توحيد مصرف ليبيا المركزي: ملامح استبشار مليئة بالتحديات

22 اغسطس 2023
الدينار الليبي دفع ثمن الانقسامات المالية انخفاضاً في قيمته (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

بعد تسع سنين من الانقسام السياسي، عانى فيها الاقتصاد الليبي من نكبات عديدة، أبرزها تراجع قيمة الدينار الليبي لأدنى مستوياته، وتضخم السوق المحلي، فضلاً عن إغلاقات متعددة لإنتاج وتصدير النفط؛ استيقظ الليبيون أول من أمس، على أخبار مبشرة، بعد أن أعلن من طرابلس عن إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي.
وجاء الإعلان على لسان محافظ المصرف، الصِّديق الكَبير، ونَائِبه، مرعي رحيل، بعد اجتماع ضم أيضاً مديري الإدارات والمستشارين في فرعي المصرف بطرابلس وبنغازي، حيث أعلن المحافظ ونائبه أن المصرف قد عاد "مؤسسة سياديّة مُوحَّدة"، وأنهم "يبذلون الجهود لمعالجة الآثار التي نجمت عن الانقسام".
وبمجرد إعلان الخبر، سارعت المؤسسات السياسية الليبية إلى الترحيب به، بداية برئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة الذي حث عبر حسابه الرسمي بموقع "إكس" (تويتر سابقاً)، المحافظ ونائبه على مواصلة جهودهم لمعالجة الإشكالات المترتبة عن الانقسام السابق، معلقاً: "هذه محطة مهمة في سبيل تعزيز أداء هذه المؤسسة السيادية الهامة، مع استمرار التزامنا بالتكامل وتعزيز إجراءات الشفافية والإفصاح التي تبنتها حكومتنا".

وفي بنغازي، لم يمنع الانقسام الحكومي القائم رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، من الترحيب بخطوة توحيد المصرف، والثناء على الجهود المَبذولة في هذا الاتجاه، وذلك عبر بيان نشر بالخصوص.
ومن بنغازي أيضاً، أعلن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، عن مباركته إجراءات التوحيد، داعياً جميع المؤسسات والهيئات في البلاد إلى أن تحذو حذو هذه الخطوة في إنهاء حالة انقسام مؤسسات الدولة، وهي المطالب ذاتها التي دعا إليها رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، في معرض ترحيبه بعودة لحمة أكبر مؤسسة مالية في ليبيا.
ورغم ملامح الاستبشار التي ظهرت من خلال تعليق الليبيين على خبر توحيد المصرف في مواقع التواصل، فإن البعض أبدى تخوفاً من أن تكون هذه الخطوة مجرد اتفاق شكلي للتصدير الخارجي، وبث بعض الطمأنينة في الداخل، مستشهدين بتوحيد السلطة التنفيذية عام 2021، وعودة انقسامها في العام اللاحق، واستمراره حتى قبل إعلان الاتفاق الأخير.
وفي سياق هذه المخاوف، قال عضو مجلس النواب، جبريل وحيدة: "أتمنى أن يكون إعلان توحيد مصرف ليبيا المركزي خطوة تكتيكية من الصديق الكبير (محافظ المصرف المركزي) لأنه سبق وفعل ذلك".
واتهم جبريل، في تصريحات صحافية، الكبير بالهيمنة الكاملة على المصرف، وانتهاج "سياسة معينة بدعم من أطراف خارجية". وقال: "نحن بحاجة لتوحيد هذه المؤسسة، وأن تُصرف الأموال وفق قوانين الميزانية، وليس وفق ترتيبات مالية تأتي من الخارج".
ويختلف وزير الدولة للشؤون الاقتصادية بحكومة طرابلس، سلامة الغويل، مع هذه المخاوف، ويعتبرها مبالغة في التشاؤم، مقراً بأن هذه الخطوة "جدية ووطنية وذات صبغة تنموية". وقال الغويل لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن الجميع وصل إلى مبدأ أن الدولة لن تتقدم بالانقسام، بل من خلال الانتماء والتمترس. وقد أدرك الطرف الممثل للمنطقة الغربية أهمية تكامله مع المنطقة الشرقية، وأصبح التكامل الوطني يصحح مساره".

