بدأت زيارة خبراء صندوق النقد الدولي لتونس، في إطار مهمة المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وسط تحذيرات نقابية من الاستجابة لضغوط المؤسسة الدولية على حساب معيشة التونسيين.
ووصل وفد صندوق النقد إلى تونس أول من أمس، وستدوم زيارته نحو أسبوعين سيعقد خلالها لقاءات مع مسؤولين حكوميين مكلفين بالمالية والإصلاحات الكبرى، بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي، مروان العباسي.
وأبدى اتحاد الشغل تأهبه للدفاع عن الحقوق الاجتماعية للتونسيين ضد سياسات التقشف، وجدّد رفضه لأي إملاءات لصندوق النقد، معتبراً أن "خضوع الحكومة لمطالبه السابقة جعلها تعيش تحت ضغط تجميد التوظيف في قطاعات أساسية كالتعليم والصحّة، رغم الحاجة لتشغيل قرابة 7 آلاف أستاذ والآلاف من الموظفين بمجالات أخرى.
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن موقف الاتحاد من سياسة صندوق النقد الدولي واضحة ولن تتغير، مشيراً إلى أن النقابات ترفض أي قرارات من شأنها أن تزيد الأعباء الاجتماعية على التونسيين.
وأكد أن خبراء الصندوق لم يطلبوا لقاء اتحاد الشغل في زيارتهم الحالية لتونس، موضحاً أن الاتحاد لن يقف مكتوف اليدين إزاء أي قرارات ضد مصلحة التونسيين.
وأشار الأمين العام إلى أن اتحاد الشغل له رؤية إصلاحية للاقتصاد التونسي، تختلف عن الوصفة التي قدمها صندوق النقد، تراعي خصوصيات المجتمع ولا تؤدي إلى مزيد من الإفقار للطبقتين المتوسطة والضعيفة.
وأضاف أن النقابات لا تعارض الإصلاح في المؤسسات الحكومية والقطاع المالي، لكنها ترفض التفويت فيها (بيعه) وضرب الحقوق الاجتماعية للعمال، مشيراً إلى أن إصلاح الوضع المالي وكبح عجز الموازنة، يمكن معالجته عبر حلول ذات جدوى بعيداً عن الحلول التقشفية التي يصرّ الصندوق على تطبيقها في تونس.
ولفت أيضاً إلى أن المؤسسة الدولية غضّت النظر عن التهرب الضريبي، الذي يفوق سنوياً 2 بالمائة من الناتج المحلي الخام، وارتفاع مديونية القطاع الخاص بنسبة 7 بالمائة، واستفحال الاقتصاد الموازي الذي أضرّ بالأنشطة القانونية وعائدات الاقتصاد.
وعلى هامش مشاركة الأمين العام لاتحاد الشغل في لقاء دولي بين ممثلي النقابات الدولية، حول سياسات صندوق النقد وتأثيراتها على الشعوب وعلى النقابات في 13 مارس/ آذار الحالي، أبلغت النقابة العمالية الأكثر تمثيلاً في تونس مسؤولي صندوق النقد موقفها الرافض للسياسات التي يتبعها في تونس.
ويتوقع خبراء اقتصاد أن يكون وفد خبراء صندوق النقد خلال زيارتهم الحالية، أكثر تشدداً مع الطرف الحكومي من أي وقت مضى، معتبرين أن تأخير الزيارة بنحو شهرين، يحمل رسالة مشفرة مفادها أن الصندوق غير راضٍ على القرارات الحكومية وطريقة تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها.
وكان يفترض أن يصرف صندوق النقد خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، شريحة خامسة من قرض الصندوق الممد بقيمة 255 مليون دولار، غير أن الإضرابات العامة التي شنّها اتحاد الشغل حينها لإجبار الحكومة على زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي، أجّلت قرار الصندوق بمواصلة دعم تونس.
وقال الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني، إن تأجيل صرف شريحة القرض التي تحتاج إليها الحكومة لتمويل الموازنة يزيد من الضغوط المالية للدولة التي وقّعت اتفاقات ذات أعباء مالية، منها صرف أول قسط للزيادة في رواتب الموظفين والمتقاعدين نهاية مارس/ آذار الحالي.
وأكد الزمني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة مطالبة بتقديم مبررات مقنعة لخبراء الصندوق بشأن الزيادة في الأجور من جانب، وتجنب أي قرار يدخلها في مصادمات جديدة مع النقابات من جانب آخر، لافتاً إلى أن اقتراض الحكومة أكثر من 1.2 مليار دينار من السوق الداخلية، دليل على حجم الأزمة المالية التي تعاني منها، والتي قد تتعمق في حال مماطلة صندوق النقد في صرف شريحة القرض الخامسة، وفق تأكيده.
ومنح 12 مصرفاً تونسياً الحكومة قرضاً، الثلاثاء الماضي بقيمة 356 مليون يورو، أي نحو 1.2 مليار دينار سيوجه لتمويل عجز الموازنة، على أن يسدد خلال 3 سنوات.
وقال رئيس الجمعية المهنية للبنوك التونسية أحمد الكرم لـ"العربي الجديد"، إن المصارف المحلية تمتلك مخزونات من العملة الصعبة تسمح لها بإقراض الدولة بنسبة فائدة معقولة، ما يساعد على خفض التداين الخارجي، مشيراً إلى أن القرض سيسدد على ثلاث سنوات وبنسبة فائدة في حدود 2.25 بالمائة، في حال دفع الأقساط على امتداد مدة السداد، أو 2.5 بالمائة في حال سداد المبلغ كاملاً عند انتهاء المدة.
وأضاف الكرم أن البنوك الحكومية الثلاثة (الفلاحي، الشركة التونسية، الإسكان)، ساهمت في القرض الممنوح للدولة، مؤكداً أن هذه المرة الثانية التي تساهم فيها المصارف المحلية مجتمعة في منح الدولة قرضاً بالعملة الأجنبية.