لم يكد الرئيس الأميركي جو بايدن يهنأ بموافقة مجلس النواب على حزمته التي تقترب قيمتها من تريليوني دولار، لحماية المناخ ومساعدة الأسر الأميركية، حتى وقف له جو مانشين، عضو مجلس الشيوخ من نفس حزبه الديمقراطي، بالمرصاد، ليعلنها واضحة، بعد جلسات تفاوض مطولة جمعته بالرئيس الأميركي واستمرت لساعات، أنه لن يستطيع التصويت لصالح حزمة الإنفاق التي يطلبها بايدن بصورتها الحالية.
لم يعبأ عضو الكونغرس الأميركي من ولاية فيرجينيا الغربية (West Virginia) بالأغلبية الهامشية التي يحظى بها حزبه، وبالعناد الواضح بين الحزبين الذي دفع جميع أعضائهما للتصويت وفقاً للتوجه الحزبي في العديد من المناسبات السابقة، ليرفض مانشين التصويت مع حزبه هذه المرة، وتُقتل حزمة بايدن قبل وصولها إلى مجلس الشيوخ، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام في أميركا تمنحه لقب "أقوى عضو بالكونغرس الحالي".
بينما أخبر عملاق بنوك الاستثمار غولدمان ساكس عملاءه بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي خلال الربع الأول من العام القادم من 3% إلى 2%، كما الأرباع التالية وإن بنسب أقل، وخسرت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية 1.25% من قيمتها، بعد إعلان مانشين رفضه للحزمة في لقاء مع إحدى المحطات الإخبارية صباح يوم الإثنين.
هاجمه ناخبوه خلال الأيام الأخيرة بسبب تعطيله لتجديد بعض بنود الحزمة التي ساعدت الكثير منهم على الخروج من دائرة الفقر، وبعدما أقنع حزبه بتقسيم فاتورة الإنفاق الضخمة إلى دفعتين، تم تمرير الأولى منها والخاصة بالبنية التحتية "التقليدية" قبل فترة، ليعرقل هو بنفسه الدفعة الثانية، الخاصة بالبنية التحتية "البشرية" على حد تعبيره، وليثير التساؤلات داخل الدائرة التي يمثلها عن طبيعة أولوياته وارتباطها بالحالة السيئة التي تعيشها ولايته الفقيرة في أعقاب عام الجائحة، بعد أكثر من عشر سنوات مثل فيها الولاية في السلطة التشريعية الأهم في أميركا. وكانت نظرة مانشين لما تعنيه "الاحتياجات الأميركية" محل تساؤلات سابقة، حين اصطف مع رافضي التوسع في منح إعانات البطالة السخية، معللاً ذلك برفضه تحويل الاقتصاد والمجتمع الأميركيين إلى العقلية الاتكالية.
لم تمثل اختيارات مانشين السياسية خلال السنوات الأخيرة لغزاً كبيراً للعالمين ببواطن الأمور، حيث قالوا إن ما يفعله هو أمر طبيعي باعتباره "سيناتوراً ديمقراطياً يهدف إلى إعادة انتخابه في ولاية تزداد جمهورية"، كما أنه يعد من أكبر متلقي التبرعات في مجلس الشيوخ من الشركات العاملة في صناعات الفحم والنفط والغاز، والتي ستتعرض لخسائر كبيرة لو مُررت حزمة بايدن، بشقها المخصص لمحاربة تغير المناخ، وهو ما نجح مانشين في تعطيله حتى الآن. لكن بالنسبة للأغلبية الفقيرة من سكان الولاية الذين توسلوا إليه لدعم برامج مكافحة الفقر في القانون كان رفضه علامة واضحة على ابتعاده عن احتياجات من انتخبوه، خاصة وأن ثروته اقتربت من ثمانية ملايين دولار، وتجاوز راتبه السنوي 174 ألف دولار.
ورغم أنه يصف نفسه بأنه "ديمقراطي مركزي وسطي متحفظ"، قال بعض أصدقائه قبل شهور إنه يعد العدة للخروج من الحزب الديمقراطي والانضمام للحزب الجمهوري، الذي تجمعه بأعضائه آراء متقاربة في الكثير من القضايا وأهمها رفضه لعمليات الإجهاض وتأييده لحرية حمل السلاح، وأيضاً رفضه لسياسات الطاقة التي تبناها الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، وكانت تهدف بالأساس إلى فرض القيود على استخدام الفحم واستخراجه، بالإضافة إلى معارضته للقوانين الداعمة للمثليين.
وفي عام 2010، كان مانشين الديمقراطي الوحيد الذي صوت ضد أحد هذه القوانين، كما كان متشدداً في نظرته للمهاجرين، وأيد القوانين المقيدة للهجرة إلى الولايات المتحدة، ودعم فكرة الرئيس السابق دونالد ترامب الخاصة ببناء سور بطول الحدود الأميركية المكسيكية. ويوم الإثنين الماضي، رحب ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، بانضمام مانشين لحزبه (إن أراد).
وُلد مانشين عام 1947 في مدينة فارمينتون المتخصصة في إنتاج الفحم بولاية فيرجينيا الغربية، وسماه أبوه، الذي يندرج من أصول إيطالية، هذا الاسم لقربه من الاسم الإيطالي الشهير مانشيني، وجاء جده الأكبر إلى الولايات المتحدة مهاجرا من جمهورية تشيكوسلوفاكيا السابقة.
امتلك جده في أميركا محل بقالة، وأبوه محلاً لبيع السجاد والأثاث، وشغل الاثنان منصب عمدة المدينة التي ولد بها مانشين، قبل عقود من انتخابه محافظاً للولاية كلها. درس مانشين إدارة الأعمال في جامعة فيرجينيا الغربية، وتولى إدارة أعمال أسرته بعد التخرج، كما كان لاعباً لا بأس به لكرة القدم، وساعدته على الحصول على منحة دراسية في الجامعة، إلا أنه أصيب واعتزل اللعب قبل تخرجه.