حرائق الغابات تزيد سكان الغرب التونسي فقراً... ومأزق في الجزائر

18 اغسطس 2021
رجال إطفاء يرشون المياه في غابة دمرها حريق شمال ولاية بنزرت (فرانس برس)
+ الخط -

تزيد حرائق الغابات في إقليم الشمال الغربي لتونس، سكان تلك المناطق فقراً، بعد أن أتت النيران على مساحات واسعة من الغابات في تلك المناطق، والتي تمثل أحد أهم مصادر الكسب لسكان القرى والمدن الواقعة في نطاقها والتي تصنف ضمن أكثر المناطق فقراً في البلاد.

وتسببت الحرائق المندلعة منذ بداية أغسطس/ آب الجاري، في إتلاف آلاف من هكتارات الأشجار الغابية ومساحات الرعي التي يستغلها السكان لتربية الماشية والنحل وتقطير الأعشاب العطرية التي تنبت هناك، كما تسللت النيران إلى بعض منازل السكان في أرياف محافظات بنزرت وجندوبة والكاف.

وتعد خسارة الغطاء الغابي لسكان الأرياف في الشمال التونسي بمثابة ضربة قاصمة لمصادر رزق أساسية، بينما تغيب أي بدائل للتنمية هناك وعدم توفير السلطات لضمانات من أجل تعويضهم ما عدا بعض التدخلات التي يقوم بها المجتمع المدني من أجل توفير بدائل عن خسائر بيوت تربية النحل أو قطعان الأغنام والماشية التي التهمتها النيران.

تسببت الحرائق المندلعة منذ بداية أغسطس/ آب الجاري، في إتلاف آلاف من هكتارات الأشجار الغابية ومساحات الرعي التي يستغلها السكان لتربية الماشية والنحل وتقطير الأعشاب العطرية

يقول فتحي الغزواني وهو أحد سكان منطقة فرنانة من محافظة جندوبة أقصى شمال غرب تونس، والتي تعد الأكثر تضرراً من الحرائق :" قتامة المشهد في المنطقة لا توصف، سكان فرنانة والمناطق الجبلية المحاذية لها انتقلوا بفعل خسائر الحرائق من مرحلة الفقر إلى مرحلة العوز التام بعد أن فقدوا كل مصادر الدخل".

يؤكد الغزواني لـ"العربي الجديد" أن الغطاء الغابي مصدر الرزق الأساسي لسكان هذه المناطق، مشيرا إلى أن خسارة 7 آلاف هكتار من الغابات (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع) غير مسبوق ويلقي بآلاف العائلات في دائرة المجهول في غياب أي تعويضات أو تدخل حكومي لإعادة دمجهم اقتصادياً واجتماعياً.

ويضيف "هذه العائلات تكسب رزقها اليومي من الرعي وتربية الماشية والمزارع الفلاحية الصغرى المخصصة للاستهلاك العائلي أو من الأعشاب العطرية، بينما النيران التهمت كل هذه الموارد التي تحتاج إلى سنوات من أجل إنباتها مجدداً".

وبرغم الخسائر الكبرى يقول الغزواني إن السكان يتمسكون بالبقاء في الجبال ويرفضون الهجرة الداخلية نحو المدن بسبب عدم قدرتهم على الاندماج في الأوساط الحضرية.

وبالإضافة إلى الفقر المالي وفقدان مصادر الدخل يؤكد الغزواني، أن سكان المناطق الغابية يشكون أيضا من الفقر الشامل نتيجة انعدام الخدمات العامة ولا سيما توفر الماء والكهرباء والمرافق التعليمية والصحية، مشيرا إلى أن المناطق المتضررة من الحرائق ستشهد ارتفاعاً قياسياً في معدلات البطالة والفقر خاصة في ظل الخسائر الاستثنائية المسجلة.

وتظهر بينات حديثة صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي، تسجيل نسبة البطالة في المناطق التي يغلب عليها النشاط الزراعي في الشمال بنحو 10% عن المعدل العام للدولة. وبلغت نسبة البطالة في تونس 17.9% خلال الربع الثاني من العام الجاري، مقابل 17.8% خلال الربع الأول.

