تعيش العاصمة البريطانية، لندن فترة من الجنون في أسعار إيجارات المساكن تهدد بزيادة عدد المشردين في شوارع العاصمة البريطانية وربما حدوث اضطرابات سياسية واحتجاجات اجتماعية بسبب الغلاء غير المسبوق الذي يرفع الأسعار فوق قدرة الطبقة العمالية والطبقة الوسطى.
وبات مبلغ 2500 جنيه إسترليني غير كاف لإيجار شقة من غرفة واحدة في الأحياء القريبة من منطقة وسط لندن. وقالت شركة هامبتون العقارية اللندنية في تقرير حول الإيجارات بلندن، إن أكثر من 50% من أصحاب العقارات السكنية رفعوا من أسعار الإيجار في العقود الجديدة للمؤجرين أو حتى في عقود الإيجار القديمة التي تم تجديدها.
وتقول هامبتون في تقريرها إن الإيجار الشهري ارتفع في المتوسط بلندن فوق ألفي جنيه إسترليني. وفي أحياء وسط لندن والأحياء الراقية في مناطق "ماي فير" القريبة من شارع التسوق في "أوكسفورد ستريت" ومنطقة كينزنغتون والأحياء القريبة من غربي لندن، يصعب الحصول على شقة للإيجار خاصة في موسم الصيف.
في ذات الصدد قال رئيس شركة "مارتن جيرارد" اللندنية المتخصصة في الإيجار العقاري، غريغ تسمان، في تعليقات نقلتها صحيفة "إيفننغ ستاندرد": "لدينا أزمة نقص حقيقية في المساحات السكنية المتاحة للإيجار". وأضاف: "العديد من أصحاب العقارات يتخوفون من انفجار الفقاعة العقارية بالعاصمة لندن التي رفعت الأسعار بمعدلات كبرى خلال الفترة الماضية ويعدون عقاراتهم لبيعها بدلاً من إعادة تأجيرها.
وبالتالي يبدو أن العديد من أصحاب الأملاك العقارية يحرصون على بيع مساكنهم المؤجرة بدلاً من تجديد الإيجارات وهذا يزيد من ندرة المساحات القابلة للإيجار. وهنالك العديد من العقارات في بريطانيا يتم شراؤها بغرض الاستثمار أكثر من تحقيق عوائد من الإيجار.
في ذات الصدد، وحسب دراسة لشركة "أوكاسا" المتخصصة في إيجار العقارات في بريطانيا ارتفعت أسعار الإيجار السنوي في المتوسط بلندن بين مارس/ آذار العام الماضي ومارس/ آذار العام الجاري بنحو 2.208 جنيهات إسترلينية من 19.032 جنيها استرلينيا إلى 21.240 جنيها استرلينيا.
وحسب بيانات أوكاسا فإن سكان لندن من المستأجرين يدفعون أسبوعياً نحو 408 جنيهات استرلينية من دخلهم الأسبوعي للإيجار أو نحو 1800 إسترليني في الشهر. وتتراوح أسعار إيجار شقة من غرفة واحدة بين 1600 و2000 إسترليني في أطراف لندن وتصل أسعار شقة من غرفتين إلى أكثر من ذلك.
وتتوقع شركة أوكاسا في دراسة بهذا الصدد أن أسعار الإيجارات السنوية من المتوقع أن تواصل ارتفاعها خلال العام المقبل وربما يمعدل فوق 1500 إسترليني.
ويرجع خبراء وعاملون في القطاع العقاري بلندن جنون الإيجارات في العاصمة البريطانية إلى 5 أسباب رئيسية وهي،
- أولاً: عودة الموظفين من الريف البريطاني وهم الطبقة الوسطى والموظفون الذين هربوا أثناء فترة جائحة كورونا وفترة الإغلاق في العام 2020 إلى لندن خلال العام الجاري.
- أما السبب الثاني فهو توجه أصحاب المساكن لبيعها خوفاً من انهيار السوق العقاري بسبب تباطؤ نمو الأسعار ورفع سعر الفائدة المصرفية خلال العام الجاري أو لجوء أصحاب الشقق لرفع أسعار الإيجار أملاً في تعويض خسائرهم من فترة الجائحة.
- والسبب الثالث فهو عدم الاستثمار الحكومي في "العقارات الاجتماعية" التي تخصصها المجالس للعائلات الفقيرة ومحدودة الدخل والحاصلين على الإعانات الحكومية.
- والرابع أن الحكومة لم تبن الحكومة "عقارات اجتماعية" منذ سنوات بسبب الأزمات المالية والعقيدة السياسية لحزب المحافظين. ويضاف إلى ذلك تدفق اللاجئين الأوكرانيين بسبب الحرب الروسية.
- أما السبب الخامس فهو شراء المستثمرين من أنحاء العالم لعقارات لندن ضمن استراتيجيات حفظ الثروة من التآكل وتحقيق أرباح. وفي العديد من الحالات لا يلجأ الأثرياء، أصحاب هذه العقارات للإيجار.
وحسب بيانات مكتب تسجيل الأراضي فإن أسعار المساكن في لندن ارتفعت بنسبة 12.8% بين مايو/أيار العام 2021 ومايو/أيار العام الجاري.
ويشبه خبراء أزمة السكن التي تعيشها لندن حالياً بأزمة العقارات التي عاشتها بريطانيا في العام 2008 إبان أزمة المال العالمية التي أدت إلى ارتفاع أسعار القروض العقارية فوق قدرة المشترين وزيادة عدد الباحثين عن إيجارات وسط تزايد الفقر وارتفاع البطالة في الريف البريطاني.
وما ينذر بتفاقم أزمة الإيجارات توجه البنك المركزي البريطاني "بنك إنكلترا" نحو المزيد من رفع الفائدة المصرفية التي تترجم مباشرة في زيادة أسعار الفائدة على القروض العقارية وتتشدد المصارف وبيوت التسليف العقاري من شروطها لمنح قروض عقارية جديدة.
ويذكر أن أزمة الإيجارات تضاعف من ارتفاع أسعار التضخم في بريطانيا الذي فاق 9.1% ومن المتوقع أن يرتفع فوق 10% خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول وفقاً لتقديرات بنك إنكلترا.
وتبدو الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بريطانيا حالياً أكبر من مجرد تغيير حكومة بوريس جونسون بحكومة جديدة حيث يتجه الاقتصاد وبسرعة نحو الركود. وكانت وزيرة الخارجية البريطانية المرشح القوي لرئاسة الوزراء ليز تراس قد قالت الأسبوع الماضي إن "الركود ليس حتمياً".
وتخطط تراس في حال اختيارها لموازنة طارئة لخفض الضرائب فوراً لمواجهة أزمة تكلفة المعيشة، ولمراجعة تفويض البنك المركزي المستقل لمكافحة التضخم.