فصلٌ جديد من الخلاف بدأ بين الحكومة الجزائرية ومصانع ومخابر إنتاج الأدوية، فبعد مطالبتها منتجي الأدوية بتجديد تراخيص الإنتاج والاستيراد، نهاية السنة الماضية، عادت وزارة الصناعة الصيدلانية، خطوة إلى الوراء بعد منحها الضوء الأخضر للمصانع، بمطالبتهم بوضع طلبات رخصٍ جديدة، ما أثار سخط المستثمرين في قطاع إنتاج الأدوية، في وقت تزداد فيه المخاوف من امتداد مخلفات هذه الحرب "البيروقراطية" إلى رفوف الصيدليات التي تعاني من ندرة عشرات الأدوية.
وفوجئت مصانع الأدوية في الجزائر من التخبط الذي بات يميز تسيير وزارة الصناعة الصيدلانية لملف رخص الإنتاج والاستيراد، ففي وقتٍ كانت تنتظر فيه منحها رخص استيراد المواد الأولية لتغطية الطلب الداخلي، اضطرت مخابر صنع الأدوية إلى إعادة المسار كاملا، من خلال وضع ملفات جديدة لاستصدار الرخص الإدارية.
تجميد الرخص
وفي السياق يوضح المستشار في مصنع "هيزا" لإنتاج الأدوية، مراد بختي، أن "وزارة الصناعة الصيدلانية قامت بتجميد كافة الرخص الممنوحة مطلع السنة الحالية لمصانع إنتاج الأدوية، قصد تجديدها وإصدار رخص تحمل ختم الوزارة".
وأضاف: "أعطت الوزارة مهلة لأصحاب المخابر لتقديم ملفاتهم على أن تسلمهم وصل إيداع الملف وتمكينهم من مواصلة العمل بهذا الوصل ريثما تمنح لهم الرخصة الجديدة دون تحديد موعد رسمي".
وتابع: "بعد مرور أيام فوجئنا بتجميد حساباتنا البنكية وتعاملاتنا الخارجية دون سابق إنذار ولما استفسرنا عن الأمر، وجدنا أن الوزارة هي التي قامت بتعطيل خدماتنا بسبب تسمية المصانع في السجل التجاري وأمرتنا بتغيير الرموز التجارية من "صناعة الأدوية" إلى "مؤسسة صناعة الأدوية" أي زيادة كلمة "مؤسسة" بدلا من مخبر، وكأن صحة وحياة المواطن اليوم باتت مرهونة بكلمة فقط".
وقال بختي لـ "العربي الجديد" إن "المنتجين بمن فيهم نحن، قمنا بإعلام الوزارة المعنية بأن المواد الأولية متواجدة في الميناء والوقت يداهمنا ويوجد فيها منتجات كيميائية لا تحتمل ظروف تخزينها مدة طويلة، وإذا تماطلنا أكثر في دفع الأموال، سيفقد الممونون بالمواد الأولية الثقة بنا، ما قد يدفعهم إلى حد فسخ العقود، نحن نسابق الزمن، لم يبق لنا سوى الصبر على ما يحدث أمام تعنت الوزارة أو اللجوء إلى السلطات العليا في البلاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
اقتراب نفاد مخزون الأمان
تتزامن القبضة الحديدية بين وزارة الصناعة الصيدلانية ومصانع الأدوية، مع عودة الندرة إلى رفوف الصيدليات، ما بات يؤرق العاملين في سوق الأدوية، في وقت كلفت فيه الرئاسة الجزائرية مفتشتها العامة بفتح تحقيق في أسباب الندرة التي طاولت عشرات الأدوية، خاصة المتعلقة بأمراض القلب والسرطان وحتى الأنسولين وبعض الفيتامينات.
وتفاقمت أزمة ندرة الأدوية في الجزائر متأثرة بانعكاسات فيروس كورونا من جهة، ومماطلة الحكومة في منح برامج الاستيراد، إذ كشف مسؤولون في قطاع الصيدلة، عن اختفاء نحو 200 دواء من الأسواق، في ظل تركيز الحكومة جهودها في السنتين الماضيتين على الفيروس التاجي، وتوفير الأدوية والمستلزمات لمواجهته، ما أدى لتأخير الإفراج عن الرخص التي يتم بموجبها استيراد الأدوية، وكذلك المواد الأولية للتصنيع.
ودق مستوردون ومصنعون محليون ناقوس الخطر من اقتراب نفاد مخزون الأمان من الأدوية بعدما لجأوا إلى السحب منه لتلبية احتياجات السوق، التي تعيش منذ 2016 على وقع زيادات مستمرة في أسعار الأدوية، بعد توجه الحكومة إلى تعويم الدينار أمام الدولار، ما تسبب في ارتفاع الأسعار.
لكن القفزات الأخيرة المتتالية في الأسعار أثرت على جيوب المرضى بشكل مضاعف، خاصة أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يُعوض 80 في المائة من سعر الأدوية ما يبقي النسبة المتبقية على حساب المواطنين.
وقال عضو النقابة الجزائرية للصيادلة الخواص (القطاع الخاص)، محمد الطاهر تاج الدين، إن "قائمة الأدوية المختفية تشمل مستحضرات منتجة محليا، على غرار حقن مضادة للالتهاب والمضادات الحيوية، وأدوية القلب وأخرى مستوردة".
تفاقمت أزمة ندرة الأدوية في الجزائر متأثرة بانعكاسات فيروس كورونا من جهة، ومماطلة الحكومة في منح برامج الاستيراد
وأضاف الطاهر تاج الدين لـ "العربي الجديد" أن "النقابة حذرت نهاية فبراير/شباط المنصرم من بوادر تسجيل ندرة بعض الأدوية من رفوف الصيدليات، وطالبنا الحكومة بالإسراع في توفير الأدوية خاصة للأمراض المزمنة والقاتلة، من خلال تقليص المسار الإداري الذي وضعته أمام المنتجين والذي أدى إلى تضييع الكثير من الوقت وأثر سلبا على الإنتاج المحلي للأدوية".
ووفق عضو النقابة الجزائرية للصيادلة فإن "الحكومة عطلت منح رخص الاستيراد خاصة المواد الأولية، ما أحدث خللا في عمليات الاستيراد، وفي ظل الظروف بأوروبا حاليا يمكن الحديث عن وصول الدواء والمواد الأولية بعد شهرين أو أكثر، إذا جزمنا أن الرخص تمنح عاجلا للمستوردين والمخابر".
وبلغت قيمة واردات الجزائر من الأدوية الموجهة للاستخدام البشري 1.1 مليار دولار خلال العام الماضي، مقابل 1.4 مليار دولار في 2020.