حرب الغاز تتجدّد بين الجزائر وإسبانيا بسلاح الأسعار

01 يوليو 2022
الجزائر قد تشهر سلاح الأسعار في مواجهة أزمة تصدير الغاز من إسبانيا للمغرب (فرانس برس)
+ الخط -

ما كانت تحذر منه الجزائر وتنتظر وقوعه من طرف مدريد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، تزايدت احتمالات حدوثه، بعد كشف الحكومة الإسبانية عن بداية نقل الغاز إلى المغرب عبر خط أنابيب "المغرب العربي- أوروبا"، مؤكدة أنه ليس غازًا جزائريًا.

في حين تلوّح الجزائر مجددا بمراجعة أسعار الغاز، لتقطع الطريق أمام أي محاولة إسبانية لإعادة بيع الغاز الجزائري. وأكدت مصادر في وزارة التحول البيئي الإسبانية أنه "استنادا إلى العلاقات التجارية وحسن الجوار تم، في يوم الثلاثاء الماضي، إرسال أول شحنة غاز طبيعي مسال عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا، بعد أن اشتراها المغرب من الأسواق الدولية ووصلت إلى محطة إسبانية لإعادة تحويلها إلى غاز طبيعي".

وفي رسالة للحكومة الجزائرية، طمأن نفس المصدر بأن "هناك إجراءات اعتمدت لإصدار إفادة تضمن أن الغاز (المنقول من إسبانيا إلى المغرب) ليس منشأه الجزائر". وكانت مدريد قد أعلنت، في فبراير/شباط المنصرم، أنها ستعيد تصدير الغاز إلى المغرب عبر هذا الخط الذي لم تعد تغذيه الجزائر باتجاه إسبانيا عبر الأراضي المغربية منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021، بسبب أزمة دبلوماسية حول منطقة الصحراء.

تقنياً، يؤكد الصحافي الإسباني المختص في الشأن النفطي، بيدرو كاناليس، لـ "العربي الجديد"، "صعوبة تحديد مصدر الغاز الذي تصدّره إسبانيا إلى المغرب، هل هو من الجزائر أم لا؟ فالمملكة تشتري ما تحتاج إليه من الغاز من 14 دولة على شكل غاز طبيعي عبر الأنابيب، كما يحدث مع الجزائر التي تغطي 25 بالمائة من الطلب الإسباني، أو كغاز طبيعي مسال، منقول عبر سفن، كما يحدث مع الغاز المستورد من الولايات المتحدة، نيجيريا، روسيا، فرنسا، قطر، ترينيداد وتوباغو، غينيا بالإضافة إلى النرويج".

وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "إسبانيا تجمع الغاز الطبيعي المسال في 6 محطات ضغط وتكرير، موزعة على طول الساحل الإسباني، ليحوّل إلى غاز، ويتم نقله وتوزيعه على أكثر من 11 ألف كيلومتر من الأنابيب. وبالتالي، عندما تتحدث مدريد أو الجزائر عن مصدر الغاز وكأنهما يتحدثان عن شبحٍ أو سلعة خيالية لا يمكن رؤيتها بالعين".

ولفت الصحافي الإسباني إلى نقطة مهمة بالنسبة لإسبانيا، وهي "أمنها الطاقوي". فحسب كاناليس، فإن "مدريد لا يمكنها أن تكشف كل المعطيات بالنسبة لمنشآتها النفطية والتخزينية، والمعطيات المتعلقة بوارداتها الغازية، وتحتفظ بجزء من الحقيقة لها فقط".

وكانت الجزائر قد هددت، في إبريل/نيسان الماضي، بفسخ عقد نقل الغاز إلى إسبانيا إذا قامت مدريد بنقل الغاز الجزائري "إلى وجهة ثالثة"، في إشارة ضمنية إلى المغرب.

وفي 31 أكتوبر 2021، قررت الجزائر التخلي عن إمداد إسبانيا بالغاز عبر أنبوب "المغرب العربي- أوروبا"، الذي يعبر الأراضي المغربية، في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية الذي أقدمت عليه الجزائر صيف 2021.

