لجأ تونسيون إلى ما يعرف بالنقل التشاركي داخل المدن، وكذلك بين المحافظات المختلفة، في خطوة لخفض كلفة النقل بعد ارتفاع أسعار المحروقات وتدني خدمات النقل العام.
ويمثل النقل التشاركي واحداً من الحلول التي يلجأ إليها التونسيون للتنقل بأقل كلفة ممكنة، لا سيما داخل العاصمة تونس والمحافظات الكبرى، حيث يزيد الضغط المروري من أعباء استغلال العربات الخاصة. وتسمح حلول النقل التشاركي للمواطنين بالتشارك في كلفة الوقود مقابل استغلال عربة واحدة لنقل ما بين 3 و4 أفراد.
ويعقد المواطنون، الذين يعتمدون على هذه الطريقة في النقل، اتفاقات فيما بينهم على استغلال عربة واحدة وتقاسم الكلفة للتنقل من مقار إقامتهم نحو عملهم يومياً، وهو ما يجبنهم كلفة استعمال أكثر من عربة.
تصف روضة الشواشي (52 عاماً) هذه الفكرة بـ"المنقذ" الذي يسمح لأربع أسر تقيم معهم في نفس الحي بنقل أبنائهم يومياً إلى معاهدهم من حي "سكّرة" وسط العاصمة. تقول الشواشي لـ"العربي الجديد" إنه جرى الاتفاق بينها وبين 3 أسر يقطنون في ذات الحي على أن يتشاركوا على امتداد العام الدراسي في نقل أبنائهم نحو مدارسهم باستعمال عربة واحدة، إذ تتكفل كلّ أسرة بنقل التلاميذ بمعدل يومين أسبوعياً.
وأكدت أنّ حلول النقل التشاركي تساعدهم على خفض كلفة التنقل من منطقة السكن ووسط العاصمة، حيث يستغرق التنقل في أوقات الذروة ما لا يقل عن 30 دقيقة وإنفاق معدل 15 ديناراً يومياً (حوالى 5 دولارات) لشراء البنزين، الذي زاد سعره 5 مرات خلال عام واحد. وأضافت الشواشي أنّ الكثير من الأسر أضحت ضحايا الغلاء وضعف النقل الحكومي، ما يدفعهم إلى التعويل على إمكانياتهم الخاصة واللجوء إلى حلول تخفف وطأة الضغوط المعيشية التي يكابدونها.
وعلى امتداد العام الماضي 2022، رفعت سلطات تونس أسعار الوقود بنحو 20%، ما تسبب في زيادة أعباء استغلال السيارات الخاصة وزيادة تعريفات النقل الجماعي والنقل الفردي عبر سيارات الأجرة (تاكسي). وجاء رفع الأسعار في إطار خطة لخفض دعم الطاقة، وهو تغيير في السياسة طلبه المقرضون الدوليون على رأسهم صندوق النقد الدولي.
ورغم منع القانون التونسي حلول النقل التشاركي وفرض غرامات مالية على مستعمليه بنحو 700 دينار، لكنّ التونسيين لا يعبؤون بالمنع القانوني لهذه الممارسة، حيث تنشط على شبكات التواصل الاجتماعي مجموعات محفزة على التواصل بين الأفراد للتشارك في استغلال العربات وتقاسم الأعباء المالية للتنقل اليومي.
ويقول الخبير الاقتصادي خالد النوري لـ"العربي الجديد" إنّ الكثيرين من المواطنين أضحوا يواجهون ضعف جهاز النقل الحكومي وزيادة أسعار المحروقات بوسائلهم الخاصة، مؤكداً أنّ النقل التشاركي من الحلول المعتمدة في كلّ دول العام ولا يمنع قانونياً على عكس ما هو معمول به في تونس. وأشار النوري إلى أنّ النقل التشاركي حلّ مقتصد للأفراد والدولة أيضاً، حيث يساهم في خفض معدل استهلاك المحروقات وعجز ميزان الطاقة، كما يساعد على تحسين نوعية الهواء وخفض التلوث الناجم عن العربات.
وانتقد الخبير الاقتصادي عدم مواكبة القوانين التونسية للحلول الجديدة لتحسين خدمة النقل، لا سيما أنّ السلطات باتت عاجزة عن تطوير شبكات النقل العام وتجديد أسطولها بسبب الأزمة المالية التي تتخبط فيها البلاد. وتقرّ نقابات شركات النقل الحكومي بتراجع مستوى النقل الحكومي في ظل تقادم الأسطول. وقال رئيس جامعة النقل وجيه الزيدي إنّ عدد أسطول الحافلات الذي يؤمن النقل في مدن تونس الكبرى انخفض من 678 حافلة في 2021 إلى 239 حافلة فقط في 2022، كما تراجع عدد عربات الميترو الصالحة للنقل من 60 عربة إلى 15 عربة فقط.
وبحسب الزيدي، فإن أسطول الحافلات في إقليم تونس الكبرى كان عام 2010 في حدود 1213 حافلة، كما كانت شركة الميترو الخفيف تسير رحلاتها باستعمال 178 عربة.
ومع تردي الخدمات بفعل تفاقم الديون وتقادم الأسطول، شهد قطاع النقل العديد من الاضطرابات للمطالبة بتحسين أجور العاملين، ما يقلص فرص إنعاش القطاع الحيوي.