جسور عربية لإمداد إسرائيل بالغذاء.. وغزة جائعة

28 فبراير 2024
القطاع تحت حصار معيشي ودول خليجية تمد الاحتلال بالغذاء (محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -

يتصاعد تشديد العدوان الإسرائيلي "الحصار الغذائي" على سكان قطاع غزة في الوقت الذي يقترب فيه من إتمام منتصف شهره الخامس، بينما تتدفق السلع إلى الاحتلال عبر جسر بري، ما ينذر بمفاقمة الأزمة الإنسانية من جانب، ويؤشر إلى استراتيجية خيار التطبيع لدى بعض دول الخليج العربية من جانب آخر، خاصة الإمارات والسعودية والبحرين.

ويتكون "الجسر البري" من طريق تنطلق منه البضائع إما من ميناء جبل علي في الإمارات، أو ميناء سلمان في البحرين، وتشق طريقها إما إلى ميناء حيفا في دولة الاحتلال، أو بورسعيد في مصر، ويمر براً عبر السعودية والأردن، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "ذي جيروزاليم بوست" الإسرائيلية. 

سلع طازجة 

تشمل السلع التي تتدفق إلى إسرائيل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر والأردن عبر الجسر البري المواد الغذائية الطازجة، مثل الخضراوات والفواكه، والمواد الخام مثل النفط والمعادن، والمنتجات الصناعية مثل الأجهزة والمعدات والسيارات، حسبما أورد تقرير نشره موقع "والا" العبري في 12 فبراير/شباط الجاري، مشيراً إلى أن الشاحنات العشر الأولى التي وصلت إلى إسرائيل كانت تحمل 500 طن من البندورة الأردنية.

ويقول المدير التنفيذي لشركة "تراكنت" الإسرائيلية إن الخط الجديد يمكنه نقل حوالي 1000 طن من البضائع يومياً، فيما أورد موقع الشركة الإلكتروني أنها تسيّر شاحناتها مع شركات، من بينها "PureTrans FZCO" في دبي، و"Cox Logistics" في البحرين، و"wwcs" التي تعمل في مجالات التوكيلات التجارية والملاحية في مصر.

وتعود كواليس تموين الاحتلال بما يحتاجه من أغذية بالاتفاقية التي وُقعت بين الإمارات وإسرائيل لإنشاء الجسر البري.

ويهدف هذا الجسر إلى تشكيل بديل أسرع وأرخص من النقل البحري عبر قناة السويس أو البحر الأحمر، اللذين يتعرضان لتهديدات من قبل الحوثيين، ويعتبر جزءاً من تعاون خليجي مع إسرائيل لتعزيز التجارة المشتركة، ويعتمد على طرق جديدة تربط موانئ الإمارات والبحرين بإسرائيل، مروراً بالسعودية والأردن، وهي الطرق التي تعد بمثابة "تجربة للممر الاقتصادي الأكبر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا"، حسبما أورد تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" في 3 فبراير/شباط الجاري.

ويقول من يبررون للجسر اقتصادياً إن الرحلة البرية من دبي إلى حيفا تستغرق مدة 4 أيام، وتمتد على مسافة تبلغ 2550 كيلومتراً، أما الرحلة من البحرين فتستغرق يومين و7 ساعات لقطع مسافة تبلغ 1700 كيلومتر، كما تتراوح تكلفة الشحن البري بين 0.8 و1.2 دولار لكل كيلومتر، وهي أقل بكثير من تكلفة الشحن البحري التي تزيد عن 3 دولارات لكل كيلومتر من طريق رأس الرجاء الصالح، بحسب بحث أجرته وكالة "ستاندرد أند بورز" مطلع فبراير/شباط.

يأتي ذلك فيما يعاني أهالي قطاع غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، في ظل تواصل العدوان والقصف العشوائي العنيف، وسط نزوح نحو مليوني نسمة داخلياً إلى المخيمات غير المجهزة بالقدر الكافي ومراكز الإيواء.

ويواجه سكان القطاع خطر مجاعة واقعة، حيث يعاني السكان من انتشار نقص المواد الغذائية، خاصة في شمال القطاع، الذي رفض نحو نصف مليون فلسطيني النزوح منه، ما اضطر بعضهم لتناول "علف الحيوانات". 

وتعيش نسبة 79% من سكان غزة في ظروف صعبة، إذ يجدون صعوبة في الحصول على الطعام والمياه النظيفة والرعاية الصحية، ويعانون من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بينما أعلن برنامج الغذاء العالمي إيقاف تقديم المساعدات الغذائية "المنقذة للحياة" إلى شمال القطاع بشكل مؤقت، بسبب تعرض قوافل المساعدات إلى "فوضى كاملة وعنف بسبب انهيار النظام المدني"، بحسب بيان لإدارة البرنامج. 

نقل الحاويات 

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن تبريرات جسر الإمداد البري من الدول العربية الخمس إلى إسرائيل تتمحور حول التكاليف المالية الزائدة لشحن البضائع بحرياً، في ظل هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر والتفاف السفن حول أفريقيا، إذ يتكلف نقل الحاوية الواحدة ما بين 7000 و7500 دولار، وهذه التكاليف قد تنخفض مع النقل البري إلى قرابة 3000 دولار للحاوية.

