دستور تونس الجديد: بنود اقتصادية لا تحاكي حدة الأزمة

02 يوليو 2022
خلال تحرك اتحاد الشغل الأخير (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

 خصص مشروع الدستور التونسي الجديد عدداً من الفصول للشأن الاقتصادي، إلا أن الخبراء والمتابعين لمسار الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تمر بها البلاد، لفتوا إلى أن البنود والفصول الاقتصادية في المشروع لا تلحظ حدة الأزمة التي تعيشها تونس، وذلك رغم الإضراب الضخم الذي نفذه الاتحاد التونسي للشغل أخيراً، فيما تغيب الرؤية الاقتصادية التي يمكن أن تنتشل البلاد من ركودها وتمنع تكرار المشكلات في المستقبل، لا بل إن غالبية البنود الاقتصادية الواردة في مشروع الدستور تكبح النمو والاستثمار وبعضها يعاكس مضمونها.

والخميس صدرت في الجريدة الرسمية نسخة من مشروع الدستور الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء الشعبي يوم 25 يوليو/ تموز. ونصت المادة الخامسة عشرة من المشروع على أن أداء الضرائب والتّكاليف العامة واجب على كل شخص على أساس العدل والإنصاف وكل تهرب ضريبي يعتبر جريمة في حق الدولة والمجتمع. كما اعتبرت المادة السادسة عشرة أن ثروات الوطن ملك للشعب التونسي، وعلى الدولة أن تعمل على توزيع عائداتها على أساس العدل والإنصاف بين المواطنين في كل جهات الجمهورية.

كما أوجب مشروع الدستور الجديد عرض الاتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية على مجلس نواب الشعب، وعلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم للموافقة عليها (برلمان ثان سيتم إحداثه بمقتضى مشروع الدستور). أما المادة السابعة عشرة فتعلّقت بدور الدولة في ضمان التعايش بين القطاعين العام والخاص، والعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العدل الاجتماعي، بينما تحدّث الفصل الثّامن عشر عن واجبات الدولة في توفير كلّ الوسائل القانونية والمادية للعاطلين عن العمل لإحداث مشاريع تنموية.

وقال الخبير الاقتصادي خالد النوري إن الدستور الجديد لم يحمل رؤية اقتصادية واضحة، بل اكتفى بمجرد إعلان نوايا تمت صياغتها انطلاقا من مشروع سابق للرئيس قيس سعيد، معتبرا أن بعض المواد قد تعطي مفعولا عكسياً لما تبتغيه. وأكد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن معاقبة المتهربين من الضرائب تخضع حاليا للقاعدة الثلاثية في المادة الجزائية التي يمكن أن تصنّف هذا الفعل من جنحة إلى جناية، غير أن تجريمه بشكل عام يمكن أن يعطي مفعولا عكسيا بارتفاع نسبة التهرّب الجبائي بسبب التشدد المرتقب للقوانين وإلغاء السلطة التقديرية لمصالح استخلاص الجباية.

وأضاف أن تجريم التهرب الضريبي يحدّ من السلطة التقديرية لمصالح الجباية التي يمكنها إيجاد تسويات مع المتخلفين عن دفع الجباية دون اللجوء إلى التقاضي. وفيما يتعلّق بعرض الاتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية على مجلس نواب الشعب، وعلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم للموافقة عليها من أجل توزيعها بشكل عادل بين كافة الولايات، رأى الخبير الاقتصادي أن وجوب الحصول على موافقة غرفتين تشريعيتين على اتفاقيات عقود الاستثمار يحد من حرية المبادرة الاقتصادية ويتعارض مع توصيات البنك الدولي في مجال المنافسة الحرة.

واعتبر أيضا أن هذه المادة تتعارض مع توصيات منظمة التنمية والتعاون الدولي في ضمان حقوق المستثمرين، وتفرض قيودا جديدة على الاستثمارات في تناقض مع قانون الاستثمار الذي صدر عام 2018. وحول ضمان الدولة للتعايش بين القطاع الخاص والعام، قال النوري إن هذا الفصل قائم على منطق اقتصادي هجين ولا علاقة له بقواعد المردودية الاقتصادية، منبهاً من تداعيات المزيد من خنق الاستثمار على المناخ الاجتماعي وإمكانيات خلق فرص العمل. وخلال جلسات كتابة مشروع الدستور الجديد لم يشارك أبرز الخبراء الاقتصاديين في أعمال اللجان ولم تتم دعوتهم لحضور الاجتماعات التمهيدية. كما أوكل الرئيس سعيّد رئاسة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لعميد المحامين إبراهيم بودربالة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وواجهت خيارات الرئيس سعيد بإسناد رئاسة اللجنة الاقتصادية لعميد المحامين انتقادات واسعة بسبب عدم تخصصه في الشأن الاقتصادي والمالي، في وقت تقدم فيه البلاد على مرحلة إصلاح اقتصادي شامل يواجه بمعارضة الأحزاب والقوى النقابية. وتفاوض تونس التي تعاني من ضغوط المالية العمومية وضعف نسب النمو صندوق النقد الدولي من أجل اتفاق قرض بقيمة 4 مليارات دولار مقابل إصلاحات سيتم بمقتضاها تقليص كتلة الأجور ورفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات.

بدوره، قال الخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد شرف الدين اليعقوبي إن مشروع قانون الدستور غيّب تماما شفافية الإدارة كواحد من مبادئ الحوكمة الأساسية. أما في ما يتعلق بالتوزيع العادل للثروات بين الجهات، شرح اليعقوبي لـ "العربي الجديد" أن آليات الحوكمة والمساءلة أُضعفت في مشروع الدستور سيما بعد إلغاء هيئة مكافحة الفساد. واعتبر أن مشروع الدستور الجديد أعاد تقريبا نفس مبادئ دستور 2014 في هذا المجال الذي عجز عن خلق آليات عملية للتوزيع، وبقيت الحكومات في مستوى الآليات التقليدية للتوزيع التي لم تحقق التنمية الشاملة.

المساهمون