عدم توقيف نجل حفتر وإغلاق حقل الشرارة يثيران جدلاً حول مصالح إيطاليا في ليبيا

12 اغسطس 2024
منصة حفر نفط في الشرارة، ليبيا، 5 يونيو 2004 (بنيامين لووي/ Getty)
+ الخط -

أثار توقيف صدام نجل الجنرال خليفة حفتر لساعة تقريباً من دون حجزه، إلى جانب إغلاق حقل الشرارة النفطي، جدلاً واسعاً حول طبيعة المصالح الإيطالية في ليبيا. فقد كشفت صحيفة "كورييرى ديللا سيرا" الإيطالية، نقلاً عن مصادر في الشرطة والاستخبارات، أن توقيف نجل حفتر لمدة ساعة تقريباً في مطار كابوديكينو بنابولي، كان مجرد إجراء للتحقق من هويته ولم يسفر عن أي عواقب".

في هذا السياق، ذكر المدير العام لمعهد الدراسات الدولية الإيطالي- البلجيكي نيكولا بيدّيه في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "إغلاق حقل الشرارة سيكون لفترة مؤقتة، كما حدث من قبل أكثر من مرة، ولن تكون له تداعيات على مستوى إمدادات الطاقة من ليبيا".

ورأى أن "هذه الواقعة لن تكون لها عواقب على العلاقات الإيطالية-الليبية. والحقيقة هي أن الانتقادات التي وجهت لإيطاليا صدرت في أعقاب تقارير صحافية ليبية تضمنت معلومات مفبركة عن عمد". وختم بقوله إن "المسألة تتعلق بالسياسة الداخلية في ليبيا والهيمنة على المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة النفط والغاز، أمّا إيطاليا فقد انتهى بها المطاف، عن طريق الصدفة، لأن تكون جزءاً من هذه القصة".

ونقلت "كورييري ديللا سيرا"، في تقرير نشرته بتاريخ الاثنين 5 أغسطس/آب تحت عنوان "مرور نجل حفتر في نابولي والإجراءات المثيرة للتحقق من هويته"، نقلت عن مصادر استخباراتية إيطالية قولها إنه "لو كانت هناك مذكرة اعتقال صادرة بحق صدام، لأُجبرت إيطاليا على توقيفه. وكان الهدف مما أوردته بعض وسائل الإعلام الليبية هو وضع سمعة إيطاليا على المحك من خلال اعتماد فرضية أنها سمحت له بمغادرة البلاد لكي لا تعرّض للخطر العلاقات الطيبة بين الحكومة الإيطالية وحفتر".

وأورد موقع "ليبيا أوبزرفر"، نقلاً عن مصادر لم يكشف عنها، أن صدام حفتر أصدر أمراً بإغلاق حقل الشرارة، الذي تشترك في إدارته شركة ريبسول الإسبانية للطاقة. ووفقاً لقناة "ليبيا الأحرار"، فإن هذا التطور جاء بعدما "أُبلغ صدام بوجود مذكرة اعتقال إسبانية صادرة بحقه بينما كان في طريق عودته إلى ليبيا قادماً من إيطاليا".

ومن جانبها، ذكرت صحيفة "إل ميسّادجيرو" الإيطالية أن مصادر استخباراتية، لم تسمها، نفت أن يكون قرار إغلاق أكبر حقول النفط الليبي صادراً عن صدام نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وأوضحت الصحيفة، في تقرير نشرته بتاريخ الاثنين 5 أغسطس/آب تحت عنوان "صدام حفتر، من هو نجل الجنرال الليبي الذي أوقف في إيطاليا: الشرطة "إجراء للتحقق فقط"، أن ما صدر بحق صدام كان فقط "إجراء احترازيا رقابيا أوروبيا" صادرا عن إسبانيا التي اتهمته بالتورط في تهريب شحنة أسلحة وذخائر اعترضتها الشرطة الإسبانية بين نهاية 2023 وبداية 2024، كانت متجهة إلى دبي قبل أن تصل إلى ليبيا من خلال شركتين مرتبطتين بالدوائر المحيطة بصدام حفتر، وكان مآلها لواء طارق بن زياد المليشياوي الذي يخضع لقيادته.

