خطر ندرة المياه يهدّد زراعة المغرب

29 نوفمبر 2021
الزراعة تساهم بنسبة كبيرة في الاقتصاد المغربي (Getty)
+ الخط -

لا تلهي الأمطار التي هطلت متأخرة في الأيام الأخيرة، المغاربة عن الانشغال بندرة المياه التي تلوح في ظل التغيرات المناخية والجفاف الذي يخشى أن يمتد لسنوات كما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي.

وكان تأخر التساقطات المطرية أثر على توفير مياه السقي لبعض المناطق، وساهم في التأثير على معنويات مزارعي الحبوب الذين ترددوا في الإقبال على الحرث والزرع، وأجج مخاوف منتجي الخضر والفواكه الذين يراهنون على أمطار أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من أجل زيادة جودتها.

تصويب السياسة الزراعية

ويذهب الخبير في القطاع الزراعي، محمد الهاكش، في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه يفترض من أجل تجاوز جزء من المشاكل المطروحة على مستوى تدبير المياه إعادة تصويب السياسة الزراعية بالتركيز على الزراعات التي تؤمن السيادة الغذائية، عوض اللجوء أكثر إلى تشجيع الزراعات التصديرية المستهلكة بشكل مفرط للماء.

ويعتبر أنه يجب في مسألة تدبير السياسة المائية، استحضار تأثيرات التغيرات المناخية والجفاف الذي ينعكس سلباً على حياة الفلاحين الصغار، خصوصاً في الأراضي البورية التي تعتمد على الأمطار، حيث يفترض إنجاز مشاريع تؤمن لهم الماء كي يستمروا في ممارسة الزراعة المعاشية التي تعول عليها الأسر.

واستدعى ملف الماء مثول وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أمام الغرفة الثانية من البرلمان، إذ عبر أعضاؤها عن انشغالهم بندرة المياه في العديد من المناطق، حيث يتخوفون من الخصاص على مستوى مياه الشرب أو السقي أو تلك الموجهة للصناعة.

تراجع حصة الفرد

وينشغل المغرب بالأمن المائي، في ظل توقعات تشير إلى تراجع حصة الفرد من المياه من 3000 متر مكعب سنوياً في الستينيات من القرن الماضي، إلى 700 متر مكعب في أفق 2025، حسب تقارير رسمية.

وتهدف السياسة المائية التي ينهجها المغرب ضمان نوع من التوازن بين تأمين حاجيات الشرب والزراعة، التي تستوعب 85 في المائة من المياه. ويرتقب أن يرتفع الطلب على المياه في المملكة، في الأعوام المقبلة، في سياق متسم بتوسيع مساحة الأراضي التي تعتمد على الري.

وقد شدد المستشار بالغرفة الثانية من البرلمان، عبد الكريم مهدي، في تدخله، على ضرورة إيجاد حلول لندرة المياه، عبر تحلية مياه البحر، غير أنه أكد ضرورة أن تكون كلفة تلك المياه متماشية مع إمكانيات المزارعين والشركات الزراعية.

المستشار بالغرفة الثانية من البرلمان، عبد الكريم مهدي: مشكلة الندرة ستكلف المغرب ما بين 6 و14% من الناتج الإجمالي المحلي

وأوضح المستشار بالغرفة الثانية من البرلمان أن الاستهلاك غير الرشيد للمياه أثر على المخزونات المائية، خاصة في شرق وجنوب البلاد، محيلاً على تقرير لمنظمة الزراعة والأغذية الذي أكد أن ندرة المياه يمكن أن تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في شمال أفريقيا، ومؤكدا أن مشكلة الندرة ستكلف المغرب ما بين 6 و14 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

واعتبر ممثل الاتحاد المغربي للشغل، بوشعيب علوش، أن نقص المياه في بعض المناطق يعزى إلى ضعف الحوكمة في تدبير المياه، والاستغلال المفرط في الزراعة، معتبراً أنه من غير المنطقي أن يخرج الناس للاحتجاج بسبب المياه في مناطق تعرف وجود سدود، في حين يحفر البعض الآخر الآبار في منازلهم.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويرى أنه يتوجب اعتماد مقاربة حازمة، التي من بينها إصدار قانون للماء وتعزيز شرطة المياه حتى تتولى عملية المراقبة، في الوقت نفسه، الذي يفترض فيه تحويل فائض المياه الذي تعرفه بعض المناطق إلى تلك التي تعرف نقصاً حاداً من تلك المادة، مع فرض السقي الموضعي في الزراعة وتحلية مياه البحر.

مشاريع لمواجهة ندرة المياه

وبدا وزير التجهيز والماء الجديد، نزار البركة، منشغلاً أكثر بندرة المياه، حيث تحدث عن التأخر الذي حدث في السابق في إنجاز بعض المشاريع، مشدداً على المراهنة على سياسة المياه التي تغطي الفترة بين 2020 و2027، والتي ستستدعي 12 مليار دولار.

واعتبر أنّ هناك قناعة تتمثل في كون الإمكانية الوحيدة التي يتوفر عليها المغرب في المستقبل من أجل مواجهة تداعيات التغيرات المائية، هي التركيز على تحلية مياه البحر، بالموازاة مع المضي في بناد السدود، حيث يراد توفير 20 سداً جديداً، تضاف إلى تلك التي تعبئ حالياً 19 مليار متر مكعب.

توجه المغرب نحو بناء 120 سداً في الثلاثة أعوام المقبلة، ضمن خطة توفير المياه في الأرياف التي لم تسلم من تأثيرات التغيرات المناخية

وأكد توجه المغرب نحو بناء 120 سداً في الثلاثة أعوام المقبلة، ضمن خطة يراد منها توفير المياه في الأرياف التي لم تسلم من تأثيرات التغيرات المناخية في الأعوام الأخيرة.

وذهب إلى أنه كان يفترض إنجاز ثلاثين عقداً حول المياه الجوفية، غير أنه لم يتم إبرام سوى عقدين، علماً أنّ تلك العقود ستؤدي إلى تعبئة المياه الجوفية بطريقة اصطناعية وتطعيم الإمدادات المائية بطرق مستمرة تحسباً للفترات التي يحدث فيها نقص في كميات المياه.

ويشدد على أنّه يجب بذل مجهود كبير على مستوى شبكة توصيل المياه الصالحة للشرب للساكنة، إذ إنّ نسبة ذلك لا تتعدى 60 في المائة، بل إن تلك النسبة تتراجع في الأرياف إلى 40 في المائة.

وكشفت تقارير حديثة أن مياه نهر ملوية، أحد أكبر أنهار المغرب، تراجعت بشكل حاد إلى درجة أنه بات عاجزاً عن بلوغ مصبه في البحر الأبيض المتوسط، لأول مرة في تاريخه، ما يهدد الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي في المنطقة، حسب خبراء في قطاع الزراعة.

ويعاني المغرب الذي تمثل الزراعة القطاع الأساسي في اقتصاده، من توالي مواسم الجفاف في السنوات الأخيرة، وسط إجراءات حكومية تستهدف الحد من تداعيات شح المياه على هذا القطاع الحيوي.

المساهمون