حصار قريش وفن مواجهة الأزمات المالية

22 مايو 2022
صورة لمجلس النواب في العاصمة الإدارية الجديدة (العربي الجديد)
+ الخط -

عندما حاصر كفار قريش النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الأجلاء في شعب أبي طالب لمدة 3 سنوات وقطعوا عنهم الطعام والشراب لدرجة أنهم أكلوا أوارق الشجر والجلود، كان النبي يعيش حياة التقشف بين صحابته، يقاسي معهم ألم الجوع والعطش والمقاطعة الاقتصادية الشاملة وينام على الأرض.

لم ينعزل الرسول عن صحابته يوماً واحداً، بل شاركهم سنوات الحصار التجاري والألم المادي والعزلة والقهر والظلم. لم يعش حياة فاخرة مرفهة وسط أناس ينهش بطونهم الجوع، ويواجهون خطر الإبادة الجماعية والتجويع الجماعي.

وعندما واجهت المكسيك أزمة اقتصادية حادة في العام 2018، كان أول قرار يتخذه الرئيس لوبيز أوبرادور هو بيع الطائرة الرئاسية الفاخرة بوينغ 787، التي كان يسافر على متنها سلفه، ضمن إجراءات تقشفية أخرى طبقت أولاً على مؤسسة الرئاسة ثم الحكومة.

عندما واجهت المكسيك أزمة اقتصادية حادة في 2018، كان أول قرار يتخذه الرئيس لوبيز أوبرادور بيع الطائرة الرئاسية الفاخرة

كما قرر بيع أسطول ضخم من الطائرات الأخرى في مزاد عام، منها 39 طائرة مروحية مملوكة للحكومة و33 طائرة صغيرة، مع توجيه حصيلة البيع لدعم المستشفيات الحكومية.

بل إنّ أوبرادور عرض في ذروة الأزمة المالية تأجير طائرة رئاسية فخمة للأعراس أو الحفلات وأعياد الميلاد، للحصول على عائد يجرى من خلاله شراء القمح والأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية للفقراء، وقال: "لن أركب الطائرة الرئاسية... سأشعر بالحرج والخزي إذا ركبت طائرة فاخرة في بلد يعاني من فقر شديد".

لم يكتفِ رئيس المكسيك بذلك، بل قرر عدم السفر إلى الخارج في محاولة لتوفير النفقات الرئاسية. وفي حال السفر للضرورة للمشاركة في الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة مثلاً، كان يستخدم الطيران التجاري شأنه في ذلك شأن أي مواطن.

وعندما كان اقتصاد مالاوي على شفا الانهيار، وتواجه الدولة الواقعة في جنوب شرق أفريقيا أزمة مالية حادة كادت أن تعصف بالبلاد، باعت رئيسة الدولة جويس باندا الطائرة الرئاسية الفخمة التي اشتراها سلفها بينجو وا موثاريكا، بهدف شراء القمح والذرة وغيرهما من الأغذية، لإطعام أكثر من مليون شخص يعانون الجوع والنقص الغذائي المزمن، وتخصيص جزء من حصيلة البيع لزراعة المحاصيل وإنتاج الحبوب.

لم تكتفِ رئيسة مالاوي بإجراءات التقشف التي اتخذتها لدعم اقتصاد بلدها ومواجهة الأزمة المالية، بل خفضت راتبها بنسبة 30% وتعهدت ببيع 60 سيارة مرسيدس تستخدمها الحكومة. كما طبقت سلسلة من إجراءات التقشف الأخرى، ومنها ترشيد الإنفاق الحكومي.

رئيسة مالاوي باعت طائرة رئاسية فخمة بهدف شراء القمح والذرة وغيرهما من الأغذية، لإطعام أكثر من مليون شخص جائع وفقير

وسار على هذا النهج رؤساء دول أفريقية ونامية فقيرة أخرى تخلوا عن امتيازات الرئاسة ومظاهر الفخامة والبذخ والسلطة الخادعة، وانتهجوا سياسة التقشف وبيع القصور والطائرات الرئاسية، وفضلوا الإقامة في منازل متواضعة مراعاة لمشاعر شعوبهم، وحاربوا مظاهر الفساد الكبيرة ولاحقوا فضائح الرشوة داخل بلدانهم.

ومن بين هؤلاء الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي طبق سياسة تقشفية، من أبرز ملامحها ترشيد النفقات العامة، ومنها نفقات الرئاسة وإلغاء امتيازات الوزراء المالية، وطبق تلك السياسة على نفسه حيث اعتمد الرحلات التجارية في تنقلاته للخارج، ولجأ إلى خدمات شركات الطيران التجارية العادية، وقال إنه لن يستعمل الطائرة الرئاسية بهدف ترشيد النفقات.

بشكل عام، عندما تواجه الدول أزمات اقتصادية ومالية، فإن حكوماتها وأنظمتها الحاكمة تتحرك بسرعة لمعالجتها حتى لا تستفحل ويصبح من الصعب معالجتها بعد أن تحرق الأخضر واليابس، وتدخل المواطن آتون الفقر المدقع، والاقتصاد دائرة الإفلاس.

والبداية بإقناع القائد شعبه ورعيته وبشكل عملي أنه معهم في مركب واحد كما كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يفعل مع صحابته خلال الحصار الاقتصادي الذي فرضه كفار قريش عليهم لمدة 3 سنوات.

على أن يتبع ذلك خطوات عملية منها بيع الطائرات الرئاسية الفاخرة، والتوقف عن بناء القصور والمباني الحكومية الفخمة، وترشيد الإنفاق الحكومي، والتوقف عن إقامة أيّ مبانٍ فارهة.

الجائع والفقير لا يسعده أن يكون لدى الدولة أكبر مسجد وكنيسة وقصر رئاسي، وأضخم مقر للبرلمان ودار للأوبرا والفنون، وأطول فندق في العالم

فالمواطن الجائع والفقير لا يسعده أن يكون لدى الدولة أكبر مسجد وكنيسة وقصر رئاسي، وأضخم مقر للبرلمان ودار للأوبرا والفنون، وأطول فندق في العالم، وبحر صناعي يعيش الأثرياء على ضفتيه، وقطار كهربائي مكيف للصفوة، في حين تعيش الغالبية العظمى من السكان على ضفاف الفقر والغلاء والبطالة والعشوائية.

بل يسعد المواطن توافر احتياجاته الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن ومواصلات أدمية عامة ودور للرعاية الصحية والتعليم، وأن تتوقف الحكومة عن تطبيق السياسات الاقتصادية المتوحشة.

وأن تتخلى الحكومات عن دور السمسار والمرابي الذي يتاجر في الأزمات المعيشية، أو أن يكون أكبر همها هو اغتراف أكبر كم من الأموال من المواطن في صورة ضرائب ورسوم وزيادات أسعار، بل والسطو على كلّ ما في جيب المواطن حتى لو كان فقيراً ومعدماً.

المساهمون