هذا الإجراء الإسباني المسمى بـ"التحقق المدقق" يلزم دول الاتحاد الأوروبي بمزيد من التدقيق في فحص الوثائق وبيان التحركات، وليس الاعتقال، كما يتطلب "التحقق من الدولة القادم منها الشخص المعني، والمرافقين المحتملين له في الرحلة، وسبب مروره بالبلاد"، وفقاً للصحيفة.

وكان صدام قد وصل إلى إيطاليا يوم 22 يوليو/تموز الماضي، حيث هبطت طائرته في مطار جنوة وخضع على الفور لإجراءات تحقق استمرت لعشرات الدقائق (أقل من ساعة). هذه الإجراءات تكررت في نابولي يوم 2 أغسطس/آب التي وصلها برفقة زوجته، وأقر بأنه وصل إلى إيطاليا منذ عدة أيام وقدم جواز سفر ليبيا باسمه (صدام) ولكن باسم عائلة مختلف. وبعد التثبت من هويته، سمح له بالمغادرة بعد بضع دقائق.

خلفيات إغلاق حقل الشرارة

وأغلق متظاهرون محليون يوم السبت الماضي، في فزان حقل الشرارة النفطي في احتجاجات اتسمت بالعنف، ما أجبر حرس الموقع على التوقف عن الإنتاج. ووفقاً لوكالة بلومبيرغ، فإن مشغلي الحقل كانوا قد تلقوا أوامر يوم الجمعة الماضي ببدء التوقف الجزئي عن الإنتاج.

ورأت "إل ميسّادجيرو" أن "وسائل الإعلام المقربة من حكومة طرابلس قد تكون هي التي عملت على نشر خبر أوامر صدام حفتر بإغلاق حقل الشرارة في محاولة للتدخل في الحوار الذي استؤنف أخيراً بين رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وخليفة حفتر"، مشيرة إلى أن "ميلوني، بعد الزيارة التي أجرتها في مايو/أيار الماضي في برقة تعهدت بالمساهمة في إعادة إعمار مدينة درنة التي دمرتها الفيضانات، وذلك بفضل استثمارات الشركات الإيطالية. وفي المقابل، طلبت فك ارتباط حفتر بموسكو ومرتزقة فاغنر".

من جانبه، رأى الصحافي الإيطالي لوكا بيانكو أن ثمة عملية دولية مرتبطة بما أُشيع عن صدور مذكرة اعتقال دولية بحق صدام نجل رجل شرق ليبيا القوي الجنرال خليفة حفتر، حيث تتراءى في خلفيتها علاقات اقتصادية، في قطاع الطاقة على وجه الخصوص، بين إيطاليا وليبيا دخلت في مرحلة انتعاش قوي لم تشهدها منذ عقد على الأقل.

النفط الليبي وراء عدم توقيف صدام في إيطاليا

وأوضح بيانكو، في مقال نشرته النسخة الإيطالية من صحيفة "هافنغتون بوست" بتاريخ 5 أغسطس/آب تحت عنوان "تتبع النفط. لماذا يتجول حفتر الصغير بحرية في إيطاليا؟ الإجابة تتركز في النفط"، أن "روما باتت تركز بشكل أكبر، منذ الارتفاع الكبير في أسعار الشحن عبر البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، على النفط الوارد من مستعمرتها السابقة".

وأشار إلى أن "الربع الأول من العام الجاري شهد، وفقاً للبيانات التي نشرها اتحاد الشركات الإيطالية العاملة في مجال الطاقة Unem، عودة طرابلس لتكون المورد الأول للنفط إلى إيطاليا بنسبة 21% من إجمالي الإمدادات، متخطية شركاء تاريخيين لليبيا مثل أذربيجان وكازاخستان".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتابع أن "أسرة حفتر باتت محاوراً لا غنى عنه بالنسبة لروما، بالنظر إلى دورها المحوري المتنامي في الديناميات الجديدة بين البلدين، وذلك لأن إيطاليا صارت أكثر احتياجاً للدولة صاحبة أكبر احتياطي نفطي في القارة السمراء (من الممكن أن يصل إلى 48 مليار برميل) في ظل توترات الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط".

