يُفقد الغلاء المتصاعد التونسيين آخر مصادر البروتين الحيواني على موائدهم، بعد أن سجّلت أسعار الدجاج قفزات صاروخية أقصته من موائد ذوي الدخل المحدود، بعد أن قلصت ذات الأسباب في السنوات السابقة من حضور اللحوم الحمراء والأسماك على موائد الكثير من الأسر.
ومنذ تطوّر استهلاك الدواجن في ثمانينيات القرن الماضي، احتلت اللحوم البيضاء المتأتية من الدجاج والديك الرومي مراتب متقدمة في مصادر البروتين الحيواني في غذاء الأسر التونسية، حتى غدت المصدر الرئيسي مع تراجع استهلاك اللحوم الحمراء والسمك لأسباب اقتصادية بالأساس .
وبسبب الغلاء المتصاعد وتراجع دخول الأسر أخذت علاقة التونسيين بالدواجن منحى جديداً تسارعت وتيرته هذا العام مع تسجيل أسعار لحوم الدجاج زيادة لا تقل 60% في الفترة بين أغسطس/ آب من العام الماضي ونفس الشهر من 2021، حيث انتقل سعر الكيلوغرام الواحد من 6 دنانير إلى 9 دنانير، في المقابل ارتفع سعر ذات الوحدة من لحم الديك الرومي بنسبة 57% ليصل إلى 19 ديناراً للكيلوغرام مقابل 11 ديناراً.
وقال سامي الحجري (41 عاماً)، يعمل بأجر يومي، إنه فقد القدرة على شراء لحوم الدجاج لأسرته التي تتكون من 4 أفراد، مشيراً إلى أن الغلاء تسبب في حرمان الكثير من الأسر من العديد من الأصناف الغذائية.
وأضاف الحجري لـ"العربي الجديد" أن الدجاج والبيض هما الملاذ الوحيد لمحدودي الدخل، لكن الغلاء بصدد القضاء على قدرتهم على شرائه، منتقداً فشل السلطات في الدفاع عن قوت التونسيين.
وأكد أنه أصبح يكتفي بشراء بعض الأجزاء من الدجاج الأقل سعراً على غرار الأجنحة لإعطاء بعض من المذاق الدسم للأكل على مائدته والحفاظ على التوازن الغذائي لأبنائه.
وبسبب الأزمة الاقتصادية التي عرفتها البلاد في ثمانينيات القرن الماضي اتجهت السلطات إلى توفير بدائل غذائية للتونسيين عن اللحوم الحمراء والأسماك عبر تشجيع صناعة الدواجن ونشرها في كامل محافظات البلاد ليتضاعف استهلاكها خلال عشر سنوات فقط.
وتكشف بيانات رسمية أن الدواجن من القطاعات الزراعية المهمة في تونس لأسباب اقتصادية واجتماعية، حيث توفر الدواجن ومشتقاتها نحو 70% من البروتينات للتونسيين.
وأرجع وسيم بوخريص، الذي يعمل في مجال تربية الدواجن، ارتفاع الأسعار إلى "احتكار مجامع كبرى لحلقات إنتاج الأعلاف التي تشكل 70% من كلف الإنتاج، ما يؤدي إلى إفلاس صغار المربين وزيادة أسعار الدواجن بشكل كبير".
وقال بوخريص لـ"العربي الجديد" إن بورصة أسعار الدواجن في السوق تتأثر بأسعار الأعلاف، مؤكداً أن وزارة التجارة لم تتحرك من أجل كسر الاحتكار الذي تفرضه 3 مجمعات كبرى في تونس، وذلك بتسقيف هوامش ربح الأعلاف المركبة وإدراجها ضمن المواد الأساسية.
وحذر من أن إفلاس أصحاب مزارع الدواجن الصغيرة يفسح المجال للمجامع الكبرى لابتلاع السوق والتحكم أكثر فأكثر في الأسعار. ويتكون قطاع دجاج في أغلبيته من صغار المربين الذين لديهم طاقة استيعاب أقل من 5 آلاف دجاجة في الدورة الواحدة، فضلاً عن ثلاثة مجامع كبرى تحتكر النشاط.
ويساهم قطاع الدواجن بنحو 12% في الإنتاج الزراعي و32% في الإنتاج الحيواني، إضافة إلى مساهمته في تغطية الحاجيات الاستهلاكية من اللحوم بنسبة تتراوح بين 50% و53% وتوفيره ما لا يقل عن 15 ألف فرصة عمل، حسب إحصائيات رسمية.
وعادة ما تترك الأزمات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في تونس بصماتها على موائد الأسر التي تضطر إلى تعديل كفة النفقات الغذائية وإعادة ترتيب أولوياتها بحسب الدخول المتاحة .
وتكشف بيانات رسمية لمعهد الاستهلاك الحكومي أن استهلاك الفرد التونسي من اللحوم بجميع أصنافها (دون اعتبار الأسماك ومنتجات البحر) تطور من 17.8 كيلوغراماً سنة 1985 إلى 24.8 كيلوغراماً في عام 2000 ثم تراجع إلى 23.4 كيلوغراماً في 2015، وتنفق كلّ أسرة سنويّاً ما يقارب 1065 ديناراً في شراء اللحوم والدواجن.
ويبقى معدّل استهلاك التونسي لهذه المواد دون المعدّل العالمي الذي يبلغ حسب منظمة الأغذية والزراعة 43 كيلوغراماً للفرد الواحد في السنة.
وتعاني تونس من نسبة تضخم عالية، كما تشهد الأسواق بسبب حرب الكر والفر بين السلطة وما يعرف بـ"الكارتلات المالية" نقصاً في تزويد مواد أساسية.