استمع إلى الملخص
- الصين تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق الإلكترونية بإنشاء صندوق استثماري بـ47.5 مليار دولار، ضمن استراتيجية "صنع في الصين 2025" لتطوير تكنولوجيا متقدمة.
- تصاعد الصراع التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة مع فرض قيود أمريكية على قدرة الصين على شراء رقائق متقدمة، دفع الصين لزيادة استثماراتها لتحقيق الاستقلالية في صناعة الرقائق.
تحتدم بقوة حرب الرقائق الإلكترونية بين عواصم الغرب والسلطات الصينية، حيث تعمد الحكومات إلى رصد عشرات مليارات الدولارات لتعزيز الشركات الوطنية الناشطة في تصنيع أشباه الموصلات. فقد سبق أن خصصت القوى العظمى بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو 81 مليار دولار لإنتاج الجيل القادم من أشباه الموصلات، ما أدى إلى تصعيد المواجهة مع الصين بشأن التفوّق في مجال الرقائق الإلكترونية عالمياً، وفقاً لما أوردت وكالة بلومبيرغ اليوم الاثنين، مشيرة إلى أن قانون الرقائق والعلوم لعام 2022 الذي أصدرته إدارة بايدن خصّص 39 مليار دولار في شكل منح لصانعي الرقائق، إضافة إلى 75 مليار دولار في شكل قروض وضمانات.
في المقابل، وفي أحدث جهد من بكين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتقييد نموها، أنشأت الصين اليوم الاثنين، أكبر صندوق استثماري لأشباه الموصلات في البلاد على الإطلاق لدفع تطوير صناعة الرقائق المحلية، حيث جمعت المرحلة الثالثة من الصندوق الوطني للاستثمار في صناعة الدوائر المتكاملة 344 مليار يوان (47.5 مليار دولار) من الحكومة المركزية والعديد من البنوك والمؤسسات المملوكة للدولة، بما في ذلك البنك الصناعي والتجاري الصيني المحدود، وفقاً لما نقلت بلومبيرغ عن "تيانينشا" (Tianyancha)، وهي منصة على الإنترنت تعمل على جمع معلومات تسجيل الشركات الرسمية، علماً أن الصندوق أُسّس في 24 مايو/ أيار الجاري.
وتؤكد أحدث أداة استثمارية، المعروفة باسم الصندوق الكبير الثالث (Big Fund III)، على الدفعة المتجددة من جانب حكومة الرئيس شي جين بينغ لبناء صناعة أشباه الموصلات الخاصة بها مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، خاصة بعدما فرضت إدارة بايدن قيوداً شاملة على قدرة الصين على شراء الرقائق الإلكترونية المتقدمة ومعدات صنع الرقائق، وعملها الحثيث الآن على دعوة حلفائها، بمن فيهم هولندا وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان، لتشديد القيود على الصين وسد الثغرات في ضوابط التصدير الحالية، كما تلاحظ الوكالة.
وقد ارتفعت أسهم شركات الرقائق الرئيسية في الصين اليوم الاثنين، حيث صعد سهم "الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات" (Semiconductor Manufacturing International Corp)، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، بما يصل إلى 8.1% في بورصة هونغ كونغ، في حين ارتفع سهم شركة "هوا هونغ المحدودة لأشباه الموصلات" Hua Hong Semiconductor Ltd، وهي منافس أصغر، بأكثر من 10%.
تجدر الإشارة إلى أن أكبر مساهم في الصندوق المُشار إليه هو وزارة المالية الصينية، كما ساهمت فيه شركات الاستثمار المملوكة للحكومتين المحليتين في شنتشن وبكين، علماً أن حكومة شنتشن تدعم العديد من مصانع صناعة الرقائق الإلكترونية في مقاطعة قوانغدونغ، جنوبي الصين، في محاولة لتحرير شركة "هواوي تكنولوجيز" (Huawei Technologies Co) من سنوات من العقوبات الأميركية التي قطعتها عن عدد كبير من مكوّنات أشباه الموصلات المستوردة.
وتنتهج الصين منذ فترة طويلة سياسة صناعية أكثر استباقية، بما في ذلك برنامج طموح يسمى "صنع في الصين 2025" (Made in China 2025) والذي رسم أهداف التنمية في مجال التكنولوجيا الحيوية والمركبات الكهربائية وأشباه الموصلات. وعلى الأقل منذ عام 2015، عندما كشفت بكين عن هذا البرنامج، كانت الصين داعماً رائداً لهذا القطاع، باستخدام رأسمال الدولة لتمويل شركات تصنيع الرقائق المحلية مثل "إس إم أي سي" (SMIC).
وسبق أن أُطلق صندوق الرقائق الوطني قبل نحو عقد من الزمن برأسمال قابل للاستثمار ناهز 100 مليار يوان. وبدأ الرئيس شي، بعد وقت قصير من توليه منصب رئيس الصين، عملية إصلاح شاملة للصناعة التحويلية في البلاد، بهدف تطوير تقنيات متطورة من الروبوتات إلى صناعة الرقائق المتقدمة. وضاعفت الصين حجم الصندوق الكبير الثاني عام 2019، مع اشتداد السباق ضد الولايات المتحدة على التفوق التكنولوجي خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. واستُخدم رأس المال لتمويل بعض مشاريع الرقائق الواعدة في البلاد بدءاً من مصانع "إس إم أي سي" الجديدة والشركة المصنعة لآلات صناعة الرقائق الإلكترونية "أدفانسد مايكرو-فابريكايشن إكويبمنت" (Advanced Micro-Fabrication Equipment Inc).
قيود أميركية أبطأت تقدّم صناعة الرقائق الإلكترونية الصينية
لكن استثمارات بكين السخية لم تؤتِ ثمارها دائماً، بحسب بلومبيرغ، حيث شعرت القيادة العليا في الصين بالإحباط بسبب الفشل الذي دام سنوات في تطوير أشباه الموصلات التي يمكن أن تحل محل الدوائر الأميركية. كما عُزل الرئيس السابق للصندوق الكبير وتم التحقيق معه بتهمة الفساد.
واتخذت إدارة بايدن خطوات غير مسبوقة لإبطاء التقدم التكنولوجي في الصين، بذريعة أن مثل هذه الإجراءات ضرورية للأمن القومي. وعلى مدى العامين الماضيين، حالت الولايات المتحدة دون قدرة الصين على شراء الرقائق الإلكترونية الأكثر تقدماً من شركة "إنفيديا" (Nvidia Corp)، والتي تستخدم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن آلات صنع الرقائق الأكثر تطوراً، مثل "إيه إس إم إل هولدينغ إن في" (ASML Holding NV) و"أبلايد ماتيريلز" (Applied Materials Inc).
وما لبث أن أتى الرد الصيني على القيود الأميركية من خلال زيادة استثمارات بكين في قدرات صناعة الرقائق الإلكترونية الأقل تقدماً، وهو ما يشير إليه بعض الخبراء بأنها الرقائق الإلكترونية القديمة. وتبني الصين الآن شبكة من شركات الرقائق حول بطلتها الوطنية "هواوي" لتحقيق اختراقات تكنولوجية في تطوير وتصنيع الرقائق المتقدمة. وبحسب بلومبيرغ، قد يوفر الصندوق الكبير الثالث المُنشأ حديثاً التمويل اللازم لهذه المشاريع.