لم يشعر السودانيون بأيّ تحسن في أوضاعهم المعيشية بعد مرور أسابيع على الاتفاق الذي عاد على أثره عبد الله حمدوك إلى منصب رئيس الوزراء، وسط تحذيرات في الأوساط الاقتصادية من تفاقم الأزمات التي يعاني منها المواطنون وخاصة في ظل إعلان حمدوك الاستمرار على نفس النهج الاقتصادي السابق.
وكان رئيس الوزراء السوداني برّر عودته للحكومة عبر الاتفاق السياسي مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بالحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت أخيراً في السودان.
تعبير أثار غضب جزء كبير من الشارع الرافض للاتفاق بين حمدوك وبرهان، كما ندد مختصون بالشأن الاقتصادي بالتجربة التي وصفوها بالفاشلة في إدارة الملف الاقتصادي والإجراءات القاسية التي نفذتها حكومة حمدوك السابقة والتي ما زال الشارع السوداني يعاني من آثارها.
رضوخ لضغوط صندوق النقد
ومن أبرز النتائج التي ترتبت على سياسات حكومة حمدوك، الرضوخ لضغوط صندوق النقد الدولي وتعويم الجنيه الذي تهاوى رسمياً وفي السوق السوداء، ما فاقم من غلاء أسعار السلع والوقود والخدمات وأدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسودانيين.
وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، صدقي كبلو، لـ"العربي الجديد" إن الطريقة التي اتبعها حمدوك لتوحيد سعر الصرف غير سليمة وكان المطلوب اتباع إجراءات تعظم من دور الاقتصاد السوداني أولاً، إذ يبدأ الحلّ من الداخل وليس بإملاءات وتوجيهات من صندوق النقد الدولي.
وأضاف كبلو أنّ اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير اعترضت على تنفيذ توجيهات صندوق النقد بشكل كامل رغم ادعاء حمدوك بأنّه من وضع هذه الحلول وليس الصندوق، لافتا لأثر ذلك السالب على مجمل السياسات الاقتصادية بالسودان وتسببه في ارتفاع كبير في الدولار إلى نحو 500 جنيه.
المواطن يدفع الثمن
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، إبراهيم أحمد أونور، لـ"العربي الجديد" إنه رغم تحقيق استقرار في سعر الصرف وتعويم العملة الوطنية (الجنيه)، إلا أن الحكومة لم تتمكن من السيطرة على انفلات الأسعار في السوق والذي ظل المواطن السوداني يدفع ثمنه طيلة الفترة الماضية.
وحسب أنور، تفاقمت الأزمات المعيشية بشكل كبير خاصة مع تنفيذ سياسات التقشف وانتشار ظاهرة السمسرة والاحتكار والمضاربات في السلع ذات الارتباط الرئيسي بحياة المواطن، وقد كان هناك قصور واضح في معالجة هذه الإشكالات والتي حدت من تلمس الجوانب الإيجابية لسياسات سعر الصرف الجديدة التي طبقتها الحكومة.
وسجل معدل التضخم في السودان خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، 365.82 بالمائة، مقارنة مع 387.56 بالمائة في شهر أغسطس /آب الماضي، بتراجع قدره 21.74 نقطة. وكانت البلاد قد سجلت في شهر يونيو/حزيران الماضي واحدة من أعلى نسب التضخم في العالم عند 442.78 بالمائة. يأتي ذلك بعد تنفيذ الدولة لإجراءات اقتصادية طبقت فيها وصفة صندوق النقد الدولي والبنك لدولي، برفع الدعم كلياً عن المشتقات البترولية، وجزئياً عن بعض السلع والخدمات، إضافة لتحرير سعر الجنيه السوداني.
وقال أونور إنّ الصراع السياسي الأخير، تسبب كذلك في إعاقة تتفيد السياسات الاقتصادية التي بدأتها الحكومة، وتوقع إن يؤدي الاتفاق الأخير لتحقيق استقرار ينعكس إيجاباً على الاقتصاد.
ودعا إلى أهمية التركيز في الفترة المقبلة على تحسين الإطار التشريعي والرقابي على الأسواق ومؤسسات الدولة وتطبيق القوانين والإجراءات الاقتصادية الإيجابية حتى يشعر المواطن بآثار رفع الدعم واستقرار سعر الصرف بشكل أوضح.
إهمال الملفات الداخلية
يرى المحلل الأكاديمي بجامعة المغتربين، محمد الناير، أنّ الحكومة الانتقالية ركزت خلال العامين الماضيين أكثر على إحراز تقدم في الملفات الاقتصادية مع المجتمع الدولي، بينما لم تقدم شيئاً على الصعيد الداخلي خلاف استقرار سعر الصرف والذي لم يتم نتيجة استدامة بالإنتاج وزيادة الصادرات والواردات وتصدير الذهب وإنّما تم عبر زيادة الدولار الجمركي والذي تسبب في إحجام كبير عن الاستيراد.
