خديعة الروس: تهريب جماعي للمليارات قبل غزو أوكرانيا... واليخوت مجرد طُعم

31 مارس 2022
بوتين والملياردير رومان أبراموفيتش خلال اجتماع لممثلي مجتمع الأعمال (Getty)
+ الخط -

ضجيج كبير يصاحب الإعلانات المتتالية للكثير من الحكومات الأوروبية حول مصادرة يخوت وعقارات لمليارديرات روس، في إطار العقوبات الصارمة التي استهدفت روسيا ورجال الأعمال المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين.

بينما تكشف مؤسسات مالية وبحثية عن هروب واسع للأموال والاستثمارات قبل وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا وحتى في أعقاب العقوبات المتتالية، حيث اتخذ أباطرة المال خطوات استباقية ولاحقة لتسهيل خروج استثمارات ضخمة إلى ملاذات آمنة، معتمدين في ذلك على خبرات سابقة مع العقوبات وثغرات قانونية وعلاقات متشابكة في مختلف البلدان، بما فيها الولايات المتحدة.

ليلة الرابع من مارس/آذار الجاري، طوقت الشرطة الإيطالية يختاً فاخراً بطول 215 قدماً، يملكه أليكسي مورداشوف، رابع أغنى شخص في روسيا، في ميناء إمبيريا بإقليم ليغوريا شمال غرب إيطاليا، لتتوالي منذ ذلك الحين إعلانات السلطات الأوروبية المختلفة عن مصادرة يخوت وفلل وتجميد استثمارات في أوراق مالية تعود لرجال أعمال روس بارزين، وتتشكل فرق عمل لملاحقة رؤوس الأموال على نطاق واسع.

السلطات الأوروبية المختلفة تعلن عن مصادرة يخوت وفلل وتجميد استثمارات في أوراق مالية لرجال أعمال روس بارزين، وتتشكل فرق عمل لملاحقة رؤوس الأموال على نطاق واسع

بيد أن الوقع يظهر مشهداً مختلفاً، إذ يستيقظ الغرب على "خديعة كبرى" مفادها أن الملياديرات الروس أخرجوا بالفعل استثمارات بعشرات مليارات الدولارات قبل الغزو الروسي لأوكرانيا وبعده، وحتى اليخوت التي يجرى ملاحقتها، بعضها نجح في مغادرة بلدان أوروبية والوصول إلى "أرصفة موانئ في ملاذات آمنة".

وشكلت تشابكات المصالح وخريطة المساهمات المعقدة للمليارديرات الروس في تعقيد الموقف بالنسبة للدول التي انخرطت في فرض عقوبات على روسيا ورجال أعمالها، كما منحت القوانين في بعض البلدان مرونة لأباطرة المال في استغلال ثرواتهم.

وبينما كشف تعاون بحثي مشترك لعدد من الشبكات الإعلامية بينها "إن دي آر" وشبكة "دبليو دي آر" الألمانيتان عن مجموعة من الممتلكات لفاحشي الثراء من الروس المقربين من بوتين، برزت في ألمانيا عقبات لتطبيق العقوبات على هؤلاء، رغم أن الحكومة الألمانية أشارت أخيراً إلى أنه تم تجميد التصرف بها. لكن بإمكان هؤلاء الاستمرار في استخدام ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة للمنفعة الشخصية.

وذكر موقع شبيغل أونلاين، أحد أكبر المواقع الإلكترونية، في تقرير له، أن ألمانيا تجد صعوبة في اتخاذ عقوبات ضد من وصفهم بـ"الأوليغارشية الروسية"، مضيفا "غالباً ما يكون من الصعب بالفعل توضيح حالة الملكية بشكل لا لبس فيه".

في الأثناء، أشارت شبكة "ايه آر دي" الإخبارية الألمانية، إلى أن مجموعة العمل الدولية تقوم الآن بجمع وتبادل المعلومات حول الأصول الروسية، بهدف تنفيذ العقوبات ذات الصلة بأفضل طريقة ممكنة، سواء في إيطاليا أو بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وألمانيا، لافتة إلى تشكيل فريق عمل بين وزارات المالية والشؤون الاقتصادية وعدد من الأجهزة الرسمية والأمنية المعنية لضمان تطبيق العقوبات بشكل فعال.

