حاكم مصرف لبنان لن يتراجع: لا تمويل للدولة ولا طبع لليرة

28 سبتمبر 2023
أمام مبنى مصرف لبنان (Getty)
+ الخط -

شدّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري على أن البنك المركزي لن يموّل الدولة اللبنانية لا بالليرة ولا بالدولار الأميركي، وتالياً، لن يصار إلى طباعة الليرة لأجل هذه الغاية، مؤكداً أيضاً أن لا استكتاب سندات خزينة.

وأكد منصوري أن الاستقرار النقدي أولوية بالنسبة إليه، وأنه يعمل على حفظ حقوق المودعين، بيد أن إعادة أموالهم في الوقت الراهن أمر صعبٌ ولا سيما قبل إقرار التشريعات والقوانين الإصلاحية، وإعادة هيكلة المصارف.

وأتى كلام منصوري نقلاً عن عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال الذي تطرق مع "العربي الجديد" إلى تفاصيل الاجتماع واصفاً إياه بالإيجابي، خصوصاً أنه بحث مواضيع يتم النقاش بها للمرّة الأولى، وأفكارا جديدة تضمن الشفافية، منها المتعلقة بنشر أرقام مصرف لبنان بشكل مستمرّ كل 15 يوما.

وقال رمال لـ"العربي الجديد"، إن اللقاء كان إيجابياً جداً مع حاكم البنك المركزي بالإنابة، إذ هناك أفكار جديدة طرحها، والتزامات تعهّد العمل عليها منها التأكيد على عدم تمويل العجز بميزانية الدولة سواء من أموال الاحتياطي الالزامي أو طباعة الليرة، بحيث يجب أن يكون مصدر التمويل الجباية.

إعادة هيكلة المصارف

وأضاف رمال "تحدث منصوري عن إعادة هيكلة المصارف، وضرورة أن ترسمل المصارف نفسها، فهناك بنوك تمتنع عن ضخ أموال جديدة، وهنا برأينا يبدأ الحلّ بالقطاع المصرفي والودائع، إذ من الضروري أن يصار إلى تصنيف البنوك، بين الجيد والسلبي، وتحديد البنوك المتعثرة والتي تحتاج إلى تسوية أوضاعها.

ولفت رمال أيضاً إلى أن حاكم البنك المركزي تحدث عن أن وظيفته الأساسية الحفاظ على الاستقرار النقدي في البلاد، وهو لن يموّل الدولة لا بالليرة ولا بالدولار الأميركي، أما دفع رواتب القطاع العام والتي تبلغ حوالي 80 مليون دولار، فسيكون بالدولار، ويُبحَث به كلّ شهر، بيد أن التمويل يكون من أموال الدولة وليس من مصرف لبنان، أي من خلال الجباية.

كذلك، أشار رمال إلى أن هناك مشكلة مرتبطة بالتعميم رقم 151، الذي بات بحكم منتهي الصلاحية، بعدما أصبح سعر الصرف الرسمي 15 ألفا، وقد حلّ محلّ التعميم، بيد أن منصوري لم يعطِ نفسه صلاحية اصدار تعميم جديد برفع سعر الصرف، وهو يعتبر أنه عند إقرار الموازنة العامة لعام 2024 على سعر محرّر عندها يصبح هو سعر الصرف الرسمي وتحسب الوديعة على أساسه، وإلا فالأمر غير واردٍ، وللأسف، فإن الإبقاء على سعر 15 ألف ليرة، يعني قضم حوالي 90 بالمائة من قيمة الوديعة الدولارية.

وبحسب رأي رمال، فإن الودائع لن تردّ على المدى القريب قبل إقرار قانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف والتشريعات والقوانين الإصلاحية الأخرى التي تحدّث عنها منصوري عند تسلّم منصبه مطلع أغسطس/آب الماضي، وفي حال لم تحدث هذه الخطوات فإن إعادة الودائع تصبح صعبة حتى على المدى البعيد.

كذلك، تم التطرق من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي بحسب رمال إلى وضع القطاعات، إذ صحيح أن هناك قطاعات خاصة انتعشت خلال الصيف الراهن، منها القطاع السياحي، بيد أن هناك قطاعات أخرى لا تزال تشهد تراجعاً منها الصناعي والتجاري، وتحتاج إلى دعمٍ للصمود والبقاء.

النظام المالي العالمي

وسبق أن حذّر منصوري من أن حال المراوحة والتأخير في إقرار القوانين الإصلاحية سيؤدي إلى تنامي الاقتصاد النقدي مما يؤثر سلباً على الاستقرار الاقتصادي السليم والمستدام، ويعرّض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي، مشيراً إلى أن لذلك أثراً سلبياً كبيراً على الاقتصاد وحياة المواطنين ومستقبل القطاع المصرفي.