يضيف الناير لـ"العربي الجديد" أنّ سياسات الحكومة أدت إلى تضييق معيشة المواطنين جراء الانفلات في الأسعار وانخفاض العملة الوطنية، ولم تنفذ أيّ مشروع تنموي.
يتابع: "يأتي ذلك رغم التزام الحكومة بتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي الإصلاحية بنسبة تفوق الـ90% إلّا أنّ البلاد لم تحصد من ذلك أيّ نتائج مرضية سواء على مستوى الاقتصاد أو تخفيف الأزمات المعيشية".
عودة للمجتمع الدولي
ورغم الإخفاقات العديدة لحكومة حمدوك فإنّ هناك من يرى أنّها حققت نجاحات في بعض الملفات ومنها كسر العزلة الدولية للاقتصاد الوطني. وفي هذا السياق، أكد المحلل الاقتصادي، خالد الفويل، على نجاح رئيس مجلس الوزراء في الدفع بالاقتصاد السوداني للأمام وتحقيق مكاسب أعادته للمجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية.
وقال الفويل إنّ الاقتصاد شهد انفتاحاً على مؤسسات التمويل الدولية خلال العامين المنصرمين وتمكن القطاع المصرفي من الاندماج مع نظيره العالمي، وتطورت العلاقة مع البنك الدولي إلى حد زيارة مديره للسودان بعد قطيعة استمرت 30 عاماً.
وأوضح أنّ الحكومة نجحت إلى حد كبير في استقطاب المساعدات والمنح من المجتمع الدولي بما في ذلك أميركا والاتحاد الأوروبي رغم تباطؤ وصولها وعدم تلبيتها للطموح، غير أنها أحدثت بعض الانتعاش الاقتصادي.
وأشار الفويل إلى دخول بعض الشركات العالمية والبنوك للاستثمار إلى السودان، إلا أنه لم ينكر الجراحات المؤلمة على حد قوله والتي تسببت فيها إصلاحات حمدوك الاقتصادية.
وقال: "كان يجب أن تنفذ لكن بالتدرج وأن يستصحب تنفيذها تقديم برامج حماية مجتمعية لتقليل آثارها السالبة على معيشة المواطنين". ورهن الفويل نجاح حمدوك في الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت بسن القوانين والتشريعات اللازمة وتكملة هياكل الأجهزة الانتقالية وتكوين المجالس التشريعية لإجازة الموازنة العامة ووضع السياسات المالية والنقدية التي تواكب المستجدات.
تواصل الأزمات الاقتصادية
وعقب عودته إلى رئاسة مجلس الوزراء، أعلن حمدوك أن موازنة 2022 ستمضي في نهج الإصلاح الاقتصادي وفتح الاستثمار، وسط تعقيدات سياسية واقتصادية تمر بها البلاد.
وحسب مراقبين، دفعت الاضطرابات السياسية والأمنية البلاد إلى تأزيم الأوضاع الاجتماعية، وتفاقم المشاكل المعيشية في ظل الارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات واستمرار أزمات نقص الوقود والخبز والأدوية. ويدفع فقراء السودان الثمن الأفدح للاضطرابات، إذ تم تجميد المساعدات لملايين المواطنين بسبب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في وقت اشتدت وطأة الغلاء والأزمات المعيشية. وتسبب تعليق أنشطة البنك الدولي في أعقاب الانقلاب على السلطة المدنية، في تجميد فوري لتمويل برنامج دعم الأسر السودانية (ثمرات).
وتتضارب الإحصائيات الحكومية والدولية حول نسبة الفقر في السودان، فبينما تقول تقارير الأمم المتحدة إنّ 46.5% من سكان الدولة يعيشون دون خط الفقر، تقول دراسة حكومية أجريت عام 2017 إنّ الفقر تراجع إلى 36.1%.
وما يفاقم أزمات الاقتصاد السوداني هو توقف المساعدات الدولية وعدم الاستمرار في برنامج إعفاء الديون، إذ أعلنت أميركا أنّ الانقلاب يعرقل مساعدات تقدر بنحو 700 مليون دولار، وما زالت المساعدات متوقفة حتى بعد التوصل إلى اتفاق عودة حمدوك لرئاسة الحكومة. كما أكدت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان سابق، أنّ الاضطرابات في السودان أثارت الشكوك حول إمكانية إقدام باريس على إلغاء ديون بقيمة خمسة مليارات دولار مستحقة على الخرطوم. وتعد فرنسا، ثاني أكبر دولة دائنة للسودان.