مجموعة العمل الدولية تقوم بجمع وتبادل المعلومات حول الأصول الروسية، بهدف تنفيذ العقوبات بأفضل طريقة ممكنة، سواء في إيطاليا أو بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وألمانيا

لكن تقارير متخصصة تظهر أن الأمر ربما يكون قد فات على تحالف العقوبات ضد روسيا ورجال أعمالها، فقد ظنوا أن تجميد اليخوت والعقارات الفاخرة والأندية الرياضية، مؤشر على نجاح جهودهم.

فقبل أسبوعين من فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه، نقل الملياردير الروسي فيكتور راشنيكوف حصة بقيمة 4 مليارات دولار في واحدة من أكبر شركات صناعة الصلب في روسيا من شركة وهمية في قبرص إلى بلاده خلال فبراير/شباط الماضي.

حتى قبل الحرب، كان فلاديمير بوتانين، أغنى شخص في روسيا بثروة تصل إلى 24.7 مليار دولار، ينقل أصوله من قبرص، فقد غادرت شركته القابضة الجزيرة أواخر العام الماضي 2021 لصالح منطقة اقتصادية خاصة في فلاديفوستوك، والتي كان الرئيس الروسي قد أنشأها لتشجيع الأثرياء على إعادة أموالهم إلى الوطن.

وبينما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الملياردير أليكسي مورداشوف قطب صناعة الصلب، في 28 فبراير/شباط الماضي، عقب أربعة أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث قامت السلطات بتجميد ممتلكاته الواسعة في أوروبا، ومن بينها يخت "ليدي إم" الذي يتضمن حوض سباحة وصالون تجميل، كان مورداشوف قد اتخذ خطوات استباقية من تلقاء نفسه، حيث قام في نفس اليوم الذي تم فيه فرض العقوبات، بنقل ملكيته التي تقارب قيمتها نحو 1.1 مليار دولار في شركة التعدين "نوردغولد" ومقرها لندن، إلى زوجته مارينا مورداشوف، كما قام بنقل جزء من حصته البالغة 1.7 مليار دولار في "تي يو آي" من شركة قابضة قبرصية إلى شركة مسجلة في جزر فيرجن البريطانية.

ويواجه الغرب متاهات في التعامل مع استثمارات الروس، فالحقيقة أكثر غموضاً وتكشف عن تغيير المليارديرات الروس ملكياتهم وتخليهم عن مقاعد في مجالس الإدارة والحصص المسيطرة، ضمن محاولة لاستباق خطوات المسؤولين في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي من أجل إعادة هيكلة أصولهم قبل أن يتم حظرها، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

يواجه الغرب متاهات في التعامل مع استثمارات الروس، فالحقيقة أكثر غموضاً وتكشف عن تغيير المليارديرات الروس ملكياتهم وتخليهم عن مقاعد في مجالس الإدارة والحصص المسيطرة

ويُعد ميخائيل فريدمان مثالاً آخر على تلك الممارسات، حيث عاقبه الاتحاد الأوروبي إلى جانب مورداشوف وشريكه في الأعمال بيتر أفين. بينما تظهر الإفصاحات بعد يومين تنازله عن الحصص المسيطرة في 3 شركات على الأقل في بريطانيا، حيث لم تتم معاقبته هناك وقام بنقل الأسهم لموظف سابق في شركة "ليتر وان" الاستثمارية التي شارك في تأسيسها.

كما خفض الملياردير فاديم موشكوفيتش حصته في المجموعة الزراعية "روس أغرو" إلى أقل من 50% قبل فرض العقوبات. بينما انسحب أندريه ميلينشينكو من حصته البالغة 17 مليار دولار في شركة "يوروتشيم" المنتجة للأسمدة وشركة توريد الفحم الحراري "سويك" في 9 مارس/آذار، وهو نفس اليوم الذي تم فيه الإعلان عن معاقبته وآخرين.

ويتطلب تطبيق العقوبات الامتثال من كافة القطاعات والشركات والبحث بسرعة في ملكية الشركات للعثور على الحسابات ذات الصلة وتجميدها.

أشار هوارد مينديلسون، كبير مسؤولي العملاء في مؤسسة "خارون" التي تستخدم التكنولوجيا والخبراء لبناء شبكة من العلاقات حول الأطراف الخاضعة للعقوبات، إلى أن المؤسسات المالية قد تستغرق وقتاً لتحديد الحسابات غير المعروفة بالفعل على نطاق واسع والمرتبطة بفرد خاضع للعقوبات.

