حول إضراب غزل المحلة في مصر وأليات حصار الحراك العمالي

30 ابريل 2024
عمال غزل المحلة يطالبون برفع الحد الأدنى للأجور (وسائل التواصل)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عمال شركة غزل المحلة في مصر أضربوا مجددًا احتجاجًا على استثنائهم من قرار رفع الحد الأدنى للأجور، مستمرين في نضالهم الذي شهد عدة احتجاجات خلال العقد الماضي مرتبطة بمطالب اقتصادية.
- واجه العمال أساليب ضغط متعددة بما في ذلك الاحتواء، التهديد، والعقاب الإداري، مما يعكس تراجع الحريات النقابية والضغوط الأمنية والقانونية المتزايدة عليهم.
- رغم الوعود بتحسين الأوضاع، التحديات مستمرة مع بقاء عمال قيد الحبس الاحتياطي، مما يبرز الدعم الواسع للحركة العمالية والحاجة الملحة لتحسين الأوضاع المعيشية والعمالية في مصر.

عاود عمال شركة غزل المحلة بدلتا مصر الإضراب، نهاية فبراير/شباط الماضي، احتجاجاً على الاستثناء من تنفيذ قرار حكومي، يقضي برفع الحد الأدنى للأجور، ورغم عقبات تواجه الحراك، شهدت الشركة خمس محطات احتجاج في عشر سنوات، ارتبطت في أغلبها بمطالب اقتصادية، بينها تطبيق الحد الأدنى للأجور، والذي برز خاصة خلال عامي 2014 و2024.

كما تكرر احتجاجهم على تأخر صرف العلاوة ونسب الأرباح، وطالبوا بزيادة البدل الذي لم تتحرك قيمته منذ 2011. ويأتي الإضراب الأخير، معبراً عن استدامة أزمة عمال الشركة، ضمن تحديات عامة تواجه الطبقة العاملة في الدولة، منها قسوة الأوضاع المعيشية، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، بجانب انتهاك الحق في التنظيم والتعبير، وضعف البنى النقابية، وتهميش آليات التفاوض.

ويتضح من مسارات الحراك وفصوله، التوسع في استخدام أدوات الضبط، والتي تتخذ مظهرين أساسيين، الاحتواء والتهديد، والثاني الاستهداف والحصار الأمني والعقاب الإداري بوصفه مرحلة تالية، وكلاهما يستخدم في مواجهة الاحتجاج، ويؤشر إلى تراجع الحريات النقابية.

نقطة الانطلاق

جاء إضراب فبراير، احتجاجاً على الاستثناء من تنفيذ قرار حكومي، صدر في سبتمبر/أيلول 2023، يقضي برفع الحد الأدنى للأجور إلى ستة آلاف جنيه ضمن حزمة إجراءات اجتماعية لمواجهة أعباء المعيشة، وكانت نقطة انطلاق إضراب ديسمبر/كانون الأول 2006، حين طالب العمال بتنفيذ قرار رئيس الوزراء أحمد نظيف، الصادر في مارس/آذار من العام نفسه، بصرف ما يعادل شهرين من الراتب الأساسي.

لاحقاً، ومنذ إضراب 2007 حتى عام 2016، لم تقتصر المطالب على بنود اقتصادية مباشرة، فقد أدركت قطاعات عمالية أن تحسين أوضاعها المعيشية يتطلب تغييراً حقيقياً، يرتبط بقدرتهم على التعبير، واختيار ممثليهم النقابيين، ومواجهة فساد الإدارة التي يجب أن ترحل باعتبارها خطوة لبناء واقع جديد.

وبناء على هذا الاستنتاج، المرتبط بخبرات متراكمة، ركز العمال على أهداف بينها، وقف مخططات تخسير الشركة وتصفيتها جزئياً عبر بيع أصولها، وكذلك تطوير عمليتي التصنيع والتسويق، لزيادة الإيرادات.

وتكررت لائحة المطالب المرتبطة بهذه الأهداف خلال أعوام 2007 و2013 و2014 وليس انتهاء بإضراب 2016، لكن التغيير في بنية النظام السياسي، ترك آثاره على الحراك فيما بعد، وجرى التركيز على المستحقات المالية، وتكرار توجيه نداءات وشعارات مناشدة إلى المسؤولين، وتراجعت نسبياً لغة المواجهة مع إدارة الشركة والمسؤولين الحكوميين.