بدورها، رأت صحيفة "دوماني" الإيطالية، في تقرير نشرته بتاريخ 6 أغسطس/آب تحت عنوان "رحلة حفتر الابن إلى إيطاليا، بين أخبار كاذبة وألعاب سلطة"، أن تقليص الإنتاج في حقل الشرارة الذي تديره شركة ريبسول الإسبانية ضمن مجموعة ترأسها شركة أكاسوس للعمليات النفطية، يمثل إجراءً انتقامياً حيال إسبانيا بسبب التحقيق الذي قادته بشأن قضية تهريب الأسلحة المتورط فيها صدام حفتر.

وفي حديث خاص للصحيفة، قالت المنسقة العلمية للمنصة الأوروبية بجامعة لويس غويدو كارلي بروما فيرجيني كوللومبير إن "خليفة حفتر يسعى إلى ترسيخ أقدام أبنائه في مواقع بالغة الأهمية، ما يبدو جلياً مع صدام الذي تمحورت حوله في الأشهر الأخيرة تحركات كثيرة سواء على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي. وهذا يعني بشكل عملي أن الجنرال يجهز خليفته"، مشيرة إلى أن "هدف السردية التي اختلقتها طرابلس، في هذا السياق، هو سحب الشرعية من صدام، وكذا توجيه ضربة لحكومة ميلوني التي تتحاور مع الدوائر المحيطة به".

بدوره، ذكر عضو مجلس النواب الإيطالي والمتحدث الرسمي باسم تحالف حزبي الخضر واليسار الإيطالي أنجيلو بونيللي، في بيان أنه "بالإشارة إلى واقعة نجل حفتر التي أوردتها صحيفة ’لا ريبوبليكا‘، سوف أتقدم بطلب إحاطة برلماني إلى وزيري الداخلية والخارجية، وسوف نطالب فيه بمعرفة سبب عدم اتخاذ إجراءات القبض عليه بمجرد وصوله إلى إيطاليا، بالنظر إلى أنه في ما يبدو أنه قد صدرت بحق صدام، وهو نفسه قائد لواء طارق بن زياد، مذكرة اعتقال أوروبية من قبل السلطات الإسبانية".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأوضح بونيللي أن "هذا التحرك من جانبنا يطلب توضيح ما إذا كانت هذه المذكرة قد صدرت بالفعل، وعلى أية حال، سبب عدم توقيف نجل حفتر، بالنظر إلى أنه كان قد قدم إلى مطار جنوة يوم 22 يوليو/تموز بوثائق هوية مزيفة".

وتساءل "ما هي الإجراءات التي اتُخذت في هذا الصدد؟ وماذا كان يفعل في إيطاليا لمدة عشرة أيام في إيطاليا حتى يوم 2 أغسطس/آب عندما كشف في مطار كابوديكينو عن هويته وأنه نجل حفتر؟".

ما دور رئيس مؤسسة النفط الليبية في هذا الملف؟

ثمة شخصية ليبية بارزة أخرى أثارت جدلاً عقب إغلاق حقل الشرارة: فرحات بن قدارة، رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، أحد أبرز قادة نظام القذافي، حيث شغل منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي وكان عضوا في اللجان الثورية التي كانت تعتبر الحزب الحاكم في ليبيا في ذلك الوقت.

وكان بن قدارة قد فر من البلاد عقب اندلاع الثورة ضد نظام القذافي في فبراير/شباط 2011، وعاد لاحقا مستشاراً مالياً لما يسمى بالقيادة العامة لجيش حفتر. 

وذكرت مجلة "سترومينتي بوليتيتشي" الإلكترونية الإيطالية أن شركة أكاكوس الليبية للعمليات النفطية التابعة مباشرة للمؤسسة الوطنية للنفط أعلنت في بيان صحافي، وقف عمليات إنتاج النفط الخام من حقل الشرارة اعتبارا من 3 أغسطس المقبل، مرجعة ذلك إلى ما وصفته بتأخر تحقيق مطالب حركة فزان الممثلة لأبناء الجنوب الليبي. كما أعلنت الشركة عن وقف التصدير من ميناء الزاوية.

المساهمون