وقال مينديلسون لوكالة بلومبيرغ، في وقت سباق من الشهر الجاري، إن الشخص الذي تتم معاقبته يمكنه استخدام ذلك الوقت والعمل على توظيف محامين ودراسة تغييرات الملكية ونقل الأصول.

وفي الولايات المتحدة نفسها التي تقود تحالف العقوبات ضد روسيا، هناك ثغرات قانونية تتيح لأباطرة المال الروس المراوغة إلى حد بعيد، حيث قاعدة الملكية 50% الخاصة بـ "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية"، والتي تنص على ضرورة حظر الممتلكات أو حصص الملكية التي يمتلكها الأفراد الخاضعون للعقوبات إذا كانوا يمتلكون 50% أو أكثر من الحصص الإجمالية، وهو ما يجعل التخلص من بعض الأسهم لخفض حصة الملكية مناورة شائعة لتجاوز تلك القاعدة.

في الولايات المتحدة نفسها التي تقود تحالف العقوبات ضد روسيا، هناك ثغرات قانونية تتيح لأباطرة المال الروس المراوغة إلى حد بعيد

وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها كبار رجال الأعمال الروس إلى تحويل الأصول. فقد باع قطب النفط غينادي تيمشينكو نحو 50% من أسهم شركة توزيع نفط فنلندية قبل أيام من تعرّضه للعقوبات عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وفي عام 2018، تم فرض عقوبات على الملياردير أوليغ ديريباسكا، من قبل الولايات المتحدة، حتى يضمن حذف شركة الألمنيوم "إي إن بلاس غروب انترناشيونال" من قائمة الشركات في "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" قام ديريباسكا بتقليص حصته إلى 45% بدلاً من 70% عن طريق القيام بمجموعة معقدة من المعاملات تنطوي على بيع أسهم لبنك مملوك للدولة ونقل أسهم وتبرعات خيرية.

وبالفعل، رفع "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" العقوبات المفروضة على "إي إن بلاس"، وأرجع ذلك إلى أن غالبية أعضاء مجلس إدارة الشركة مستقلون. وحتى بعد العقوبات الغربية الواسعة على روسيا ورجال أعمالها عقب غزو أوكرانيا، تضاعفت عمليات نقل الملكية، بينما قد يكون فات الوقت بالنسبة للآخرين، وفق بلومبيرغ.

الملياردير رومان أبراموفيتش صاحب "نادي تشيلسي لكرة القدم" قام، في 2 مارس/آذار، بعرض ملكيته في النادي للبيع. بعد أسبوع من ذلك، عاقبته بريطانيا و6 روس آخرين تاركة الفريق في أزمة.

وفي الأثناء، أشارت صحيفة شبيغل الألمانية، إلى دور الثغرات القانونية والمحامين ومستشاري العلاقات العامة ومقدمي الخدمات المالية والسماسرة في تقديم العون لأباطرة المال، سواء الروس أو غيرهم من المرتبطين بالنخب الحاكمة الفاسدة حول العالم.

للتسهيلات التي تقدمها المناطق والدول التي توصف بالملاذات الضريبية، ومنها دبي وسنغافورة وجزر الكايمان وغيرها،كان لها دورا في سهولة تحرك الأموال الروسية

كما أن للتسهيلات التي تقدمها المناطق والدول التي توصف بالملاذات الضريبية، ومنها دبي وسنغافورة وجزر الكايمان وغيرها، دورا في سهولة تحرك الأموال الروسية.

فقد أشار تقرير أخير لوكالة بلومبيرغ إلى أن سماسرة العقارات في أرقى أحياء دبي يقولون، إن الاستفسارات من الروس الباحثين عن الفلل والشقق تتزايد بشكل هائل، ومن بينهم رومان أبراموفيتش.

وفي هذا السياق، يقول محامو رجال الأعمال الروس، إن بعضهم يحاول نقل أصولهم إلى الإمارات، فيما أشارت مواقع الطيران المتخصصة إلى قدوم الطائرات النفاثة التابعة لأباطرة الأعمال الروس، بما في ذلك طائرة أبراموفيتش، إلى دبي، على الرغم من عدم معرفة من كان على متنها بالفعل.

المساهمون