أدوات حصار الحراك

جاء حصار حراك عمال المحلة خلال عقد، ضمن سياق شل الطبقة العاملة وحرمانها من حقها في التعبير والتنظيم، بما في ذلك، الضغط الأمني، والعقاب الإداري، كما وظفت السلطة تشريعات تحدّ من الحق في التظاهر والإضراب، وخلالها أظهرت توجهاتها نحو الطبقة العاملة، وموقفها من الديمقراطية من زاوية أوسع.

كما ظهرت محاولات استيعاب القيادات النقابية، بجانب تضييق الخناق على النقابات والتجمعات المستقلة بشتى الطرق، فضلاً عن تشويهها، وضمن ذلك، تعرضت قيادات للضغوط، ودفعت ثمن المواجهة مع إدارة اتهموها بالفساد، وفصلت قيادات ونقلت أخرى في عامي 2015 و2016 خاصة حين طرحت مطالب تتعلق بمحاسبة إدارة الشركة وتغييرها.

إجمالاً يمكن إيضاح الأدوات التي استخدمت في محاصرة الحراك العمالي:
أولاً: آليات الحصار الأمني، وهي ممارسة قديمة، بدأت للعودة بوضوح منذ 2016، وتشمل تطويق مقار الشركات، واستدعاء عمالها، أو القبض عليهم من محل عملهم أو إقامتهم، بما يمثل ضغطاً على عائلاتهم أيضاً.

وغالباً يتعرض العمال للحبس بعد بلاغات من إدارة الشركة أو أصحابها، بتهم تشمل تخريب الممتلكات، والاعتداء على الإدارة، وتعطيل العمل، وأحياناً أخرى يفرج عنهم من أقسام الشرطة والنيابة بضمان محل إقامتهم، في إضرابهم الأخير، احتجز 38 عاملاً وعاملة من شركة المحلة، وأطلق سراحهم بعد استجوابهم، وقد تفاوتت فترات الاحتجاز.
لكن رغم الاستجابة الجزئية لمطلب المحتجين، والوعد بتنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور، ظل سيف العقوبة والتهديد قائماً، إذ بقي عاملان (وائل أبو زيد ومحمد طلبة) قيد الحبس احتياطياً، على ذمة القضية 717 لسنة 2024.

ووجهت نيابة أمن الدولة لهما، تُهماً بينها نشر أخبار كاذبة، والانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون، وفي تطورات القضية، جددت النيابة قرار حبسهم 15 يوماً للمرة الثالثة، يوم الأحد 21 إبريل/نيسان.
في المقابل، طالبت قوى سياسية وعمالية مصرية، بالإفراج عن العمال المحتجزين، وأوضحت دار الخدمات النقابية، في بيانات متواترة، أن التُّهم الموجهة إلى العاملين ليست ذات صلة بالإضراب الذي جاء عفوياً ومطالبه عادلة، وأن العمال ليسوا محل اتهام من الأساس حين طالبوا بتنفيذ قرار رسمي برفع الأجور.

