بالرغم من حالة الاستقرار التي تعيشها مناطق سيطرة الإدارة الذاتية شمالي شرق سورية، إلا أن السكان يشتكون من واقع اقتصادي بالغ الصعوبة، وارتفاع أسعار غير معهود في السلع الضرورية للحياة اليومية.
ومع دخول حظر التجوال الكامل الذي فرضته الإدارة الذاتية حيز التنفيذ في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري لكبح انتشار فيروس كورونا، وجهت الإدارة دعوات للأهالي بضرورة شراء ما يلزم لهذا الحظر، الأمر الذي تسبب في حالة ازدحام شديد في أسواق المناطق التي فرض فيها، وهي مناطق القامشلي والحسكة والرقة والطبقة.
وانتقد الخبير الاقتصادي شوقي محمد، إجراءات الحظر الشامل الذي يستمر لمدة عشرة أيام، مقدما قراءة اقتصادية لهذا القرار وتبعاته على السكان. وقال إن عملية المبيعات التي تمت في اليوم السابق لفرض الحظر، بمثابة سلب لمدخرات الأسر.
وأضاف أنه لا يمكن إنكار أن ارتفاع الطلب أدى إلى تنشيط حركة الأسواق، وبالتالي تحريك العجلة الاقتصادية، ولكن ارتفاع الأسعار جعل فوائدها الاقتصادية محدودة، وتقتصر على فئة التجار غالباً.
وتابع الخبير الاقتصادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن البعض حقق إيرادات عالية، ولم يقدموا أي قيمة مضافة داخل الاقتصاد المحلي، ولم تتشكل دخول جديدة (أي فرص عمل لبعض الأفراد)، هي عملية انتقال أموال فقط من جيوب الناس إلى جيوب التجار بمزيد من الأرباح.
وقال إن الأموال ستتحول إلى سوق العملات غالباً، على اعتبار أن الحركة التجارية ستتوقف، وهذا ما قد يحدث مضاربات جديدة بسوق الصرف، كما أن الأموال التي صُبت في يد فئة قليلة من الأفراد ستكون كفيلة بإعادة حلقة تجارة المواد واستيرادها من جديد وهذا سيرفع عائدات رسوم المعابر.
وقدر محمد إجمالي الأرباح التي تحققت للتجار خلال الأيام التي لحقت قرار الحظر، بأنها تعادل أرباحهم لمدة ثلاثة أشهر ماضية على الأقل كمقارنة بين الطلب الحالي والطلب خلال الفترة الماضية نتيجة ارتفاع الدولار والأسعار.
وأضاف "حالات فرض الأسعار الاحتكارية وغياب التموين سمحت للتجار بالبيع بأسعار عالية، وبالتالي تحقيق أرباح على حساب القوة الشرائية المتهالكة للناس".
ونوه إلى أن الكثير من البضائع التي كانت قد اقتربت مهلة انتهاء صلاحيتها تم بيعها خلال ساعات، وخاصة تلك المواد التي لا تتحمل مهلاً طويلة، مما أنقذ التجار بعد تراجع الطلب نتيجة ارتفاع الأسعار. كما أن التجمعات التي حدثت في الأسواق قد تساهم في تفشي فيروس كورونا، مما يزيد أعباء مواجهته والحد من انتشاره، بينما يتضرر الكثير من الناس.
ووفقا لتقديرات محلية، تحتاج عائلة مكونة من 5 أفراد لنحو 600 ألف ليرة سورية (206 دولارات)، لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الشهرية في الوقت الحالي، بينما لا يتعدى دخل الموظفين لدى حكومة النظام السوري، المقيمين في مناطق الإدارة الذاتية 60 ألف ليرة سورية (20.6 دولاراً)، وتمنح الإدارة الذاتية للعاملين لديها رواتب تتراوح ما بين 200 و250 ألف ليرة سورية (68 - 87 دولاراً).
وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" إن غلاء الأسعار لا يعد الإشكال الوحيد الذي يواجهه سكان مناطق شمال شرق سورية، فعندما يكون هناك غلاء بسوية متصاعدة ومنتظمة، ربما يكون هناك مجال لدى السكان لتدبير واقعهم الاقتصادي ووضع خطة اقتصاد منزلي، ووضع برنامج شهري للمصاريف والاحتياجات التي يتطلبونها، لكن الفوضى وتأرجح الأسعار الحاد بين ارتفاع وآخر وغياب أي نوع من أنواع الاستقرار الاقتصادي أو المجتمعي تخلق الكثير من المشاكل بالنسبة للسكان.
وأكد المصدر أن هناك غيابا للرقابة في الأسواق بشكل ملحوظ، فمن الطبيعي في مدينة القامشلي على سبيل المثال أن يشتري المواطن سلعة من مكان معين، وتكون موجودة في مكان آخر بأسعار مضاعفة لذات السلعة أو سعر أقل، وهذا يسبب أزمة للعوائل.
ولفت إلى أن هناك نوعاً من الفساد يتخلل عملية توزيع الموارد يخلق بدوره أزمة اقتصادية ويزيد الأسعار، ما يفاقم معاناة الناس، مضيفا: "ما يؤخذ بعين الاعتبار في المناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، أن هناك نوعا من الاستقرار السياسي وهناك سلطة أمر واقع، وليست هناك حروب أو معارك، مع وجود نفط وزراعة ومعبر مفتوح على إقليم كردستان العراق، خاصة أن إدارة إقليم كردستان العراق لا تمنع دخول المواد، لكن تحكم بعض التجار والمتنفذين خلق أزمة معيشية وضاعف آثارها بوتيرة متصاعدة".
وتابع "كل المؤشرات الموضوعية كانت تدل على أن تسير الأمور نحو استقرار اقتصادي في المنطقة، كون هناك منظمات محلية ودولية تعمل في شرق سورية، إضافة للموارد في المنطقة، وهناك التحالف الدولي، ومشاريع مدعومة وممولة من قبل جهات خارجية تابعة لبعض الدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية، لكن لا تنعكس هذه المساعدات على الشارع والناس العاديين عموما، هناك وسطاء محليون وإقليميون ينهبون كل ما يدخل إلى هذه المناطق".