خريطة خسائر المدن المنكوبة: ليبيا تحتاج 7 مليارات دولار

15 سبتمبر 2023
الكارثة غيرت معالم المدن المنكوبة (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن إعصار "دانيال" أعاد تشكيل جغرافية المكان والسكان، في المدن الليبية المنكوبة شرقيّ البلاد، وسط خسائر اقتصادية كارثية شهدتها البلاد، لدرجة أن معالم المناطق المتضررة تغيرت، حيث اختفت أحياء بأكملها بعد انهيار المنازل والخدمات والبنية التحتية، ما اضطر الناجين من الأهالي إلى الاندفاع نحو نزوح جماعي إلى مناطق آمنة.

وبعد أيام على صدمة الإعصار والفيضانات، بدأت تظهر خريطة الأضرار الاقتصادية للكارثة، حيث جاء قطاع البناء والبنية التحتية في المقدمة على وقع انهيار آلاف المنازل والمنشآت، ثم تلا ذلك القطاع الزراعي والثروة الحيوانية من خلال تجريف مساحات شاسعة من الأراضي. كذلك كان لممتلكات المواطنين من سيارات ومتاجر وغيرها نصيب كبير من المأساة.

خريطة الأضرار الاقتصادية
قدّر مراقبون احتياجات البلاد من أجل إعادة الحياة إلى المدن المتضرّرة بنحو 7 مليارات دولار. وأكّدوا لـ"العربي الجديد" ضرورة إنشاء صندوق لإعادة الإعمار يكون تمويله محلياً من الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين وعبر المساعدات الدولية أيضاً. والمدن المتضرّرة تحتاج إلى خطط عمرانيّة جديدة وبنية تحتيّة، حسب المراقبين.
ويأتي ذلك، على وقع نزوح أكثر من 36 ألف شخص من المدن المتضررة، حسب بيانات منظّمة الهجرة التابعة للأمم المتّحدة، فيما تعرّض نحو 15 ألف مسكن في درنة فقط للضّرر الجزئي والكلّي، كذلك سبّبت العاصفة دانيال أضراراً جسيمة بالبنية التّحتيّة، بما في ذلك شبكة الطّرق، وتعطيل الاتّصالات والكهرباء.

في هذا السياق، قال المحلّل الاقتصاديّ جمعة المنتصر، إن أكثر من 25% من منازل درنة تعرضت للضّرر وبعض المناطق المجاورة لها، وكذلك مناطق الورديّة وسوسة وبعض القرى الصّغيرة.
وأوضح المنتصر لـ"العربي الجديد" أن التقديرات المبدئيّة لحجم الخسائر تشير إلى تعرض 15 ألف منزل للضرر، منها 4 آلاف منزل دمّر بالكامل، والباقي تضرر جزئياً.
وأشار إلى خسارة ما يزيد على 30 ألف رأس من الأغنام والمواشي، وتعرّض 10 مناطق زراعيّة في مناطق الشرق لخسائر بنسبة 30%. وأوضح أن هذه البيانات جاءت وفق تقارير للحكومة المعينة من مجلس النواب، وتقديرات أخرى غير رسميّة.

صندوق إعادة الإعمار
من جانبه، دعا أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية، عادل المقرحيّ إلى ضرورة إنشاء صندوق إعادة إعمار للمناطق المتضرّرة من فيضانات دانيال في المنطقة الشرقية.
وقال أستاذ الاقتصاد في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن الصندوق يحتاج نحو 7 مليارات دولار من أجل إقامة بنية تحتية وإعادة إعمار ما دمره الإعصار.
وأضاف المقرحي: بعد قراءة البيانات حول المناطق المتضررة من السيول والفيضانات، نستطيع أن نقول إننا نحتاج إلى بناء أحياء جديدة، خصوصاً وسط مدينة درنة حالياً، إن لم نكن نحتاج إلى بناء مدينة جديدة بعد تغير ملامح جغرافية المكان ونزوح أكثر من 30 ألف من سكانها. وقال: سبّبت العاصفة دانيال أضراراً جسيمة في البنية التحتية، بما في ذلك شبكة الطّرق، وتعطيل شبكة الاتّصالات، وهو ما يحتاج إلى تكلفة باهظة من أجل إصلاحها.
وفي هذا السياق، أيد المحلل المالي صبري ضوء، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنشاء صناديق لإعادة إعمار المناطق المتضررة. وقال إن حجم الكارثة كبير جداً بالنسبة إلى درنة وسوسة، وكذلك بعض الأحياء في البيضاء والقرى النائية الصغيرة، مضيفاً أن هناك حكومتين في ليبيا، وهذا يؤدي في الواقع إلى إبطاء المساعدة ومشاريع البنية التحتية.
وتابع المحلل المالي: نحتاج إلى صندوق يساهم فيه الجميع من الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة، وكذلك الدول الصديقة، محذراً من تكرار منهاج الصناديق التي قامت بها الحكومة في السابق دون إقامة حتى مشروع واحد على الأرض.