سكان المناطق الغابية يشكون من الفقر الشامل نتيجة انعدام الخدمات العامة ولا سيما توفر الماء والكهرباء والمرافق التعليمية والصحية

ولا تزال الجهات الحكومية ومنها وزارة الزراعة تحصي خسائر حرائق صيف 2021، غير أن المؤشرات الأولية تؤكد أن خسائر هذا العام استثنائية مقارنة بالسنوات الماضية نتيجة تضرر مساحات شاسعة من المناطق الغابية، وفق رئيس دائرة الغابات في محافظة جندوبة لطفي الحمايدي، مشيرا إلى تعرض أشجار الصنوبر الحلبي والريحان والقضوم والذرو لأضرار كبيرة، بينما توفر هذه الأشجار والنباتات رزقاً يومياً لآلاف العائلات التي تنشط في مجال تقطير النباتات العطرية وتجارة الحطب وتربية النخل.

يقول الحمايدي لـ"العربي الجديد" إن مصالح الغابات بصدد القيام بجرد شامل للخسائر الاقتصادية والاجتماعية، وستتم إحالتها إلى المصالح المركزية بالمحافظة من أجل تحديد نوع التدخلات لإعادة الادماج الاقتصادي والاجتماعي للسكان ومساعدتهم على توفير مصادر دخل أخرى.

ويضيف: "سكان هذه المناطق ليست لهم دخول دائمة ولا مواطن شغل مستدامة هم يتأقلمون مع الطبيعة ويكسبون قوتهم من منتجات غابية متنوعة، لكن النيران أتت على كل شيء وسيواجه السكان البطالة القسرية والفقر".

ويطالب منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية) بحلول تنموية مستدامة تحمي سكان الشريط الغربي الغابي من الانزلاق أكثر نحو الفقر مع تصاعد موجة الحرائق وخسائر مصادر الرزق.

وتقول عضو المنتدى منيار الجابري: "الواقع المعيشي في هذه المناطق يزداد قساوة بعد الحرائق، مشيرة إلى أن معدل دخول سكان المناطق الغابية لا تتجاوز الأجر الأدنى الزراعي (450 ديناراً شهرياً)، غير أن الخسائر بددت كل مصادر الرزق ولن يكونوا قادرين على توفير هذه المبالغ".

وتضيف الجابري لـ"العربي الجديد" أن "المشهد الاجتماعي قاس جداً في هذه المناطق، هناك نسب مرتفعة للبطالة والفقر وتلك النسب ستقفز إلى مستويات قياسية نتيجة غياب آليات التعويض عن خسائر الحرائق أو تباطئها إن وجدت".

تأتي حرائق تونس في سياق موجة من الحرائق بالعديد من الدول المجاورة وبلدان حوض المتوسط مثل الجزائر وتركيا واليونان وفرنسا وإسبانيا بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف

والمناطق الغابية في مرتفعات تونس ليست ضحية الحرائق المتواترة فقط، بل يطاولها التخريب البشري. ويأتي ذلك بهدف سرقة الخشب من قبل ما توصف بـ"مافيات الفحم".

وقد استغلّ مخرّبون، في إبريل/ نيسان 2020، الحجر الصحي الشامل في البلاد على خلفية أزمة جائحة كورونا لقطع 400 شجرة زان معمّرة في منطقة عين سلام بمعتمدية عين دراهم في محافظة جندوبة.

وتأتي حرائق تونس في سياق موجة من الحرائق بالعديد من الدول المجاورة وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط مثل الجزائر وتركيا واليونان وفرنسا وإسبانيا بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف.

وقبل تونس التهمت الحرائق مناطق غابية عدة في الجزائر، الأمر الذي وضع السلطات في مأزق كبير. وتصاعدت منذ التاسع من أغسطس/ آب الحالي، أكثر من 250 حريقا في أكثر من 15 ولاية، مخلفة أكثر من 15 ألف هكتار من الأراضي المحروقة، ومتسببة بوفاة 68 شخصاً.

ووضعت الحكومة الجزائرية خططا عدة لمواجهة التغير المناخي وتداعياته، منها المخطط الوطني للمناخ عام 2017، إلا أن مدير نادي المخاطر الكبرى، عبد الكريم شلغوم، يقول لـ"العربي الجديد" إن "الجزائر لا تملك آليات المراقبة الدورية لانبعاث الغازات والنفايات السائلة والغازية من المصانع ولا لأجهزة قياس الغازات في الهواء، ولم تضع بعد أجهزة إنذار مبكر لتخطي المؤشرات الخطوط الحمراء.

وأضاف شلغوم: "الحكومة مطالبة بالانتقال من الإطار النظري إلى الإطار العملي الميداني، فالحرائق الأخيرة أكدت أن الوضعية البيئية جد متدهورة في البلاد، حيث نشهد جفافا غير مسبوق وحرائق كبيرة ونقصا لتساقط الأمطار واختلالا في الفصول السنوية".

المساهمون