أظهرت التباينات المتوالية، على مدى الأشهر الستة الماضية، بشأن قرارات إنتاج النفط في تكتل "أوبك+" خلافات كامنة بين السعودية وروسيا من جانب، وبين السعودية والإمارات من جانب آخر، ما يؤشر لاستمرار حالة "اللايقين" بشأن مستقبل سوق النفط، ويزيد من احتمال التقلب في الأسعار.
غير أن توافق السعودية وروسيا في القرار الأخير لـ"أوبك+" بتمديد الخفض الطوعي لإنتاجها من النفط الخام بمقدار 300 ألف برميل يومياً حتى ديسمبر/كانون الأول المقبل، قدم مؤشراً على أن جبهة الخلافات السابقة مع روسيا قد سكنت، بينما تبدو جبهة الإمارات أكثر احتمالا للحركة، خاصة في ظل تلويح سابق لأبوظبي بالخروج من التكتل على خلفية تعارض خفض الإنتاج مع مصالحها، ما دفعها للدعوة إلى العودة لزيادة إنتاج النفط.
وقال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، في تصريح للصحافيين بعد اجتماع ممثلي "أوبك+" بفيينا في 5 يوليو/تموز الماضي، إن تخفيضات الإنتاج التي تم إقرارها حتى نهاية أغسطس/آب "كافية للمساعدة على توازن السوق"، حسبما أوردت وكالة "رويترز".
ومنذ ذلك الحين تواصل الإمارات زيادة إنتاجها النفطي على عكس اتجاه السعودية وروسيا، حسبما أورد تحليل لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، لافتا إلى أن المكاسب الهادئة التي حققتها الإمارات بسوق النفط، تؤكد تحديًا آخر للسعودية، ولكن هذه المرة مع حليف مفترض أصبح منافسًا اقتصاديًا بشكل متزايد.
دعم الأسعار
ويشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن بعض التوتر يشوب العلاقة الروسية السعودية حول سياسة تخفيضات الإنتاج، لكن ثمة مبالغة في تقدير ذلك.
ويوضح أن سبب التوتر يعود إلى أهداف كل من البلدين، فالهدف السعودي يتمثل في دعم الأسعار من خلال التخفيض الطوعي للإنتاج، البالغ مليون برميل يوميا، وتمديده حتى نهاية العام للحصول على أسعار عالية لتمويل مشروعات كبيرة في إطار خطة رؤية 2030، بينما تفضل روسيا بيع أكبر كميات ممكنة، ولو بسعر أقل، من أجل الحصول على السيولة المطلوبة لتمويل حربها في أوكرانيا.
ويشير إسماعيل، في هذا الصدد، إلى أن إيقاف روسيا الإفصاح العلني بانتظام عن تفاصيل إنتاجها للنفط وتصديره هو أحد عوامل التوتر الكامن مع السعودية، إذ يعزز الشكوك حول الممارسات الروسية.
ومع ذلك، يؤكد إسماعيل، أن المبالغة في تقدير هذا التوتر غير صحيحة، لأن "روسيا تستفيد من سياسة السعودية الإنتاجية"، وطالما استمرت أسعار النفط فوق 80 دولارا للبرميل سيستمر التحالف بينهما.
أمر واحد فقط سيدفع روسيا إلى تفكيك تحالفها مع دول "أوبك"، وعلى رأسها السعودية، وهو انهيار أسعار النفط لمستويات متدنية بما يشعل "حرب حصص"، كما حدث في مارس/آذار وإبريل/نيسان عام 2020، بحسب إسماعيل.
الحرب السعرية
ويشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخلافات بين السعودية وروسيا كانت موجودة منذ عام 2020، وبدأت مع "الحرب السعرية" بينهما بسبب عدم قبول روسيا لتخفيضات الإنتاج بعد جائحة كورونا، لكن المرحلة اللاحقة شهدت توافقا في السياسات بين البلدين.
ومع ذلك، يلفت الشوبكي إلى أن عدم رغبة روسيا في تخفيض الإنتاج النفطي تظهر أحيانا نظرا للظروف غير الطبيعية التي يواجهها اقتصادها، والعقوبات التي تعاني منها، إضافة إلى عدم تقيّدها أحيانا بكميات الإنتاج المعلنة بعد إعلان تخفيضها، في ظل تحديد سقف سعري لاستيراد النفط منها.
