خلط الغزو الروسي لأوكرانيا أوراق دول العالم، وصعّب على الحكومات والمؤسسات وضع خطط وسيناريوهات دقيقة على المدى القصير.
وبعد أن كان العالم ينتظر هدنة طويلة عقب أكثر من عامين من الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة التي خلفتها جائحة كورونا أخطر أزمة صحية في التاريخ، إذ به يشهد أزمات أعنف خاصة في قطاعات لصيقة بالمواطن والأنشطة الإنتاجية مثل الطاقة والوقود والحبوب والأغذية وسلاسل التوريد، كما يشهد معدلات تضخم هي الأعلى منذ نحو نصف قرن.
مثلا في قطاع الطاقة العالمي قفزت أسعار النفط خلال تعاملات يوم الخميس إلى نحو 120 دولارا للبرميل قبل أن تتراجع قليلا عند التسوية، وهو مستوى غير مسبوق لم يحدث منذ العام 2014 ولم تتوقع المؤسسات الأكثر تفاؤلا حدوثه بعد انقشاع كورونا.
العالم يشهد أزمات أعنف في قطاعات الطاقة والوقود والحبوب والأغذية وسلاسل التوريد، كما يشهد معدلات تضخم هي الأعلى منذ نصف قرن
وهناك توقعات باستمرار تلك القفزة ليصل سعر النفط إلى 150 دولارا ثم إلى 200 دولار خاصة مع زيادة الطلب العالمي على الخام الأسود، ومقاطعة التجار الدوليين شراء النفط الروسي رغم رخص سعره وعروضه المغرية.
يدفع زيادة الأسعار تلك ارتفاع منسوب المخاطر الجيوسياسية حول العالم، وإمكانية فرض عقوبات غربية على قطاع النفط الروسي، وتأكيد الرئيس الأميركي، جو بايدن، على أن كل الخيارات مطروحة في ما يتعلق بحظر واردات النفط والغاز من روسيا، وإعلان دول كبرى منها كندا عزمها حظر واردات النفط الخام من روسيا، ودعوة وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إلى عزل روسيا بالكامل، بما في ذلك فرض حظر على مبيعات النفط الخام الروسي.
كما قفزت أسعار الغاز الطبيعي خاصة عقب فرض عقوبات غربية قاسية على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، وتأكيدات أوروبية على أمكانية الاستغناء عن الغاز الروسي الذي يمثل نحو 40% من احتياجاتها، وقفزت معها أسعار البنزين والسولار لمعدلات غير مسبوقة.
ورغم محاولات غربية الاستغناء عن غاز روسيا وحديثه المتزايد عن هذه الخطوة عقب غزو روسيا أوكرانيا، إلا أنه لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة بعد، لأن تنفيذ خطوة كتلك يحتاج وقتا وإمكانات مالية ضخمة، ولذا تواصل أسعار الغاز زياداتها حاصة في العقود الأجلة.
وقفزت أسعار الحبوب والقمح في السوق الدولية عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، ووصلت أسعار الحبوب لمستويات مقلقة عالميا، خاصة وأن العالم بات متخوفا من تعثر الإمدادات الغذائية من أوكرانيا وروسيا اللتين تسهمان بنحو 29% من صادرات القمح العالمية و19% من إمدادات الذرة و80% من صادرات زيت دوار الشمس.
قفزت أسعار الحبوب والقمح في السوق الدولية عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، ووصلت أسعار الحبوب لمستويات مقلقة عالميا
وتخشى أسواق الغذاء العالمية من أن تؤثر الحرب الأوكرانية الحالية على حركة الحبوب وتدفع المستوردين والتجار نحو البحث عن بدائل للإمدادات القادمة من منطقة البحر الأسود.
في ظل هذا المشهد المعقد تقف حكومات الدول العربية المستوردة للغذاء والوقود حائرة، وأحيانا عاجزة عن اتخاذ قرار أو وضع خطط، فهي في حيرة من أمرها ما بين تحميل الموازنات العامة مزيدا من العجوزات المالية.
أو الدخول في صدامات مع الشارع وزيادة أسعار الغذاء ورغيف الخبز والدقيق والبنزين والسولار وفواتير الغاز والكهرباء، بين التوسع في الاقتراض الخارجي والمحلي ورفع عجز الموازنة، أو زيادة الأسعار بما فيها السلع التموينية الضرورية.
معظم الحكومات العربية في موقف لا تحسد عليه، خاصة تلك التي تعاني من فجوات تمويلية بالنقد الأجنبي.
وفي كل الأحوال فإن تلك الحكومات مُلامة على إهمالها قضية غاية في الخطورة هي الأمن الغذائي الذي تجاهلته لسنوات طويلة عبر تطبيق سياسات زراعية تفضل زراعة الكنتالوب والفراولة والبطيخ على حساب القمح والأرز والشعير والذرة وغيرها من الحبوب.