للمرة الثانية في أقل من شهر، طالب صندوق النقد الدولي تونس بخفض فاتورة الأجور والحد من دعم الطاقة لتقليص العجز المالي، ما يضع مزيداً من الضغوط على الحكومة الهشة، بينما تعاني البلاد أزمة مالية وسياسية حادة.
وتشهد البلاد ضائقة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي للعام الماضي 2020 يقدر بنحو 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وانكماش اقتصادي وصل إلى 8.8%.
فيما دعا صندوق النقد الدولي في بيان له، مساء الجمعة الماضي، عقب مشاورات المراجعة الرابعة مع تونس، إلى المضي سريعا في إصلاحات اقتصادية تحد من الإنفاق العام ومصروفات الطاقة، مشيرا إلى "ضرورة أن يكون خفض العجز المالي هو هدف سياسة المالية العمومية وما يتعلق بها من إصلاحات".
ولفت إلى أن فاتورة الأجور في القطاع العام تبلغ حوالي 17.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين أعلى المعدلات في العالم.
وحذر من تفاقم الدين العام التونسي ما لم يتم اعتماد "برنامج قوي وموثوق للإصلاح يحظى بتأييد واسع النطاق"، داعيا السلطات إلى "تعزيز عدالة النظام الضريبي وجعله أكثر دعما للنمو". وحث السلطات على تجنب التمويل النقدي للميزانية (الاقتراض).
وتتوقع ميزانية تونس للعام الجاري 2021 أن يصل الاقتراض إلى 7.2 مليارات دولار، بما في ذلك حوالي 5 مليارات دولار في شكل قروض خارجية. ويقدر سداد الديون المستحقة هذا العام بـ16 مليار دينار، ارتفاعا من 11 مليار دينار في 2020.
وتأتي ضغوط صندوق النقد الذي تسعى الحكومة للحصول على قرض جديد منه، بينما تشهد الدولة صراعاً سياسياً بين اللاعبين الرئيسيين، واحتجاجات مستمرة منذ الشهر الماضي بسبب عدم المساواة الاجتماعية وللمطالبة بالوظائف.
وقال عبد السلام العباسي، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة بدأت فعلا إصلاحاتها ولم تنتظر توصيات صندوق النقد الدولي"، مضيفا أن "الحكومة بصدد وضع سيناريوهات ستعرضها على شريكها الاجتماعي الاتحاد العام التونسي للشغل تتعلّق بحصر كتلة الأجور، غير أن هذه السيناريوهات لا تتضمن خفض الرواتب".
وأوضح أن "الحكومة أعدت مقترحات حول نظام يعتمد على عدد ساعات العمل المنجزة للتقليص من ساعات العمل المحتسبة في الدخول دون أي عمل فعلي". ورجح أن يتم اللجوء مجدداً إلى برنامج التسريح الطوعي للموظفين الذي أطلقته حكومة يوسف الشاهد السابقة عام 2019.
وحول تقليص دعم الغذاء والمحروقات (الوقود)، أكد العباسي أن الحكومة بصدد العمل على مخطط للانتقال إلى الدعم المالي للأسر بدلا من دعم السلع، مشيرا إلى أن الدعم المالي سيشمل الأسر التي تثبت حاجتها للدعم.
وأكد أن الانتقال للدعم النقدي سيبدأ خلال النصف الثاني من العام الجاري، فيما ستطبق سياسية الأسعار الجديدة تدريجياً لتجنب الزيادات الصادمة في الأسعار بعد رفع دعم الحكومة عن الغذاء والطاقة.
وتصل نفقات الدعم إلى 3.4 مليارات دينار، منها 2.4 مليار دينار لدعم الغذاء، و401 مليون دينار لدعم المحروقات (الوقود)، و600 مليون دينار لدعم النقل، وفق موازنة 2021.
ورجّح المستشار الاقتصادي للحكومة أن تبدأ تونس المفاوضات حول اتفاق القرض الجديد مع صندوق النقد الدولي خلال مارس/ آذار المقبل، وأن تكون للإصلاحات المزمع تنفيذها آثار إيجابية على النفقات العمومية، التي ستتقلص بنسبة ستكشف عنها الحكومة بعد اختيار السيناريو الذي سيجرى اعتماده.
لكن الخبير الاقتصادي محسن حسن اعتبر أن تونس لا تملك هوامش تحرك كبيرة، مشيرا في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الحكومة تخوض معركة لطرح برنامج إصلاحي، وإقناع كل السلطات والمنظمات للانخراط في تطبيقه، حتى تتجنب البلاد التخلّف عن سداد 16 مليار دينار من خدمة الدين المطالبة بدفعها هذا العام.