعر الدولار في السوق السوداء غير الرسمية، إثر تصريحات رئاسية بعدم ترك الجنيه يغرق أكثر من الحدود الحالية، بينما يتوقع محللون ماليون تعويما رابعا يطيح بـ 33% من قيمة الجنيه، قبل نهاية العام، مع عودة التراجع بسعر الجنيه، عقب إجازة طويلة لعيد الأضحى، تواكب بداية العام المالي الجديد.
يأتي اجتماع البنك المركزي اليوم وسط توقعات استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات إعلامية ومالية كبرى، ترجح تثبت البنك المركزي لأسعار الفائدة، دون تغيير، بينما يرى البعض ضرورة تغيير "المركزي" نهجه المتبع على مدار شهرين، برفع الفائدة بمعدل 100 نقطة.

يرى خبراء أن عدم رفع سعر الفائدة يضعف قيمة الجنيه في وجه الدولار والعملات الصعبة، مع ارتفاع القيمة الحقيقية للفائدة على الدولار والعملات الرئيسية وزيادة معدل التضخم.

خبراء: عدم رفع سعر الفائدة يضعف قيمة الجنيه في وجه الدولار والعملات الصعبة، مع ارتفاع القيمة الحقيقية للفائدة على الدولار والعملات الرئيسية وزيادة معدل التضخم

يبلغ سعر الفائدة على الإيداع والإقراض بالجنيه لليلة واحدة منذ إبريل/ نيسان الماضي، 18.25%، و19.25%، في حين استقر سعر الائتمان والخصم على العمليات الرئيسية بالبنك المركزي عند 18.75%.

يشير المؤيدون إلى أن البنك الفيدرالي الأميركي في قراره الأخير الأسبوع الماضي، بتثبيت سعر الفائدة على الدولار، للمرة الأولى منذ مارس/ آذار 2022، خفف الضغط على البنك المركزي المصري، بشأن توجهه للتشدد النقدي، تواكب ذلك رغبة حكومية بتثبيت أسعار الفائدة لإبقاء تكاليف خدمة الدين المحلي تحت السيطرة، وعدم زيادة أعباء الشركات عند الاقتراض، وبخاصة أن أغلب القروض تتجه لشركات حكومية، تسحب على المكشوف أو مكلفة بتنفيذ بنية أساسية غير ربحية للدولة.

قلق المستثمرين
يبدى أعضاء جمعيات اتحاد المستثمرين ورجال الأعمال، قلقهم من زيادة معدلات الفائدة التي تصل إلى 24% على قروض تشغيل تتجه أغلبها لتمويل تدبير مستلزمات إنتاج، تدفع بهم إلى وقف أعمالهم أو تخفيض عمليات الإنتاج، مع تحميل نسبة كبيرة من الزيادة الكبيرة بتكاليف التشغيل على مخرجات الإنتاج، تدفع الأسواق إلى الركود مع مزيد من التضخم.

يؤكد نائب رئيس اتحاد المستثمرين محمد خميس شعبان لـ"العربي الجديد" أن ارتفاع معدلات الفائدة مع شح العملة الصعبة دفع آلاف المصانع إلى التوقف عن العمل، مشيرا إلى تلقي الاتحاد شكاوى جمعيات مستثمرين بالمحافظات من صعوبة تمويل التشغيل، وتوقف أغلب المشروعات العقارية، التي لا تستطيع الحصول على قروض من البنوك، رغم الارتفاع الكبير في قيمة الفوائد.
يأتي ذلك الشح في النقد الأجنبي وسط توقعات تقودها بنوك "دويتشه بنك" الألماني و"سيتي بنك" و"غولدمان ساكس" الأميركية، بخفض وشيك لقيمة الجنيه، "لن يوقفه إلا توافر السيولة الكافية من النقد الأجنبي، عبر التزام الحكومة ببرنامج طروحات الشركات العامة، وزيادة عوائد السياحة وتحويلات المصريين بالخارج".

يأتي الشح في النقد الأجنبي وسط توقعات تقودها بنوك "دويتشه بنك" الألماني و"سيتي بنك" و"غولدمان ساكس" الأميركية، بخفض وشيك لقيمة الجنيه

يرى خبراء أن اتجاه البنك المركزي المصري على مدار عام كامل لرفع معدلات الفائدة، بلغت 1000 نقطة أساس، لم يدعم قوة الجنيه أمام الدولار والعملات الصعبة، ولم يوقف معدلات التضخم الأساسي التي ارتفعت إلى 40.3%، في مايو/أيار الماضي.
وأشار رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب فخري الفقي في تصريحات صحافية، إلى أن الحكومة لجأت إلى خفض متعمد في معدلات النمو ليتراوح ما بين 4.2% و4.1% عامي 2023 و2024، للعودة إلى معدلات التضخم المستهدفة من البنك المركزي عند حدود 7%± 2%، للسيطرة على غلاء الأسعار وتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة.
 