ويوضح الشوبكي أن تلك التكلفة تشمل رسوم التحميل والتنزيل في موانئ الإمارات، ورسوم نقل البضائع عبر الشحن البري، فضلاً عن اختصار الكثير من وقت النقل، بما يصل إلى 15 يوماً هي مدة التفاف سفن الحاويات حول أفريقيا، لتفادي المرور عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، فيما لا يحتاج النقل البري سوى يومين إلى 4 أيام في أقصى الحدود.

ومن منظور الدول العربية الخمس، لا سيما الإمارات، ثمة فوائد اقتصادية للجسر البري مع إسرائيل، تتمثل في تشغيل شركات النقل البري بنسبة كبيرة، وتحصيل رسوم التحميل والتنزيل ورسوم الموانئ التي تتقاضاها الدولة الخليجية، وكذلك رسوم العبور، أما بالنسبة للسعودية والأردن فتقتصر الفائدة على رسوم العبور، وبعض الخدمات اللوجستية، بحسب الشوبكي.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن مصر متضررة من هذا الجسر من منظور استراتيجي، إذ يعزز النقل البري من تجربة مشروع استراتيجي طرحته الولايات المتحدة في منتصف العام الماضي، وهو مشروع "الممر الاقتصادي"، الذي يثبت أهمية أن تكون هنالك طريق برية لتفادي البحر الأحمر، لكنه أيضاً يتسبب بأضرار طويلة المدى على إيرادات قناة السويس، قد تصل إلى 10 إلى 15% على المدى الطويل.

وقد ترتفع نسبة التأثير السلبي على قناة السويس بعد اكتمال الممر الاقتصادي، الذي تراه الولايات المتحدة مشروعاً استراتيجياً لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، لتصل إلى 43% من إيرادات القناة، خاصة إذا جرى تنفيذ المشروع متضمناً أنابيب لنقل النفط والغاز والهيدروجين ومختلف السلع، بحسب الشوبكي. 

نظرة قاصرة 

يرى الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، أن ميزان حساب الجسر البري بين الإمارات وإسرائيل بمسافات النقل ووقته وتكلفته المباشرة يعبر عن نظرة قاصرة، لأن حساب التكاليف يجب أن يستند إلى المخاطر الاستراتيجية، وليس إلى تكاليف النقل المباشرة فقط، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".

ويوضح يوسف أن قرار الدول العربية حظر النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل في حرب عام 1973 كان له "خسائر" على المدى المنظور، بحساب تراجع بيع الدول المنتجة للنفط، لكنه أدى لاحقاً إلى زياد أسعار النفط إلى نحو 6 أضعاف.

ومن هذا المنطلق، يؤكد يوسف أن الحساب الحقيقي لفوائد ومخاطر الجسر البري لا تجعله ذا فائدة للدول العربية، إذ يتنافى مع أمنها القومي، ويمكّن إسرائيل، ويسهّل حياة المحتلين، ويمدهم بالأغذية وما يحتاجونه من سلع، كما يمثل خذلاناً حقيقياً للمقاومة الفلسطينية، التي تعد خط الدفاع الأول عن تلك الدول.

ويشدد يوسف على أن المنظور الإسرائيلي لكل الدول العربية المحيطة يقوم على تصنيفها كعدو، وبالتالي فإن أي دعم لكيان الدولة العبرية يهدد الأمن القومي العربي، لافتاً إلى أن الاحتلال يسرق مياه الفلسطينيين والغاز الطبيعي من الدول العربية المجاورة، كما يسرق أراضي الفلسطينيين، ويهدد الأمن القومي للدول العربية، خاصة مصر وسورية ولبنان.

وعليه فإن أي مصالح مشتركة للاحتلال مع الأنظمة الحاكمة في الدول العربية هي مصالح "غير استراتيجية"، بحسب يوسف، لافتاً إلى أن إسرائيل تريد أن تطرح نفسها بديلاً لتلك الدول و"واحة اقتصادية وأمنية" توصف بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.

ويؤكد يوسف أن غياب النظرة الاستراتيجية في حساب الاقتصاد يؤدي إلى إطلاق مشاريع لا تمثل إفادة حقيقية للدول العربية المطبعة مع الاحتلال، وضرب المثل بمصر التي انخرطت في تعاون مع إسرائيل بالمجال الزراعي في عصر الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ما أسفر في المحصلة عن تدمير ريادة محصول القطن المصري، فضلاً عن انتشار بذور غير جيدة، وسط شكوك حول وجود مواد مسرطنة في صادرات السماد الإسرائيلي.

ويخلص يوسف إلى أن أي محاولة لتبرير الجسر البري بين الدول العربية الخمس وإسرائيل لا يمكن أن تستند إلى أي فائدة اقتصادية حقيقية بأي مقياس استراتيجي، بل تمثل فائدة سياسية لأنظمة حاكمة فقط.

المساهمون