حرق إسرائيلي ممنهج لمحاصيل غزة الزراعية: تدمير الحجر والشجر

09 نوفمبر 2023
جرافة إسرائيلية أثناء تدميرها مزرعة برتقال قبل الحرب (Getty)
+ الخط -

لم يترك الاحتلال الإسرائيلي شيئا ثابتا أو متحركا إلا واستهدفه في قطاع غزة، قصفوا البشر والحجر والشجر، يدمرون كل ما يقابلونه ولا سيما أحد مصادر غذاء الفلسطينيين الرئيسية وهو الزراعة، في ظل الحصار الجائر الذي يمنع دخول الغذاء والمياه والدواء والوقود.
ولم تسلم المواسم والمحاصيل الزراعية من التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ قرابة شهر مُخلفا دمارا هائلا في المباني السكنية، والمرافق التجارية، والبنية التحتية، والأراضي الزراعية.

وطاولت تأثيرات العدوان الإسرائيلي المباشرة وغير المباشرة كافة نواحي الحياة، سواء بالاستهداف المُباشر للمدنيين، والبيوت، والمباني السكنية والمدنية والتجارية، والمدارس، والمستشفيات، والتي خلفت وفق الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة أكثر من عشرة آلاف شهيد، ونحو 26 ألف جريح بإصابات متفاوتة، جُلهم من الأطفال والنساء.

وتزامن الاستهداف المُباشر، سواء للمرافق المدنية، أو الخدماتية، أو التجارية، أو الزراعية، مع الإغلاق الإسرائيلي الكامل، لمُختلف المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ومنع دخول أي من المُساعدات الغذائية، والمواد الأساسية، والتيار الكهربائي، ومُشتقات البترول، والأدوية والمُستلزمات الطبية، وصولًا إلى قطع الماء بشكل كامل، في مسعى لتعطيش، وتجويع المدنيين في القطاع المُنهك أساسا جراء تبِعات الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ سبعة عشر عاما.

ويُعد المنع الإسرائيلي الكامل، لكافة المُتطلبات الأساسية، مُنذ بداية عدوانه الحالي، والمتواصل منذ 30 يومًا، الأقسى على مر الحروب السابقة، فقد خلق أزمات مُركبة ومُعاناة فائقة، أدت إلى اصطفاف المواطنين بالآلاف في طوابير طويلة، على وقع قصف الطائرات الحربية للتجمعات، بهدف الحصول على الماء، أو الخبز.
ويؤدي تجمُع الأزمات أمام القطاع الزراعي، إلى خسارة المحاصيل الزراعية بفعل القصف الإسرائيلي غير المتوقف للأراضي الزراعية على طول الشريط الشرقي، والتي تُنتج مكونات السلة الغذائية المُتكاملة لقطاع غزة، والذي كان يُحاول طيلة السنوات الماضية الاكتفاء ذاتيًا من المحاصيل الزراعية كافة، وتسويق وتصدير بعض منها إلى الضفة الغربية ودول الخارِج.
ومن ضمن المُعضلات الأساسية التي باتت تواجِه القطاع الزراعي، والمُزارعين، انقطاع الماء اللازم لمحاصيلهم الزراعية، كذلك انقطاع التيار الكهربائي اللازم لتشغيل مضخات المياه، علاوة على منع دخول الوقود اللازم لتشغيل مُختلف المعدات الزراعية ومُحركات قوارب الصيادين، وقبل كل ذلك عدم تمكن المُزارعين بالأساس من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، بفعل الاستهداف الإسرائيلي لكُل مُتحرك فيها، وقتله على الفور، إلى جانب إغلاق البحر في وجه الصيادين.
وباتت العديد من المحاصيل الزراعية ضحية للعدوان الإسرائيلي المتواصل، والذي تزداد شراسته يوما بعد الآخر، حيث أبيدت مساحات زراعية بفعل القصف والتجريف، علاوة على فساد مواسم زراعية منها قطاف الزيتون، وعصر الزيت، حيث أطلقت آلة الحرب الإسرائيلية رصاصة الرحمة عليه قبل بدء فعالياته، والتي كانت مُقررة مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
في الإطار، يوضح رائد أبو زعيتر، رئيس قسم البستنة في وزارة الزراعة في منطقة شمالي قطاع غزة، وهي المنطقة الأكثر تضررا من القصف، والأحزمة النارية، أن الكثير من المحاصيل الإنتاجية تضررت تسويقيا ولحقت بها أضرار فادحة، بعد تعرضها للتلف، أو التجريف، مثل محاصيل الجوافة، والبلح، والزيتون، وغيرها.

