استمع إلى الملخص
- الجزائر تعتبر الاتحاد الأوروبي شريكها التجاري الأول، خاصة في مجال المحروقات، مع ثلثي مبيعات الغاز الجزائري المتجهة إلى أوروبا، وتسعى لتعزيز علاقاتها مع دول أخرى مثل الصين وتركيا.
- رغم صعود اليمين المتطرف في أوروبا، تبقى العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وأوروبا مستقرة وقوية، مع التأكيد على أن هذه العلاقات تتجاوز الاختلافات السياسية العابرة، خصوصًا في مجال الطاقة.
قلل وزير تجارة الجزائر الأسبق مصطفى بن بادة من احتمال تأثير صعود اليمين المتطرف اللافت في أوروبا على علاقات القارة العجوز الاقتصادية مع بلاده، حيث تصل المبادلات بينهما إلى 50 مليار يورو، معتبرا أن الجزائر "تتعامل مع الدول وليس الحكومات"، وشدد في حديث مع "العربي الجديد"، على أن الجزائر تعاملت مع العديد من الحكومات اليمينية، والدليل على ذلك اليمين الايطالي، ومع ذلك ولم يتغير أي شيء في مجال التبادلات الاقتصادية والتجارية بشكل خاص.
وقال بن بادة في هذا الشأن إن "الجزائر تتعامل مع الدول ولا تتعامل مع الحكومات وإذا صعد القوميون (اليمين المتطرف) غدا سيسقط ويصعد تيار سياسي آخر". وشدد بن بادة، الذي شغل منصب وزير التجارة في الفترة ما بين 2010 و2014، على أن الاتحاد الأوروبي هو بالفعل الشريك التجاري الأول للجزائر، حيث بلغت التبادلات التجارية حوالي 50 مليار دولار في العام 2023، وهو رقم لا بأس به، على حد تعبيره، ويشرح أنه إضافة للاتحاد الأوروبي، فإن هناك بلدانا أخرى تسعى أيضاً إلى تعزيز مكانتها التجارية مع الجزائر، على غرار الصين وتركيا وبعض الدول الأفريقية.
واستدرك بن بادة بأنه رغم ذلك يبقى الاتحاد الأوروبي بحكم الجوار والعلاقات التاريخية مع هذا الفضاء واتفاقية الشراكة مع الجزائر، هو الشريك الأول، لا سيما في مجال المحروقات، مشيراً إلى أن ثلثي مبيعات الغاز الجزائري كما هو معلوم تذهب إلى أوروبا، والقارة تعتمد بشكل أساسي على الجزائر في هذا المصدر الطاقوي الهام وتعتبر مصدراً موثوقاً جداً بالنسبة لأوروبا، وقال: "لذلك رأينا زيارات عديدة لمسؤولي بعض الدول الأوروبية، منها بلدان حديثة النشأة، إن صح القول، لعقد صفقات مع الجزائر، وآخرها زيارة رئيس وزراء سلوفينيا، الذي زار الجزائر في نهاية مايو/ أيار الماضي".
وأعرب بن بادة عن اعتقاده بأن صعود اليمين المتطرف ليس جديدا في الحقيقة لأنه خلال الـ15 سنة الأخيرة رأينا فعلا النزعة القومية تجتاح الكثير من دول العالم، لكنها كانت بارزة على المستوى الأوروبي بالنظر لموجات الهجرة الكبرى عن طريق أفريقيا وأيضاً عبر المعابر الآسيوية بعد التدخلات التي أحدثتها حروب العراق وأفغانستان وسورية والسودان وقبله الصومال. وبرأيه، فإن كل هذه البؤر تسببت بموجة كبيرة جداً من المهاجرين نحو أوروبا وصعود اليمين المتطرف.
وفي ختام انتخابات البرلمان الأوروبي قبل أيام، ظفرت أحزاب قومية يمينية متطرفة في عدة دول بمكاسب غير مسبوقة، ارتقت بموجبها إلى صدارة المشهد السياسي، على غرار فرنسا وايطاليا والنمسا وبلدان أخرى. وخرج حزب "التجمع الوطني" (الجبهة الوطنية سابقا بفرنسا، وأحد أبرز شركاء الجزائر الاقتصاديين)، منتصراً في الاقتراع الأوروبي بحصوله على 31.5% من الأصوات، متخطيا التشكيلة السياسية للرئيس إيمانويل ماكرون (حزب النهضة)، الذي حصل على 15.2%. وعلى أثر ذلك، فاجأ الرئيس الفرنسي الجميع بإعلانه حل الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان)، وإجراء انتخابات مبكرة في 30 يونيو/ حزيران الجاري.
ولم يختلف الحال في إيطاليا، أول شريك اقتصادي للجزائر، إذ فاز حزب إخوة إيطاليا (فراتيلي ديتاليا)، الذي يعتبر من اليمين المتطرف وتقوده رئيسة مجلس الوزراء جورجيا ميلوني، بعد حصوله على 29% من الأصوات. أما إسبانيا التي تعتبر من أكبر شركاء الجزائر اقتصادياً، فقد حصل حزب الشعبي اليميني فيها على 34.2% من الأصوات حائزاً على 22 مقعداً من أصل 61 في البرلمان الأوروبي.
وكما هو معلوم، فإن الجزائر تُعد شريكاً اقتصادياً استراتيجياً للقارة الأوروبية، خاصة في مجال الطاقة، فهي أحد أبرز موردي الغاز إلى القارة العجوز. وفي العام الماضي، بلغت المبادلات التجارية بين الجزائر وإيطاليا نحو 20 مليار دولار، وحلت إيطاليا كأول شريك اقتصادي للبلد العربي، كما تعتبر الجزائر المورّد الأول للغاز إلى روما. كما بلغت المبادلات مع فرنسا 12 مليار دولار عام 2023.
وترتبط الجزائر بأوروبا عبر خطّي أنابيب لنقل الغاز، الأول يعبر تونس والبحر المتوسط ليصل إلى صقلية، جنوب إيطاليا، بطاقة نقل سنوية تصل إلى 32 مليار متر مكعب. أما الخط الثاني فيصل بلدة بني صاف الساحلية، غربي الجزائر، بألميريا، جنوبي إسبانيا، وتقدر طاقته السنوية بنحو عشرة مليارات متر مكعب.
وترتبط الجزائر أيضاً مع الاتحاد الأوروبي باتفاق شراكة، وهو عبارة عن معاهدة تجارية موقعة بين الطرفين عام 2002، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر/ أيلول 2005. وهي تنص على تفكيك تدريجي للرسوم الجمركية على السلع والبضائع في الاتجاهين. وبرزت في السنوات الأخيرة مطالبة جزائرية على أعلى مستوى بمراجعة هذه المعاهدة، نظراً لعدم قدرة الشركات الجزائرية، حكومية كانت أم خاصة، على منافسة نظيراتها الأوروبية، كون اقتصاد البلد العربي هذا يعتمد أساساً على صادرات المحروقات، من غاز ونفط ومشتقاته.