تونس تلجأ إلى اقتصاد الصدقات لتمويل الموازنة

24 يناير 2022
المواطنون يعانون من أزمات معيشية خانقة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أصبحت الدعوات الدينية جزءا من الحلول الاقتصادية التي تلجأ إليها السلطات التونسية من أجل تعبئة الموارد لفائدة الموازنة التي تحتاج إلى نحو 20 مليار دينار، أي ما يعادل 6.96 مليارات دولار، من القروض الداخلية والخارجية لتسيير النفقات العامة.
وتأتي هذه الخطوة لتكشف عن المأزق الذي تعيشه حكومة قيس سعيد اقتصاديا وماليا، ما دفعها إلى البحث عن وسائل سريعة لتخفيف أزماتها، حسب مراقبين.
وكان مفتي الديار التونسية عثمان بطيخ، قد دعا رجال الأعمال وأهل الخير إلى المساعدة على إنقاذ البلاد وإخراجها من أزمتها.
وطلب المفتي مساعدة البلاد للخروج من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها، معتبرا ذلك واجبا أخلاقيا ودينيا، متوجها بالشكر لكل من قدم المساعدة خلال الأزمات السابقة أبرزها فترة تفشي فيروس كورونا.
وأكد بطيخ في بيان صدر الخميس الماضي، عن ديوان الإفتاء الذي يخضع لإشراف رئاسة الحكومة، أن "الانخراط في إنقاذ الوطن واجب من أهم الواجبات"، مشيرا إلى أن في التناصح والتكافل والتضامن تكمن مواطن القوة والعزة والكرامة.

عجز السلطة وغياب التخطيط
أثارت الدعوة بالتبرع لفائدة الدولة جدلا في تونس بسبب تدخّل مؤسسة الإفتاء في الشأن الاقتصادي وعجز السلطة الحاكمة عن إيجاد حلول لتوفير التمويلات بعيدا عن جيوب المواطنين المنهكين بالغلاء وتراجع الخدمات العامة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وعلّق الخبير الدولي في الشأن المالي، أشرف العيادي، على الدعوة الدينية لتمويل الموازنة في تدوينة بحسابه الرسمي على "فيسبوك" بأن السلطات التونسية تلجأ بعد حلول المجبى (الجباية) إلى الفتاوى من أجل توفير الأموال. وانتقد العيادي غياب التخطيط والأهداف للسياسة الاقتصادية للحكومة الحالية.
ويعاني حساب الخزينة التونسية منذ أشهر من ضعف الإيرادات، إذ لا يتعدى معدل رصيد الأموال المودعة بالحساب، بحسب البيانات الرسمية، 560 مليون دينار (الدولار = نحو 2.87 دينار)، فيما تقدر حاجات الدولة لصرف رواتب الموظفين شهريا إلى نحو 1.8 مليار دينار.
والحكومة في تونس بحاجة إلى الإيرادات، خصوصا أن اقتصادها تلقى ضربات قوية، خلال الفترة الأخيرة، إضافة إلى الأزمة السياسية التي عطلت الكثير من القرارات.
وكشف التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، حول المخاطر العالمية المتوقعة في المجالات الاقتصادية والبيئية والجيوسياسية والمجتمعية والتكنولوجية، أنّ تونس ستواجه مخاطر انهيار الدولة، وعدم القدرة على تحمل الديون، والتشغيل والأزمات المعيشية، والركود الاقتصادي، وانتشار النشاط الاقتصادي غير القانوني.
وجاء ذلك حسب نتائج استطلاع أجراه المديرون التنفيذيون للمنتدى خلال الفترة الممتدة ما بين مايو/ أيار وسبتمبر/ أيلول 2021، عن 124 دولة وشمل عينة من 12 ألف من خبراء المخاطر وقادة العالم في مجال الأعمال والحكومة والمجتمع المدني.
والعام الماضي، في خضم الصراع السياسي بين الرئاسة والحكومة، والبرلمان، حثّ صندوق النقد الدولي تونس على وضع خطة إصلاح اقتصادي وتعزيز الحماية الاجتماعية للفقراء.
وتستهدف الحكومة إنعاش اقتصادها الرسمي، إذ تظهر البيانات الرسمية أن النمو الاقتصادي المتوقع للعام الجاري يقدر بنحو 2.6% مقارنة مع 2.8% في عام 2021.
وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشف سعيد عن خريطة طريق للخروج من الأزمة تنص على انتخابات تشريعية في ديسمبر 2022 بعد مراجعة القانون الانتخابي، واستفتاء في يوليو لتعديل الدستور الذي يريده "رئاسيا" أكثر، على حساب البرلمان.
واعتبر الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" المعارض، عصام الشابي، أن طريق الحصول على تمويل صندوق النقد الدولي بات مسدوداً، وأن مشروع الأمر الرئاسي المتعلق بالمصالحة الجزائية لن يكون كافيا لتعبئة موارد لفائدة خزينة الدولة، وبالتالي تم الاتجاه نحو فكرة الصدقات.
وانتقد الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد" توجه ما وصفه بـ"سماحة مفتي 25 جويلية" بدعوة أهل البر والإحسان إلى مساعدة الدولة للخروج من أزمتها.