وحولت الجزائر إمدادات الغاز مع إسبانيا عبر أنبوب "ميدغاز" فقط، الذي يربط ميناء بني صاف الجزائري بألميريا الإسبانية، على أن تكون السفن الملاذ في حال تسجيل اختلالات تقنية أو عجز في الأنبوب الجديد.

ورغم تسارع الأحداث وإعلان الجزائر، مطلع يونيو/حزيران الماضي، مقاطعتها التجارية لإسبانيا، في خضم أزمة سياسية ودبلوماسية متفاقمة بين البلدين منذ مارس/آذار الماضي، إثر قرار مدريد دعم خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط بشأن قضية الصحراء، إلا أنها فضّلت إبقاء ورقة الغاز خارج الحسابات السياسية في هذه الفترة، بالرغم من عدم استبعاد استعمالها وفق مقتضيات الساعة، غير أن إقدام مدريد على نقل الغاز نحو المغرب عبر الأنبوب "المغاربي - الأوروبي"، قد تراه الجزائر ابتزازا جديدا من حكومة سانشيز، قد يعجل بانتهاء صبر الجزائر.

إلى ذلك، أكد مصدر مسؤول في شركة "سوناطراك" الجزائرية، لـ "العربي الجديد"، أن "الشركة لن تتخذ أي قرار حاليا، وستنتظر موقف السلطات العليا في البلاد، فيما يبقى خيار مراجعة الأسعار التفضيلية التي استفادت منها إسبانيا لعقود وارداً، لقطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة بيعه لأي جهة كانت. وفي الأسواق العالمية لا يوجد صديق ولا عدو، بل هناك مصالح يجب حمايتها".

ومنذ إعلان الجزائر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، بات التساؤل الأكثر إلحاحًا: هل يتوقف تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا عقابًا لمدريد؟ أم ستلوذ الجزائر بورقتي تقليص صادراتها الغازية نحو إسبانيا، ورفع الأسعار التي تعترف مدريد بأنها أقل بكثير من أسعار الأسواق حاليا؟

أكد مصدر مسؤول في شركة "سوناطراك" الجزائرية، لـ "العربي الجديد"، أن "الشركة لن تتخذ أي قرار حاليا، وستنتظر موقف السلطات العليا في البلاد، فيما يبقى خيار مراجعة الأسعار التفضيلية التي استفادت منها إسبانيا لعقود وارداً

إلا أن المتتبعين للمشهد الطاقوي يرون أن كلًا من الطرفين، الجزائري والإسباني، محميان بالعقود طويلة الأجل الموقّعة، إذ تنص على ضرورة احترام ما جاء فيها، ويمكن لأي جهة اللجوء إلى التحكيم الدولي للمطالبة بحقوقه إذا جرى انتهاك أحد البنود.

وفي السياق، يؤكد رئيس جمعية مصدّري الغاز ووزير الطاقة السابق (2020-2021)، عبد المجيد عطار، أن "صادرات الجزائر الطاقوية نحو إسبانيا، تراجعت نسبيا منذ الانتقال إلى الأنبوب الجديد الذي يشتغل حاليا بـ 80 بالمائة من طاقته المنتظرة، وهي 10 مليارات متر مكعب".

وأضاف: "في الحقيقة، هذا التراجع ليس تقنيا فقط، بل تسبب فيه جمود محور الجزائر-مدريد منذ مطلع السنة، إذ تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن صادرات الجزائر من الوقود الأحفوري تراجعت بخمس حجمها، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية وما قبلها، وهو ما دفعها إلى مطالبة الجزائر، في شهر مايو/أيار، برفع حصتها بالموازاة مع رفع حصة إيطاليا".

تابع عطار لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر وضعت منذ اليوم الأول لاتخاذها قرار التوقف عن إمداد مدريد بالغاز عبر المغرب، سفنا لنقل الغاز الطبيعي المسال، على استعداد قبالة سواحل "أرزيو" عبر البلاد، وذلك حتى لا تخل بالتزاماتها التعاقدية، وحفاظا على سمعتها في أسواق الطاقة".

المساهمون