تونس: مفاوضات الحكومة والنقابات تصطدم بعقبة الدعم

13 سبتمبر 2022
يؤثر الغلاء في حياة أكثر من مليون أسرة فقيرة (Getty)
+ الخط -

لم يحسم ملف الدعم بعد في تونس، بل يظل هذا الملف الشائك محل تنازع بين السلطات من جانب، والنقابات والأحزاب السياسية من جانب آخر، فيما تتصاعد المخاوف من انفجار الأوضاع الاجتماعية نتيجة الارتفاع الصاروخي للأسعار وبلوغ التضخم معدلات قياسية.
وباتت حكومة نجلاء بودن مجبرة على المرور إلى مرحلة تقليص الدعم تحت ضغط صندوق النقد الدولي الذي يطالب السلطات بحزمة إصلاحات اقتصادية مقابل توقيع اتفاق مالي بقيمة 4 مليارات دولار يجنّب تونس الوصول إلى حافة الإفلاس.
ومنذ توليها المسؤولية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قالت حكومة بودن إنّها ستعدّ برنامج إصلاح يغيّر من حياة المواطنين، ويساعد الاقتصاد على استعادة عافيته، عبر حزمة إجراءات تستهدف القطاع المالي، وتحسين مناخ الاستثمار، وتزيد العائدات الجبائية، فضلاً عن توجيه الدعم نحو مستحقيه من الطبقات الضعيفة والمتوسطة من دون غيرها.

وتسعى الحكومة إلى حشد الدعم لبرنامجها الاقتصادي تجنّباً لمرحلة فرض الأمر الواقع، حيث تتواصل منذ أسابيع جلسات الحوار بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل التوصل إلى توافقات حول خطة الإصلاح، وروزنامة الزيادة في رواتب الموظفين.

في المقابل، يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل بقوة إصلاح الدعم بشكل يمس من قوت التونسيين، مطالباً بتقاسم الأعباء بين مختلف طبقات المجتمع.

وأعلن الاتحاد أول من أمس، موافقته على التوقيع على اتفاق الزيادة في رواتب الموظفين، بناء على المقترحات المتفق عليها مع حكومة نجلاء بودن، وذلك عقب ماراثون من المفاوضات طالبت خلالها النقابات العمالية بضرورة إقرار زيادات في رواتب العاملين، بهدف ترميم القدرة الشرائية المتداعية.
وأعلن الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، عقب اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد، أنّ الاتفاق النهائي سيحسم في لقاء قادم مع الحكومة، وذلك بوضع اللمسات الأخيرة التي ستفضي إلى تطبيق النقاط المتفق بشأنها.

وأكد أنّ الأمر "يتعلّق بإنقاذ وطن كامل من صعوبات اقتصادية واجتماعية"، مشيراً إلى أنّ ترميم القدرة الشرائية سيشمل الأجراء المباشرين والمتقاعدين، وأيضاً الطبقات الضعيفة التي لا يتجاوز دخلها الأجر الأدنى.

في المقابل، لم يتحدث الطبوبي عن وجود اتفاقات مع الحكومة حول ملف رفع الدعم. ويرى المكلف بالمخبر الاقتصادي للاتحاد العام التونسي للشغل عبد الرحمن اللاحقة أنّ قرار رفع الدعم واستهداف الأسر المستحقة يتطلّب ثلاثة شروط أساسية، وهي إدارة قوية ومتمكنة من أجل تحديد الحاجات الحقيقية من الدعم، وطريقة تعويض الأسر.

أما الشرط الثاني الذي تحدث عنه اللاحقة في تصريح لـ"العربي الجديد" فهو قدرة السلطة على حصر عدد الأسر المستحقة فعلاً للدعم والتحديث الدوري لقاعدة البيانات إلى جانب توفر شرط ثالث وهو السياق السياسي والاجتماعي المناسب.
ويؤكد المكلّف بالمخبر الاقتصادي (مركز أبحاث) لاتحاد الشغل أن الشروط الأساسية لتفكيك منظومة الدعم وإعادة بنائها على أساس الاستحقاق غير متوفرة في الوقت الحالي في تونس، معتبراً أن تحريك هذا الملف قد يجرّ البلاد إلى الهاوية.

وتكشف وثيقة الإصلاحات التي تناقش الحكومة على ضوئها صندوق النقد الدولي أنّ النية تتجه نحو إلغاء تدريجي لدعم المحروقات والغذاء في الفترة المتراوحة ما بين 2023 و2026 والاتجاه بالمواد المشمولة بالدعم الحكومي نحو حقيقة الأسعار.
وتعتزم الحكومة مقابل رفع الدعم تعويض الأسر بمبالغ مالية تصرف لصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لتعويض الزيادات في أسعار السلع المشمولة برفع الدعم.

يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل بقوة إصلاح الدعم بشكل يمس من قوت التونسيين، مطالباً بتقاسم الأعباء بين مختلف طبقات المجتمع


ويقدر الأمين العام لحركة الشعب (حزب داعم لمسار 25 جويلية) زهير المغزاوي أنّ 7 ملايين تونسي يستحقون الحصول على دعم مالي في حال قررت الحكومة تغيير منظومة دعم المواد الأساسية.
ويؤكد المغزاوي في حديث لإذاعة محلية أنّ هذا الرقم جرى حصره بناء على دراسة أنجزها الحزب، مشيراً إلى أن الرئيس سعيد يعارض فكرة رفع الدعم، نظراً لما قد يخلفه من احتقان اجتماعي.
لكن المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية رمضان بن عمر ينتقد السياسات الحكومية التي تزيد الضغط على الطبقات الضعيفة والمتوسطة، معتبراً أن التعتيم بشأن تفاصيل إصلاح منظومة الدعم يزيد مخاوف المواطنين.

ويقول بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ ضبابية المشهد تزيد من احتقان الشارع وتصاعد الاحتجاجات، في ظل مخاوف حقيقية من فرض السلطة سياسة الأمر الواقع والمرور سريعاً إلى رفع الدعم دون موافقة الأطراف النقابية، من أجل الحصول على تمويل صندوق النقد الدولي. 

وبالإضافة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير الواسع ترفض الأحزاب اليسارية في تونس رفع الدعم، معتبرة أن سياسات صندوق النقد الدولي تمعن في إفقار الشعوب.
ويؤثر الغلاء بشكل كبير في دخل الأسر وحياة أكثر من مليون أسرة فقيرة، إذ قفزت نسبة التضخم، بحسب إحصائيات كشف عنها معهد الإحصاء الحكومي، إلى 8.6 بالمائة خلال شهر أغسطس/ آب الماضي بعدما كانت في حدود 8.2 في يوليو/ تموز الماضي.

المساهمون