ضربت حرب غزة مشروعات التطبيع في مقتل، ونجحت الحرب الإسرائيلية الإجرامية على القطاع المحاصر في هز ثقة الدول والمؤسسات والمستثمرين والأفراد في جدوى مشروعات التطبيع وإمكانية تنفيذها وإخراجها إلى النور، وهي المشروعات التي كانت دولة الاحتلال تسارع الخطى لتنفيذها بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا والهند وبعض الدول العربية.
ومع تلك الضربة الموجة للتطبيع عقب حرب غزة، تراجع رهان إسرائيل على تلك المشروعات التي خرجت للعلن في فترة ما بعد 2021 في جذب عشرات المليارات من الدولارات من الخارج وضخها في شرايين اقتصادها الذي يعاني من أزمات عدة.
وتبخر حلم استقطاب أموال وثرات وصناديق استثمار ضخمة من بعض دول الخليج ومستثمرين عرب لتمويل مشروعات مقامة داخل المستوطنات والأراضي المحتلة، أو ضخها في مشروعات طاقة قبالة السواحل الفلسطينية حيث أهم مواقع لإنتاج الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط.
الحرب أحبطت، ولو مؤقتا، خطط دولة الاحتلال في التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز، وهمزة وصل بين أسواق آسيا والخليج وأوروبا
والأهم من ذلك أن الحرب على غزة أحبطت، ولو مؤقتا، أحلام وخطط دولة الاحتلال الكبرى في التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، والتحول إلى همزة وصل بين أسواق آسيا والخليج وأوروبا، وتحويل موانئها على البحر المتوسط إلى ملتقى للتجارة الدولية.
وأجلت خططها الرامية إلى إحداث قفزات في صادراتها إلى أسواق دول المنطقة، واختراق بعض الأسواق الرافضة سلعها ومنتجاتها مثل العراق والجزائر ومصر واليمن ومعظم دول الخليج.
بل والعمل بالتعاون مع حلفاء إقليميين على ضرب قناة السويس، أهم ممر مائي في العالم، وتهديد خط سوميد الذي ينقل النفط الخليجي والعربي إلى أوروبا عبر مصر.
الحرب على غزة أعادت إلى الواجهة سلاح المقاطعة، سواء للسلع الإسرائيلية أو منتجات الشركات الداعمة للاحتلال، وامتدت المقاطعة إلى العديد من دول العالم وفي مقدمتها الدول الإسلامية مثل ماليزيا وتركيا وبنغلادش.
ومع قرار السعودية تعليق محادثات التطبيع مع إسرائيل على خلفية الحرب الدائرة في غزة، فقد تجمدت معها مشروعات التطبيع الاقتصادي بين البلدين، ومنها تسيير خطوط طيران، وتشييد طرق وتطوير موانئ وخطوط سكك حديد تربط بين الهند وأوروبا مرورا بالسعودية ودول الخليج وإسرائيل، وهو ما يعرف بمشروع ممر التنمية الاقتصادي الذي أقرته مجموعة العشرين في اجتماعها الأخير بالهند وتحمست له الرياض بشدة.
حرب غزة تهدد مشروعات تطبيع كان يتم العمل عليها خلال سنوات، منها إنشاء طريق بري يربط بين الإمارات وموانئ إسرائيلية
كما باتت حرب غزة تهدد مشروعات تطبيع أخرى كان يتم العمل عليها خلال سنوات طويلة خاصة في العامين الماضيين، منها إنشاء طريق بري يربط بين الإمارات وموانئ إسرائيلية على البحر المتوسط، ما يؤدي إلى ربط مباشر بين الخليج وتلك الموانئ البحرية.
وهو المشروع الذي تحمست له الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة أنه يربط بين اقتصادات وأسواق الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، ويعمل على تصدير البضائع من الشرق إلى أوروبا عبر إسرائيل، وبعد ذلك السياح أيضاً.
أيضا، ضربت الحرب على غزة مشروعات تطبيع أخرى، منها مشروع باسم "نظام الربط بين أوروبا وآسيا (TEAS) عبر الخليج، ومشروع إنشاء قناة أو خط سكك حديد بديل لقناة السويس لنقل النفط الخليجي مباشرة إلى أوروبا من دون المرور من القناة المصرية.
الحرب على غزة ليست كلها شر مطلق، فقد ألحقت خسائر فادحة بالاقتصاد الإسرائيلي، وأحيت المقاطعة داخل الشارع العربي، وهو السلاح الذي كاد أن يختفي مع خطوات التطبيع المتسارعة.
والأهم أنها أسقطت المزاعم التي روجها الاحتلال طوال الخمسين سنة الماضية، وهي أنه دولة الجيش الذي لا يقهر وواحة الاستقرار في المنطقة.