عشرات آلاف النازحين
ذكرت منظّمة الهجرة التّابعة للأمم المتّحدة أن 30 ألف شخص شُرّدوا من منازلهم في منطقة درنة فقط، ونحو ثلاثة آلاف نازح في البيضاء و2285 ألفاً في بنغازي.
يذكر أن درنة هي الموقع الأكثر تضرّراً، حيث أدت العاصفة دانيال إلى انفجار السدود واجتياح المياه لمناطق واسعة من المدينة، ما سبّب دماراً كبيراً.

وتؤدّي الطّرق المسدودة والمدمّرة والمغمورة بالمياه إلى تقويض إمكانيّة الوصول إلى الجهات الفاعلة الإنسانيّة بشكل كبير، وتوجد سبعة مداخل للمدينة، لكن المتاح حاليّاً اثنان فقط من الجنوب.
وانهارت الجسور فوق نهر درنة الذي يربط الجزء الشّرقيّ من المدينة بالغرب، وانقطع التّيّار الكهربائيّ على نطاق واسع، وتعطلت شبكة الاتّصالات.
وقال العامل في إحدى فرق الهلال الأحمر الليبي، علي العبيدي، لـ"العربي الجديد" إنّ منطقة درنة تعاني نقصاً حاداً في مياه الشرب، وشحّ البنزين. وأضاف العبيدي أن المنطقة القديمة لدرنة اختفت، مشيراً إلى أن الشوارع مغطّاة بالطّين والرّكام وتمتلئ بالمركبات المقلوبة. وقال إنّه من بين المناطق الجغرافيّة العشر في المدينة، نجت ثلاث مناطق فقط من الفيضانات.
وذكرت منظّمة الهجرة أنّ عدداً كبيراً من المهاجرين يعيشون في منطقة منخفضة متاخمة للوادي، ما يثير المخاوف على حياتهم.
وأفادت تقارير بأن عائلات نازحة عادت إلى منازلها، ولكن ليس جميعها صالحاً للسّكن، ما يسلّط الضّوء على احتياجات المأوى والموادّ غير الغذائيّة.
وأعلنت حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، أول من أمس، أن 12 دولة أرسلت مساعدات عاجلة وفرق إنقاذ إلى ليبيا، لإغاثة متضرري السيول والفيضانات التي ضربت المنطقة الشرقية.
وأوضحت عبر منصة "حكومتنا"، أن القوافل تضم فرق إنقاذ وانتشال الجثث، ومستشفيات ميدانية، وأطقماً طبية، وأجهزة دروب واستشعار حراري، وفرق غوص وشفط المياه، ومواد غذائية ومواد إيواء، وسفناً وطائرات للمساعدة في عمليات البحث.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتشير الإحصائية إلى أن سبع دول عربية أرسلت مساعدات، هي: مصر، والأردن، والكويت، والإمارات، وقطر، وتونس، والجزائر، بالإضافة إلى دول مالطا، وتركيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا.

تهالك البنية التحتية
تعاني ليبيا من تهالك بنيتها التحتية وغياب المشروعات التنموية، في ظل الصراعات العسكرية والاضطرابات الأمنية والانقسام المالي والاقتصادي للمؤسسات.
وذكر تقرير ديوان المحاسبة في آخر تقرير له سنة 2021 أنّ هناك قصوراً من وزارة الماليّة بشأن متابعة المشروعات المتوقّفة. وأشار ديوان المحاسبة إلى التأخر في صيانة وإعادة تأهيل سدّي درنة وأبو منصور بقيمة 2.28 مليون يورو.
وفي وقت سابق، أعلنت لجنة الأمم المتّحدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغرب آسيا "إسكوا"، أن الكلفة الإجماليّة للخسائر الناجمة عن الصّراع في ليبيا منذ اندلاعه في عام 2011، تبلغ نحو 576 مليار دولار، محذّرة من ارتفاع الكلفة بشكل حادّ إذا لم يحل السلام.
وتابعت إسكوا: إذا استمرّ الصّراع حتّى عام 2025، فقد يزيد ما يساوي 462 مليار دولار على الكلفة الاقتصاديّة، أي 80% من الكلفة في السّنوات العشر الماضية.
وأشار تقرير الهيئة الأممية لسنة 2022 تحت عنوان "الكلفة الاقتصاديّة للصّراع في ليبيا"، إلى تفاقم الخسائر الاقتصادية، بسبب تدمير الأصول الرأسمالية في قطاعات مثل النفط والبناء والزراعة والتصنيع، وتحويل الموارد عن الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية إلى الإنفاق العسكري.
وتشهد ليبيا حالة من الفوضى السياسية منذ اندلاع الثورة التي أطاحت معمر القذافي في عام 2011، ما أدى إلى انقسام الدولة الغنية بالنفط بين حكومة مؤقتة معترف بها دولياً تعمل من العاصمة طرابلس ويتبعها مصرف ليبيا المركزي، الذي يوزع الأموال على الإدارات الحكومية في جميع أنحاء البلاد، وأخرى في الشرق معينة من مجلس النواب.

المساهمون