الدين والسياسة
وتعليقا على الدعوة يقول الخبير الاقتصادي خالد النوري إن دعوة المواطنين إلى التبرع لفائدة الدولة من قبل مؤسسة الإفتاء هو تمهيد لمشروع الصلح الجزائي الذي يستعد رئيس الدولة للكشف عن تفاصيله قريبا.

وأفاد النوري بأن بلاغ دار الإفتاء فجّر جدلا في تونس حول تحييد المؤسسة الدينية عن الشأن السياسي والاقتصادي، مشيرا إلى أن التبرع لفائدة الموازنة يحتاج إلى إطار تشريعي وترتيبي من أجل مأسسة هذه العملية التي لا سند قانونياً لها حاليا.
وأضاف الخبير المالي في ذات السياق أن التبرع لفائدة الموازنة يحتاج إلى إطار قانوني تصادق عليه المؤسسة التشريعية يحدد نوعية الموارد وطريقة الحصول عليها وطريقة إيداعها وصرفها مع إصدار تقارير مراقبة دورية لكيفية التصرف فيها في إطار القانون الأساسي للميزانية.
واعتبر الخبير المالي أن طلب الدولة "صدقة الأموال" يبعث برسالة سيئة إلى المانحين الدوليين عن الوضع المالي لتونس التي تحتاج إلى استعادة ثقة المستثمرين من أجل تحريك عجلة النمو والخروج من وضع الاستدانة المفرطة.
ويرجّح ذات المصدر أن يكون تطرّق مؤسسة الإفتاء إلى مساعدة رجال الأعمال للدولة مقدمة لمشروع مرسوم الصلح الجزائي الذي ينوي الرئيس قيس سعيد إصداره قريبا.
وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيد ترتيبات مشروع الصلح الجزائي مع رجال الأعمال بإحالته على مجلس الوزراء وإعلان تفاصيل "حلم" نقل الثروة من رجال الأعمال الموصومين بالفساد إلى الفئات الأكثر فقراً.
والخميس الماضي أبلغ سعيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن أن مشروع مرسوم الصلح الجزائي سيناقش قريبا في مجلس الوزراء ليضع اللبنة الأولى في بناء مسار مصالحة بين رجال الأعمال المطالبين قضائيا في قضايا الفساد مع الدولة.
ومشروع الصلح الجزائي الذي بدأ الرئيس التونسي الترويج له منذ عام 2021 يهدف إلى تحصيل نحو 13 مليار دينار، أي نحو 4.6 مليارات دولار، من أموال مشكوك في اكتسابها من قبل رجال الأعمال بطرق غير مشروعة، قبل اندلاع الثورة عام 2011، على أن تُضخ هذه الأموال في مشاريع استثمار عمومي سيُكلف رجال الأعمال المعنيون بالمصالحة بإنجازها لفائدة الدولة.

المساهمون