في بلد حيث يشكك الخبراء في دقة كل الأرقام والإحصاءات الاقتصادية والمالية والنقدية، ليس غريبا أن تأتي تقديرات وزارة الخارجية الأميركية لثروة رئيس النظام السوري بشار الأسد وعائلته دون القيمة الفعلية التي ترى واشنطن أنها لا تتخطى مليارَي دولار في أعلى السيناريوهات.
فالتقرير الصادر في الآونة الأخيرة عن وزارة الخارجية الأميركية يقدّر ثروة عائلة الرئيس الأسد، ضمن هامش يراوح بين مليار واحد ومليارَي دولار، بينما يؤكد خبراء في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن هذا الرقم لا يعكس الحجم الفعلي لثروة العائلة، لأن تقرير الولايات المتحدة حول هذا الموضوع اعتمد على مصادر مفتوحة ووسائل إعلام سبق وأوردت هذه الأرقام، ولم يستند إلى تحريات دقيقة احترافية من قبل الأجهزة والجهات الأميركية المختصة بهذا النوع من الاستخبارات المالية.
في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي السوري كرم شعّار لـ"العربي الجديد" إن التقرير صدر في الأساس لوجود مادة في قانون إقرار ميزانية الدفاع الأميركية السنوي، والذي يتم من خلاله وضع المخصصات لوزارة الدفاع وتحديد بعض السياسات الحكومية، وبالذات تلك السياسات التي تلعب فيها وزارة الدفاع دوراً فاعلاً، كما هي الحال بالنسبة إلى الساحة السورية، مشيراً إلى أنه ووفقاً لهذه المادة طُلب من الوزارة إرسال تقرير إلى الكونغرس في غضون 120 يوماً من إقرار القانون.
كذلك فإن مواد القانون تطلب إيضاح ثروة بشار الأسد وعائلته، لكن هذه المرة لم يقم العاكفون على إعداده بأي جهد إضافي، إذ لم تُضَف إليه أية تفاصيل مثيرة وجديدة، مع أن تقرير ميزانية وزارة الدفاع مكوّن من مئات الصفحات، وتعدّ فيه جزئية ثروة عائلة الأسد ثانوية، وربما تم تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة من دون التواصل مع خبراء سوريين هم أدرى ببعض التعرّجات الداخلية في منظومة الأسد المالية والاقتصادية، وذلك بضغط من الجمهوريين، جو ويلسون وجويل ريبون، على الرغم من ذلك تم التأخر يومين في عملية تسليم هذا التقرير إلى الكونغرس.
الخبير نفسه شعّار أشار إلى أن التقرير استقى الكثير من الأرقام من وسائل إعلام عربية وأجنبية ومن مصادر مفتوحة أُخرى سبق أن اطلع عليها الرأي العالم المحلي والعربي والدولي.
وبالتالي فإنه حتماً لم يقدّم أية قيمة مضافة يُنتفع بها، لافتاً إلى أن ثروة عائلة الأسد يصعب تقديرها إذ إن للأسد سلطة واسعة على معظم مقدرات الدولة السورية، كما أن أملاك رامي مخلوف وغيره من رجال الأعمال لا يستطيع أصحابها التفلت من نفوذه وسلطته، حتى ولو كانت مسجلة بأسماء أشخاص آخرين، ولا يستطيع أي رجل أعمال رفض دفع أي مبلغ تطلبه منه السلطات التي تتبوّأ زعامتها عائلة الأسد وعلى رأسها رئيس النظام بشار، و"هذا نراه جلياً في المبالغ التي تفرض على رجال الأعمال الذين برزوا خلال سنوات الحرب مثل حسام القاطرجي وسامر الفوز".
واعترفت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها الصادر قبل أيام بطلب من الكونغرس، بأنّه ليس في مقدورها أن تقدّم سوى "تقدير غير دقيق" لهذه الثروة، لأنّها تظنّ أنّ عائلة الأسد تمتلك أصولاً بأسماء وهمية أو من خلال صفقات عقارية مبهمة لا يعلمها إلا آل الأسد أنفسهم ومن يدور في فلكهم.
وأضاف التقرير أنّ عائلة الأسد تدير "نظام رعاية معقّداً يشمل شركات وهمية وشركات واجهة يستخدمها النظام أداة للوصول إلى موارد مالية"، موضحاً أنّ هذه الثروة يمتلكها رئيس النظام السوري وزوجته وشقيقه وشقيقته وأبناء عمومته وأبناء خالاته وعمّه، ومعظمهم يخضعون لعقوبات أميركية، وأكد التقرير أن الوزارة لا معلومات كافية لديها عن صافي ثروة أبناء رئيس النظام السوري الثلاثة، وأصغرهم يبلغ 17 عاماً.