وعاء مثقوب
وصفت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورغيفا يوم الأحد، توجه البنك المركزي للحفاظ على سعر العملة الصعبة، دون تحقيق سياسة مرونة سعر الصرف المتفق عليها بين الحكومة والصندوق في اتفاق 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بأنها "أشبه بتخزين الماء في وعاء مثقوب" أو كما يقول المثل المصري "جمع الماء في الغربال". في تلميحات حول تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن سعر الصرف أصبح أمنا قوميا، لا يمكن للحكومة الاقتراب منه، إذا كان سيؤثر على حياة المصريين، قالت جورغيفا إن مسألة سعر صرف الجنيه ليست اقتصادية فحسب، وإنما متصلة بالاقتصاد السياسي أيضا.

قالت جورغيفا إن مسألة سعر صرف الجنيه ليست اقتصادية فحسب، وإنما متصلة بالاقتصاد السياسي أيضا

وأكدت في تصريحاتها من المغرب حيث يعقد الصندوق اجتماعات، أن وجود أكثر من سعر صرف واحد للعملات الأجنبية، يمنح بعض الناس امتيازات عن غيرهم، ويستنزف احتياطات الدولة من العملة الصعبة، ويفاقم الأزمة الاقتصادية.
وأشارت المسؤولة الدولية إلى خوض خبراء الصندوق مناقشات واسعة مع الحكومة المصرية حول الإسراع في خصخصة الشركات العامة، لتوفير السيولة اللازمة لتعزيز تنافسية الاقتصاد، وتخصيص الدعم للفئات الأكثر فقرا، وتقليص الدعم الذي يستفيد منه الأغنياء، وهذا ما التزمت به الحكومة، "إلا أنه مطلوب المزيد".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأدى تباطؤ الحكومة في تنفيذ برنامج طرح الشركات العامة للبيع، وعدم الالتزام بمرونة سعر الصرف إلى وقف صندوق النقد الشريحة الثانية من قرض بقيمة 3 مليارات دولار يدفع على أقساط ربع سنوية على مدى 46 شهرا، لحين صدور المراجعة الأولى للبرنامج المعطلة منذ مارس/آذار الماضي.

تدفع ضغوط الصندوق البنك المركزي المصري إلى نفق مظلم، لعدم قدرته على تدبير العملة الصعبة للموردين وأصحاب المشروعات التي تتعطل مطالبهم داخل أروقة البنوك الرسمية، ويندفعون لتدبير بعضها عبر قنوات السوق السوداء.

ضغوط على الجنيه
يتعرض الجنيه لضغوط شديدة، منذ عام 2016، عقب توقيع أول اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، أدى إلى تراجع بقيمة الجنيه بنحو 60% عام 2017، وزادت حدة التراجع منذ فرض قيود على استخدام العملة الصعبة وتقليص الواردات مع تعويم الجنيه على 3 مراحل، ساهمت في خفض قيمته بما يزيد عن 50% رسميا منذ مارس 2022.

أشار تقرير أصدره دويتشه بنك الألماني منتصف الأسبوع، إلى توجه الجنيه إلى مزيد من التراجع ليصل الدولار إلى 37 جنيهاً عند نهاية العام 

وأشار تقرير أصدره دويتشه بنك الألماني منتصف الأسبوع الجاري، إلى توجه الجنيه إلى مزيد من التراجع ليصل الدولار إلى 37 جنيهاً عند نهاية العام الجاري.

اعتمدت وحدة الإحصاءات بمصرف "دويتشه بنك" في تحليلها على ارتفاع العقود المحلية الآجلة غير القابلة للتسليم، إلى 160%، والتي تعكس توقعات بتخفيض رابع بقيمة العملة يصل إلى 33% من أسعارها الحالية.
يبدى دويتشه بنك مخاوفه من أن يؤدي التراجع الحاد في سعر الجنيه إلى نتائج عكسية في جذب التدفقات النقدية المستدامة، مشيرا إلى تحويل المستثمرين الأجانب إلى بائعين في البورصة مدفوعين بثبات سعر الصرف، وتباطؤ عمليات الخصخصة.

وقبل أسبوع، قال "غولدمان ساكس" إن مصر تحتاج إلى ما يزيد على 5 مليارات دولار من الموارد الأجنبية من أجل إجراء تعويم جديد في قيمة العملة.
وتوسعت الحكومة في الاقتراض الداخلي والمحلي لتمويل مشروعات بنية أساسية، غير ربحية، أدت إلي زيادة الدين الخارجي 162.9 مليار دولار نهاية 2022، عدا قروض اقترضتها هيئات عامة بضمان وزارة المالية بقيمة 17 مليار دولار، في نفس العام.

ووصف محللون عمليات الاقتراض "بأنها سياسة منفلتة" تدفع العملة المحلية للتراجع، مع زيادة معدلات التضخم. كما تحاول الحكومة إصلاح الاقتصاد عبر سياسات مالية متشددة، برفع معدلات الفائدة بالبنوك، بينما تحتاج إلى إعادة هيكلة اقتصادية شاملة ومستمرة لسنوات.