حكومة تونس تعود إلى ضريبة الثروة: صعوبات في التطبيق

10 نوفمبر 2022
المواطنون يخشون فرض المزيد من الضرائب على الاستهلاك (مراد مجيد/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت الحكومة التونسية طرح فكرة فرض ضريبة على الثروة مجدداً لتدبير مواد مالية إضافية لخزينة الدولة التي تعاني عجزاً كبيراً، بينما اعتبر خبراء اقتصاد أنّ فرض هذه الضريبة سيصطدم بصعوبات، وقد تأتي بنتائج عكسية، منها هروب الأموال من الدولة.
كشفت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، عن مناقشة السلطات مع المجلس الأعلى للجباية إمكانية فرض ضريبة على الثروة ضمن قانون مالية العام القادم (الموازنة العامة)، مرجحة أن تشمل الضريبة العقارات والأصول التي تفوق قيمتها 3 ملايين دينار (925.9 ألف دولار) بحسب المقترحات الأولية.
وتعيد تصريحات وزير المالية الجدل مجدداً بشأن فرض هذه الضريبة، إذ سبق أن ناقشت البرلمانات السابقة هذا المقترح الذي أُسقط في السنوات الماضية.
لكن الوزيرة التونسية قالت في مقابلة مع قناة "التاسعة" الخاصة، نهاية الأسبوع الماضي، إن الهدف من مقترح الضريبة، توسيع قاعدة الممولين والتدرج نحو عدالة ضريبية بما يسمح بتخفيف الأعباء مستقبلاً عن الطبقة المتوسطة والأجراء (العمال).
لكنّ الخبير الضريبي أنيس الوهابي، قال إنّ إجراءات زيادة العائدات الضريبية يجب أن تمر عبر تحسين استخلاص الجباية واحتواء المتهربين من الواجب الضريبي، معتبراً أن القوانين الحالية قادرة على توسعة القاعدة الجبائية دون اللجوء إلى فرض ضرائب جديدة، ومنها الضريبة على الثروة.

وأضاف الوهابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن السلطات قد تواجه صعوبات في جرد الأصول والأشخاص المعنيين بالضريبة على الثروة وتحديثها سنوياً، بينما يضمن النظام الجبائي الحالي لإدارة الجباية استخلاص موارد عن الملكيات، منها ما يعرف محلياً بـ"الزبلة والخروبة" وهي ضريبة تفرض على العقارات المبنية أو الأراضي البيضاء (غير المستغلة)، مشيراً إلى أن نسبة تحصيل الموارد من هذا الصنف من الضرائب لا يتعدى 20%، وهو ما يؤكد أن الخلل يكمن في أجهزة التحصيل، وليس مقتصراً على مستوى القوانين.
واعتبر الخبير الضريبي أن الحلول لتوسعة القاعدة الضريبية تحتاج إلى دعم أجهزة الرقابة والتحصيل الجبائي وإحداث قاعدة بيانات لربط المعلومات بين مختلف المصالح الحكومية، بما يساعد على تحديد الفئات المتهربة ضريبياً.
وحذر من أنّ الضريبة على الثروة قد تزيد من التهرب الضريبي أو ترفع الضغط الجبائي على الفئات الملتزمة فعلياً بالسداد، مؤكداً أنّ التجربة الفرنسية فشلت في هذا المجال، إذ أكد تقرير لمحكمة المحاسبات الفرنسية أنّ كلفة الضريبة على الثروة أكثر من المداخيل المستخلصة.
وقدر الوهابي حجم التهرب الضريبي سنوياً في تونس ما بين 7 مليارات و10 مليار دينار، مؤكداً أنّ الضريبة غير المستخلصة سببها الأنشطة غير المصرح بها (السوق الموازية) والنظام الجبائي التقديري الذي يضم المهنيين والحرفيين في القطاع الخاص الذين يصرحون بضرائب لا تتجاوز 0.5% من الدخل، فضلاً عن التصريح الضريبي المغلوط للعديد من المؤسسات التي تتعمد خفض الأرباح من أجل التهرب من الضرائب.
وأشار إلى أنّ التحسن في الإيرادات الضريبية خلال السنوات الماضية يشير إلى إمكانية تحسين العوائد منها بشكل أكبر، لافتاً إلى زيادتها بنسبة 14% ما بين 2020 و2021، كذلك قفزت من 10 مليارات دينار عام 2010 إلى 34 ملياراً العام الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 240%.
ويمثل تحسين استخلاص الضريبة من الفئات المتهربة جبائياً من بين العناوين الرئيسية لخطة الإصلاح الاقتصادي التي يقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يطالب بتخفيف الأعباء على الفئات الملتزمة جبائياً، ولا سيما طبقة الأجراء (العمال).

وقال الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، لـ"العربي الجديد": "كلّ الحكومات السابقة كانت مقصرة في جهود تحسين الاستخلاص الضريبي من المتهربين، بينما بإمكان السلطات تعبئة موارد مالية تغني عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي"، منتقداً لجوء الحكومة إلى الحلول السريعة لتعبئة الموارد، رغم كلفتها الاجتماعية الباهظة.
وتوصلت الحكومة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لصرف قرض جديد بقيمة (1.9 مليار دولار) مقابل حزمة إصلاحات، من بينها خفض دعم الغذاء والطاقة، وإعادة هيكلة شركات عامة تعاني عجزاً، وتقليص كتلة الأجور وتحسين التحصيل الضريبي.
وتواجه تونس صعوبات كبيرة في تحصيل عائدات ضريبية أكبر باعتماد القاعدة ذاتها من الممولين، وفق وثيقة تحليلية نشرها المعهد التونسي للقدرة التنافسيّة والدراسات الكمية الحكومي. وأظهر التحليل أنّ البلاد تستغل بالكامل الإمكانات الضريبية المتاحة.

قال الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، لـ"العربي الجديد": "كلّ الحكومات السابقة كانت مقصرة في جهود تحسين الاستخلاص الضريبي من المتهربين


وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية فاقمتها تداعيات الأزمة الصحية والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، وسط توقعات بمزيد من الصعوبات المعيشية، مع بدء تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي يفرضها صندوق النقد الدولي من أجل منح الحكومة القروض المتفق عليها.
ويتخوف مواطنون من زيادة الأعباء حال توجه الحكومة لزيادة العائدات من بنود تتعلق بالاستهلاك، بينما يشكو التونسيون من موجات الغلاء وتردي الظروف المعيشية، إذ ارتفع التضخم على أساس سنوي إلى 9.1% خلال سبتمبر/أيلول الماضي، مقابل 8.6% في أغسطس/آب الماضي، وسط استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محلياً، وارتفاع أسعارها عالمياً.
وفي مطلع العام الجاري، أعلنت الحكومة نيتها زيادة تعبئة موارد جبائية بقيمة 1.8 مليار دينار عبر زيادة أسعار التبغ، بما يمكّن من توفير 300 مليون دينار إضافية لخزينة الدولة، بخلاف مئات ملايين الدنانير من بنود أخرى لم تتحدد بعد.

المساهمون