تونس تتقشف: وعود سعيّد بتحسين المعيشة تتبخر

27 أكتوبر 2021
توقعات بموجة غلاء جديدة لمختلف السلع (Getty)
+ الخط -

تتجه حكومة تونس نحو تقييد الواردات وبدء تطبيق إجراءات تقشفية، بهدف الحد من نزيف العملة والحفاظ على مخزون النقد الأجنبي المتراجع بسبب سداد القروض الخارجية وزيادة واردات المواد الأساسية.

وفي اجتماع له بمجلس الوزراء، مؤخراً، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد إنه يتعيّن تطبيق سياسة تقشفية تتحمل جميع الفئات أعباءها، والحد من توريد المواد الكمالية والسيارات الفاخرة، ملمّحا إلى إمكانية إصدار قرارات في هذا الاتجاه.

ودعا سعيّد إلى التقشّف وترشيد النفقات العمومية والواردات والتشجيع على استهلاك المنتجات التونسية. وقال: "نستطيع أن نتقشف لأننا في معركة تحرير وطني"، مؤكدا أنّه تحدّث مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن عن السيارات التي يتم استيرادها بمئات الملايين، "فضلاً عن المواد التي لا نحتاجها".

واعتبر مهتمون بالشأن الاقتصادي أن تلميح سعيّد إلى دخول البلاد في مرحلة تقشفية، وإمكانية تقييد الواردات، تمهيد لما قد تحمله فصول قانون الموازنة التكميلية للعام الحالي ومشروع موازنة العام القادم من إجراءات بشأن خفض حصص توريد العربات التي تصدرها وزارة التجارة، وتقييد توريد المواد الكمالية، إلى جانب إمكانية فرض ضرائب جديدة على المواد المستوردة من أجل تعبئة الموارد لفائدة الموازنة العامة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

أثارت دعوة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى "التقشف وترشيد نفقات الدولة والحد من الاستيراد" جدلا واسعا في تونس، وذلك تزامنا مع ركود اقتصادي وضعف في الإنتاج فيها. كذلك اختلفت تقييمات المختصين في الشأن الاقتصادي حول جدوى السياسة التقشفية التي ستعتمدها الحكومة في الظرف الاقتصادي الحالي، والتي تأتي على عكس وعود الرئيس التونسي بتحسين معيشة المواطنين بعد إجراءات 25 يوليو/تموز الماضي بحل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي.

ويرى الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف أن السياسات التقشفية التي اعتمدتها الحكومات السابقة أثبتت فشلها وتسببت في انكماش اقتصادي قياسي فاقمتها تأثيرات الجائحة الصحية، معتبرا أن مكافحة الانكماش الاقتصادي تحتاج إلى إنفاق توسّعي يساعد على تحريك الاستثمارات العامة وزيادة النمو من أجل خلق الثروة والحد من نسب البطالة.

وقال الشريف لـ"العربي الجديد" إن تونس تطبّق سياسة تقشفية منذ سنوات، ترتب عليها خفض مخصصات الاستثمار في الموازنات الماضية وتجميد التوظيف في القطاع الحكومي منذ نحو 5 سنوات، مشيرا إلى أن هذا التقشّف تسبب في تأخير تنفيذ مشاريع استثمارية حكومية أثر بشكل سلبي على الخدمات العامة.

وطلب الخبير الاقتصادي اعتماد سياسة اقتصادية مرنة لمقاومة الانكماش وتنشيط محركات الإنتاج، بتخفيف القيود على الاستثمارات الخاصة ومكافحة الريع لتشجيع القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، لا سيما الشركات الناشئة. وأشار في سياق متصل إلى أن واردات السيارات الفاخرة لا تشكل خطرا على رصيد العملة، بل تعد رافدا جبائيا مهما باعتبار أن نحو 40% من أثمان السيارات تذهب إلى الضرائب.

وتقييد الواردات إجراء سبق أن اعتمدته حكومة الشاهد عام 2018 لكبح انهيار العملة، بعدما سجّل الدينار تراجعا قياسيا في سعره مقابل الدولار قدر بنحو 27 بالمائة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أعطى البنك المركزي التونسي تعليمات مشددة للبنوك العاملة في البلاد، تقضي بوقف تمويل السلع الاستهلاكية بهدف الحد من العجز التجاري للبلاد وحماية العملة المحلية ووقف الضغط على سوق الصرف الأجنبي.

وأمر "المركزي" حينها البنوك المحلية بوقف إقراض التجار لتمويل واردات حوالي 220 منتجاً استهلاكياً، لتشديد القيود على الاستيراد، سعيا لخفض العجز التجاري القياسي، بعد قرار سابق بزيادة الرسوم الجمركية على عدة مواد استهلاكية.

وقال الخبير الاقتصادي رضا شكندالي إن البلاد تحتاج إلى وضوح في سياساتها الاقتصادية لإنهاء الغموض الذي يكتنف الوضع العام، مشيرا إلى أن ذلك سيساعد على إيجاد حلول لأزمة المالية العامة ويبعث رسائل إيجابية للمستثمرين.

وأفاد شكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن وجود صعوبات لتعبئة موارد خارجية قد يزيد من الحاجة إلى التمويل المباشر عن طريق البنك المركزي، وهو حل ستكون له نتائج وخيمة على معيشة التونسيين، بسبب التداعيات التضخمية لمواصلة اللجوء نحو التمويل الداخلي المكثف عبر إجبار البنك المركزي على ضخ السيولة لتمويل الموازنة.

ورأى الخبير الاقتصادي أن تداعيات اللجوء إلى التمويل المباشر للبنك المركزي تتعارض مع ما وعد به الرئيس سعيّد بخفض الأسعار وتحسين معيشة التونسيين، مؤكدا أن انفلات التضخم يهدّد التونسيين.

ووصف الشكندالي الوضع الاقتصادي في البلاد بـ"اللحظة الفارقة" التي تضع القيادة السياسية في ورطة نتيجة شح التمويلات الخارجية وتداعياتها على التوازنات المالية لتونس، وفق قوله.

وكشفت بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي أن قيمة واردات البلاد ارتفعت خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الحالية بنسبة 21 بالمائة، وهو ما ساهم في ارتفاع عجز الميزان التجاري.

المساهمون