ويلفت أبو زعيتر لـ "العربي الجديد" إلى أنه لا يوجد أرقام أو إحصائيات محددة للخسائر حتى اللحظة، بفعل تواصل القصف والعدوان، وعدم قدرة الطواقم على الوصول إليها، إلا أن الخسائر مهولة بفعل فشل المواسم، إلى جانب فساد الثمر بفعل عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية، وقطف ثمارها.

وعن أبرز المواسم الحالية، يقول: "يضم محصول الجوافة من ألفين إلى ثلاثة آلاف دونم زراعي، أما الزيتون فيضم نحو 40 ألف دونم، وقد فات أوان الموسم الخاص به، سواء بالقطف، أو العصر، أما البلح فقط كانت بداية الموسم مُبشرة بالخير، إذ كانت تحمل كل نخلة من 150 إلى 200 كيلو غرام، فيما كان الموسم يضم نحو 30 ألف دونم مُثمر"، مُبينا أن كافة تلك المواسم تعرضت للضرر، إلى جانب محاصيل الخضار الأساسية.

ويوضح أبو زعيتر كذلك تضرر موسم التوت الأرضي (الفراولة)، والذي يضم ما بين 3 إلى 4 آلاف دونم في مُحافظات شمال قطاع غزة، وقد لحقت به خسائر مهولة، بفعل جفاف النبات نتيجة عدم السقي، لغياب المولدات الكهربائية، والوقود الخاص بتشغيل مواتير الماء، إلى جانب التحدي الأكبر، والمتمثل في حالة الخوف العام، نتيجة عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم بفعل الاستهداف المباشر، وما تلاه من تهديدات إسرائيلية متواصلة بضرورة إخلاء المناطق الشمالية، ومدينة غزة، والتوجه نحو المناطق الوسطى والجنوبية.

ويلفت كذلك إلى الخسائر المُتعلقة بموسم الحمضيات، ويضم نحو 20 ألف دونم على مستوى قطاع غزة، حيث لم يتمكن أصحابه من قطف أي قطفة، وقد بقيت الثمار على الشجر، دون رعاية أو سقي، على الرُغم من حاجة تلك الأشجار إلى كميات كبيرة من الماء، وبشكل دائم، وتحديدا ثِمار الليمون، كذلك موسم بُرتقال أبو سُرة، وبعض الحمضيات التي تحتاج إلى رعاية دورية، خاصة مع بدء موسمها في الفترة الحالية.
ويُبين أبو زعيتر، أن عملية التسويق للثِمار التي تمكن المزارعين من قطفها باتت صعبة جدا، وغير مضمونة، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على كافة محافظات قطاع غزة، خاصة في ظل انتقال نسبة كبيرة من مُزارعي المناطق الشمالية، والمناطق الشرقية إلى المناطق الوسطى والجنوبية، وعدم القدرة على مراعاتها بسبب عامل الخطورة.
ويُنبه أبو زعيتر إلى تأثر مُستقبل السلة الغذائية في قطاع غزة بفعل القصف الإسرائيلي، وفساد المواسم نتيجة عدم قدرة المُزارعين على مراعاتها، سواء بالرش ضد الحشرات، أو السقي، أو القطف، إلى جانب التحدي الأكبر، والمُتمثل في تجريف الأشجار المُثمرة والمُعمرة، والتي تحتاج إلى سنوات لنموها.
ويُنذر تدمير المواسم الزراعية بكوارث غذائية، إلى جانب منع دخول الغذاء والماء وتبِعاته الخطيرة، إلى جانب باقي الكوارث التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي المُستمر، والذي أدى إلى تدمير ما يزيد عن نصف المنشآت السكنية والمدنية والتجارية، وتشريد مئات آلاف المواطنين نحو المناطق الجنوبية، والمدارس، ومراكز اللجوء.

المساهمون