وإزاء ذلك، يرى الشوبكي، أن الخلاف الأكبر وراء الكواليس بشأن الإنتاج النفطي يكمن بين الرياض وأبوظبي، فالإمارات هي الدولة الوحيدة التي أعلنت عن زيادة حجم إنتاجها بداية من عام 2024 بسبب عدم توافقها مع دول "أوبك+"، وعلى رأسها السعودية، بشأن تخفيض الإنتاج المتفق عليه، والذي يبلغ 1.7 مليون برميل مع بداية عام 2024.
والإمارات هي الدولة الوحيدة التي شهدت زيادة في أساس الإنتاج لديها بحدود 200 ألف برميل، وتسعى لزيادة أكبر، وهي الدولة الوحيدة التي أعلنت بصراحة، قبل شهر، أنها لن توافق على أي تخفيض جماعي للإنتاج، ولذلك جاءت التخفيضات اللاحقة للإنتاج معلنة بشكل طوعي، بحسب الشوبكي.
وتحاول السعودية امتصاص هذا الخلاف الكامن مع الإمارات، خاصة بعدما لوحت الإمارات بشكل غير رسمي برغبتها في الخروج من "أوبك" بشكل كامل، ولذا يرى الشوبكي أن "هذا الخلاف تحت الرماد ومرشح للصعود في أي لحظة".
ويشير الشوبكي، في هذا الصدد، إلى أن ما يضبط قرار أبوظبي حاليا يتمثل في 3 محددات: العلاقة مع روسيا والصين، ومحاولة الحفاظ على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة، والحاجة لزيادة الإنتاج النفطي فعليا، لأنها استثمرت مبالغ ضخمة لزيادة إنتاجها.
ومن شأن ذلك أن يؤثر على التنافس الاقتصادي الكامن بين الإمارات والسعودية، خاصة أن قوانين المملكة وأنظمتها الجديدة تستهدف الأخذ من حصة الإمارات من الاستثمار الأجنبي، وهو ما يصفه الشوبكي بأنه "تنافس اقتصادي غير معلن، لكنه واضح للعيان".
ولذا يتوقع الشوبكي أن تؤدي هكذا معطيات إلى خروج الإمارات في وقت ما من منظمة أوبك، وبالتالي إنتاج النفط بشكل حر تماما، ودون التقيد بأي ضغوط لتخفيضه.
لكن آثار "التمرد الإماراتي"، بحسب تعبير الشوبكي، قد تمتد لما هو أبعد من مجرد الخروج من أوبك، لأنه يحفز دولا أخرى، بينها الكويت والعراق وسلطنة عمان، لرفق سقف حصتها من سوق النفط بناء على سقف إنتاجها الحقيقي.
وإزاء ذلك، جاء تحرك السعودية بدعم انتخاب 3 مؤسسات حيادية لقياس الإنتاج الحقيقي لدول "أوبك+"، ليكون هذا القياس بمنأى عن الأرقام الرسمية التي تقدمها هذه الدول، في محاولة لإيجاد حلول تقنع دول التكتل بحيادية ومؤسسية صناعة القرار الخاصة بالإنتاج، وليس ارتباطها بمصالح الرياض حصرا.
ويرى الشوبكي أن الاجتماعات القادمة لأوبك+ ستحدد ما إذا كانت هذه المؤسسات ستحل المشكلة بشكل جذري بين السعودية من جهة، وروسيا من جهة ثانية، والإمارات ودول أخرى من جهة ثالثة، أم أنها لن تستطيع حلها.
أسعار النفط
وأسفر الاتفاق السعودي الروسي الأخير على تمديد التخفيض الطوعي لإنتاج النفط حتى نهاية العام بمقدار مليون برميل للسعودية و300 ألف برميل لروسيا، عن رفع أسعار النفط، إذ فاق سعر خام برنت الـ90 دولارا للبرميل، والخام الأميركي فاق الـ85 دولارا للبرميل، ما أدى إلى رفع أسعار البنزين.
ومن شأن ذلك أن يؤثر سلبا على شعبية الرئيس الأميركي، جو بايدن، وبالتالي على الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام القادم، ولذا يرى الشوبكي أن ثمة تنسيقا يجري بين روسيا والسعودية في هذا الشأن، خاصة مع الخلافات الواضحة بين الرياض وواشنطن، التي طلبت مرارا زيادة إنتاج النفط وتخفيض أسعاره، سواء من "أوبك+" أو من السعودية مباشرة.
لكن أسعار النفط المرتفعة تخدم السعودية، كما تخدم روسيا أيضا، خاصة في ظل استمرار الأخيرة في حرب أوكرانيا واحتياجها لرفع إيراداتها التي تبدو غير كافية لها رغم بيعها للنفط بأكثر من الحدود القصوى المقدرة في العقوبات الأوروبية والأميركية، بحسب الشوبكي.