وشدد منصوري على أن مصرف لبنان لن يقوم بتغطية العجز عبر اقراض الحكومة لا بالدولار ولا بالليرة ولن يصار إلى طباعة عملة لبنانية لتغطية عجز، بل يقتضي أن يتم ذلك من خلال تفعيل الجباية وتوزيع عادل للضرائب وتوسيع شريحة المكلفين وفتح كافة دوائر الدولة وعلى رأسها مراكز الميكانيك،

والدوائر العقارية وضبط مرافئ الدولة والحدود الشرعية وغير الشرعية، مؤكداً، أن "الانتظام المالي للدولة لن يتحقق من دون إقرار القوانين الإصلاحية وعلى رأسها قانون الكابيتال كونترول، وقانون إعادة التوازن المالي وإعادة هيكلة المصارف".

ولفت منصوري إلى أن "الاستقرار النقدي مستمرّ ويتم المحافظة عليه بالوسائل النقدية التقليدية، أي بالتدخل بالسوق بالتوافق ما بين وزير المالية وحاكم المصرف المركزي ولم يكلف هذا التدخل الذي حافظ على الاستقرار النقدي خلال الشهر الفائت أي مبلغ من احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية".

ولا تزال عمليات تحرير الودائع بالقوة من قبل المودعين خصوصاً الذين يحتاجون أموالهم بشكل طارئ ولأسباب صحية وخاصة، مستمرّة في لبنان مع مواصلة المصارف اللبنانية احتجازها وإتاحة سحبها وفق تعاميم تقضم جزءاً كبيراً من قيمتها.

على صعيدٍ آخر، ردّت لجنة المال والموازنة النيابية مشروع موازنة عام 2023، وقدّم رئيسها النائب إبراهيم كنعان، تقريره إلى رئاسة مجلس النواب حول الأسباب التي أدت إلى ذلك، داعياً في المقابل، إلى إحالة مشروع موازنة عام 2024 وفق الأصول مع قطع الحساب المدقّق.

ومن أسباب رد مشروع موازنة 2023، وروده بتأخير 9 أشهر عن الموعد الدستوري، أي في نهاية السنة المالية، ما يفقد الموازنة أي معنى أو فائدة بحسب المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية التي تحدد الموازنة كإجازة للحكومة للجباية والإنفاق.

لا رؤية إصلاحية

إلى جانب ذلك، ورود مشروع الموازنة من دون أي رؤية إصلاحية أو انقاذية. لا بل على العكس، فقد جاء المشروع، كسابقاته قبل الانهيار وبعده، مرتكزاً على المنطق المحاسبي والأرقام الوهمية التي تستند إلى زيادات في الايرادات غير مثبتة أو ممكنة في الواقع المالي والاقتصادي الحالي، وذلك من خلال زيادات لبعض الضرائب والرسوم.

ومن الأسباب أيضاً، إعلان الحكومة انتهاءها من درس وإقرار مشروع موازنة 2024. فما الداعي إذاً لإغراق المجلس النيابي بدراسة موازنتين، واحدة منهما انتهت صلاحيتها وأصبحت تشرع أقله لأمر واقع غير مدقق؟

كذلك، دعا كنعان إلى ضرورة إحالة مشروع موازنة 2024 في الموعد الدستوري وفق المعايير الدستورية والميثاقية، كما إحالة قطع الحساب المدقق للسنة التي سبقت بحسب المادة 87 من الدستور.

وفي 16 أغسطس/ آب الماضي، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني مشروع موازنة العام 2023، بعد الانتهاء من دراستها على مدار 6 جلسات، كما وافق على مشروع قانون يرمي إلى إعطاء الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي، ومشروع قانون يرمي إلى اعتماد بقيمة عشرة آلاف مليار ليرة لبنانية من احتياط الموازنة.

وأشار وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري إلى أن أرقام الموازنة تغيرت وبات العجز مقدراً بنحو 23.57% بعدما كان 18.50%.

وفي 12 سبتمبر/أيلول الجاري، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2024، بعد الانتهاء من مناقشة كامل بنودها، على أن يدرسها مجلس النواب بغية إقرارها، لكن سيطر الغموض على مؤشراتها الجديدة، خصوصاً أنه حصلت تعديلات فيها بعد التخلي عن خطوة جباية بعض الرسوم والضراب بالدولار، في حين تعرضت للانتقاد من قبل خبراء اقتصاديين نظراً لغياب الخطط الشاملة والرؤى الاقتصادية الواضحة فيها.

المساهمون