وكشفت دار الخدمات أن القضية، التي يخضع فيها العاملون للتحقيق، تشمل آخرين، بينهم أمين الشرطة عبد الجواد محمد (رفع علم فلسطين على لوحة إعلانات بالإسكندرية) وضابط شرطة سابق، يعمل محامياً، ومشجعون لكرة القدم، في إشارة إلى عدم معقولية الارتباط بين المتهمين في القضية نفسها، ما يعيد التذكير بمأساة القضايا المجمعة، والمرتبطة بالحق في التعبير، والتي طاولت آلاف السجناء.
وأمام مشهد التصعيد وحملة القبض التي شملت عاملات غزل المحلة وعماله، أظهرت منظمات نقابية دولية تضامنها مع العمال، في حين لم يعلن الاتحاد العام لعمال مصر، ولا اللجنة النقابية تحركاً مماثلاً، ولم يصدر بياناً بشأن وضع العمال ومطالبهم، هذا رغم أن الاتحاد، وقبل إضراب غزل المحلة (بداية نوفمبر)، أرسل خطاباً إلى رئيس مجلس النواب يناشده شمول قرار الحد الأدنى للأجور ضمن حزمة الإجراءات الاجتماعية التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، عمال قطاع الأعمال.
ثانياً: أساليب الضغوط والعقاب الإداري بصورة تعسفية، وضمنها تقوم الشركات بالتحقيق الداخلي، وتوقيع عقوبات الخصم والنقل، وتوجيه إنذارات الفصل، والضغط من أجل الاستقالة وتسريح العمالة.
وإلى جانب ذلك، تستدعي الشركات أجهزة الدولة عبر تقديم بلاغات ضد العمال، وتشارك وزارة القوى العاملة بالوقوف في أغلب الأحيان ضد العمال، على سبيل المثال، ادعت الوزارة وجود عناصر مخربة تقف خلف إضراب غزل المحلة 2017 المطالب بالعلاوة الاستثنائية، ولم يختلف موقفها كثيراً في محطات الاحتجاج الأخرى.
وتأتي الضغوط بأدوات إدارية ملمحاً عاماً في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال، لكنه متدرج، يمكن أن يبدأ بالخصم من الراتب، والحرمان من العلاوة، وصولاً إلى النقل وانتهاء بإنذار العامل بالفصل، أو إيقافه عن العمل، وقد يرتبط الإجراء الأخير بتغيب العامل قسرياً، والمثال على ذلك أن شركة غزل المحلة وجهت إنذاراً بالفصل إلى عاملين قيد الحبس الاحتياطي، بعد مشاركتهم في إضراب نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وخلال عقود مضت، شهدت غزل المحلة حالات مشابهة من القبض على قيادات عمالية وسجنها، ونقل آخرين إلى أماكن بعيدة. بعض العمال استطاعوا الرجوع إلى عملهم، وآخرون خسروا وظائفهم نهائياً. ويعد الفصل والتسريح من الأدوات القاسية التي تواجه العمال؛ لذا خلال عمليات التفاوض أحياناً يكون شرط عدم ملاحقة قيادات العمال بعد انتهاء احتجاجهم حاضراً، ومعبراً عن تخوفات العمال من الانتقام.
وضمن أدوات مواجهة الحراك تحاول إدارات الشركات منع دخول العمال المصنع، سواء بإقرار إجازات إجبارية، أو بالتصدي لهم ومنعهم قسرياً من التجمع، كما جرى مع عمال النساجون الشرقيون (ماك)، وشركة حديد بشاي، ويونيفرسال، وإيجيبت فودز، وغيرها من شركات القطاع الخاص، والتي يتضح فيها بدرجة أكبر، تزامن الضغوط الإدارية والأمنية واتصالها وترابطها، وهي تعبير عن بنية السلطة وسلوكها تجاه حلفائها من رجال أعمال يشكلون جزءاً من السلطة، سياسياً وطبقياً.

ثالثاً: محاولات الاستيعاب عبر اللجان النقابية، حيث تقوم بعقد لقاءات أقرب إلى الضغوط منها إلى التفاوض، وتحيل الأزمات إلى النقاش بهدف كسب الوقت، وإن لم يبدِ النقابيون مرونة، فقد يتعرضون للعقاب حالياً أو لاحقاً، وجرى ذلك مع عمال المحلة مرات عدة.
وضمن الاستيعاب الذي لا يخلو من ضغوط اجتماعية، يُستدعى أحياناً بعض النقابيين القدامى لدعم التفاوض من أجل إنهاء الاحتجاج، ويلعبون دور الوساطة، ويشترك معهم آخرون لتيسير العملية التفاوضية. وتمتد سياسة الاستيعاب في جانب منها لتظهر السلطة أنها تلبي بعضاً من متطلبات معيشية، منها إقامة معارض السلع المخفضة، والتي اتخذتها حكومات حسني مبارك أداة تخفيف للأعباء، وتوسع فيها النظام الحالي أداة دعاية، حيث تُشعر العمال بعجزهم عن التسوق وانخفاض القيمة الشرائية لأجورهم، ما يستدعي ردة فعل سلبية، حين يكتشفون بأنها دعاية ليست بديلة عن الحقوق، كما جرى في زيارة محافظ الغربية لمعرض سلع في غزل المحلة.
فقد طرحت عاملات بمصنع الملابس، خلال زيارة المحافظ، طارق رحمي، تساؤلات حول تنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور، استخف المحافظ بمطلبهنّ، رغم ضآلة أجورهن فعلياً، وبعد هذه المواجهة الكاشفة بدأ الإضراب بالعاملات الغاضبات، ليشمل بعدها آلافاً من العاملين بمصانع الشركة، مرددين هتاف "واحد اثنين قرار الرئيس فين"، مشيرين إلى الحد الأدنى للأجور، والذي شكّل نقطة انطلاق الحراك في 2006، وسيكون مرتكزاً للاحتجاج مستقبلاً، ليس للعمالة الصناعية فحسب، لأن كل العاملين بأجر متضررون من الفجوة بين الأسعار والأجور، وليس في مقدور أغلبهم تدبير تكاليف الحد الأدنى من متطلبات المعيشة لأسرهم.

المساهمون