ويعتقد الغويل أن توحيد المصرف هو "إحدى بصمات التوافق الدولي، وانعكاس محلي له". ويضيف معلقاً: "أظن أن صوت العقل بدأ يترك أثره على أصحاب القرار في هذا الشأن، فالكتلة الشرعية وصاحبة القرار في الشرق متكاملة، وقد أدرك الصديق الكبير بموضوعية وأهمية دوره في الارتقاء بالمصرف، ولهذا شرع في الحديث مع الشرق، وأنا أعتبر موقفه وطنياً بامتياز".
ومن هذا المنطلق، ينسب الغويل فضل توحيد المصرف إلى الكبير، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالإضافة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد.
ويتوقع وزير الدولة لشؤون الاقتصاد آثاراً إيجابية كثيرة لتوحيد المصرف، أبرزها: انتعاش الاقتصاد وراحة المواطن، واستقلالية الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، بالإضافة لصحة النظام المصرفي، وتشخيص مسار الاقتصاد نحو الفهم الواقعي، وخلق الولاية الحقيقية للدولة بعد توحيد السلطة المالية والنقدية".
ويستدرك الغويل قائلاً: "المصرف المركزي أصبح مؤخراً اللاعب الرئيسي نتيجة قوة إدارته وتأثيره، وكذلك إيمان صاحب القرار فيه بضرورة المحافظة على المصرف وخلق قوة القرار، وهذا ما سيخلق أثراً إيجابياً وفاعلاً في اقتصاد الدولة واقتصاد المواطن واقتصاد التكامل والتجارة البينية وفي التنمية".
ويتوقع الغويل أن يأخذ هذا التوحيد طريقه نحو الاتجاه العملي والقانوني، مرجحاً رؤية الآثار الإيجابية في مدة محدودة جداً، بما ينعكس على واقع الناس والتجارة والخدمات.
ووفق رؤية الغويل، فقد تمت إجراءات وتسويات توحيد المصرف بشكل استراتيجي، بعيداً عن النزاعات والمناكفات السياسية، وذكريات الحروب والانقسام، وهذا إنجاز في حد ذاته، كما يرى.
وبعد اكتمال توحيد المصرف، يتوقع الغويل سلسلة اجتماعات لمجلس الإدارة بكامل النصاب، وأن يصدر مجلس النواب قراراً أو تكليفاً أو قانوناً يؤطر هذا الاتفاق ويدعم شرعيته، خاصة أن الاتفاق تم بالتنسيق مع عقيلة صالح.
وفي معرض تعليقه على الآثار الخارجية لتوحيد المصرف، يرى الغويل أن هذه الخطوة "ستحرج العالم، وتنبهه إلى أن ليبيا أصبحت واحدة، بالشكل الذي يعطي موقف للإرادة الوطنية القومية، والإرادة الوطنية الاقتصادية، والإرادة الوطنية السياسية المتكاملة".
ومن الجدير بالذكر أن توحيد المصرف جاء بعد يوم من اجتماع ضم رئيسي: المجلس الرئاسي، ومجلس النواب مع خليفة حفتر في بنغازي.
ومن هذه الزاوية يقر الغويل ببداية تشكل تيار وطني حقيقي ناضج يحرج الجميع، ويدفعهم إلى أن يكونوا جزءاً من هذا الاتفاق.
وعدا عن التفاعل الداخلي، لاقى توحيد المصرف صدى دولياً سريعاً، إذ رحبت به بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبر موقعها الرسمي، واعتبرته انتهاء لإجراءات توحيد البنك، وأشادت بمن وقف وراءه، مبدية أملها في أن تساعد هذه الخطوة على إعطاء زخم جديد لجهود توحيد جميع المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية في البلاد.
من جانبها، عبرت السفارة الأميركية أيضاً عن ترحيبها بإعلان إعادة توحيد المصرف، وعدته "خطوة حاسمة نحو استقرار وتنمية اقتصاد ‎ليبيا، ومثالاً مهماً للمصالحة عبر جميع مؤسسات الدولة لبناء الأساس نحو الانتخابات".
وعبر حسابها بموقع "إكس" شجعت السفارة على المتابعة بإجراءات ملموسة نحو التكامل الكامل للأنظمة المالية والرقابية، بما في ذلك عن طريق تفعيل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، وتعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومعالجة الإصدارات السابقة للعملة المزيفة، والإنفاق الموازي.

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا سنة 2014، وتبعاً للانقسام السياسي الذي بدأ حينها، انقسم المصرف المركزي الليبي على نفسه إلى مؤسستين، الأولى في العاصمة طرابلس (باعتراف دولي)، وبرئاسة، الصديق الكبير، والثاني في مدينة البيضاء شرق البلاد، وكان يرأسه، نائب المحافظ، علي الحبري، قبل إقالته من قبل مجلس النواب، واختيار، مرعي رحيل، بديلاً له.
وفي يناير/ كانون الثاني 2022 أعلن عن الانطلاق الفعلي لعملية إعادة توحيد المصرف. وجرى حينها توقيع عقد لتقديم خدمات استشارية مع شركة ديلويت Deloitte للخدمات المهنية الرائدة، لدعم تنفيذ خريطة إعادة التوحيد المتفق عليها.
ومن جانبه، قال المحلل المالي محمود سالم لـ"العربي الجديد" إن هناك معضلة في الإنفاق العام على حكومتين، فستكون هناك آثار سلبية على البلاد في هذا الإنفاق المنفلت، نظراً لعدم وجود موازنة عامة.
وتساءل سالم عن مصير العملة المطبوعة في روسيا، وكيف ستجري معالجتها أو سحبها من التداول؟ وما الآليات المطروحة، وخاصة فيما يتعلق بالمقاصة الإلكترونية بين مصارف الشرق والغرب؟
ويتساءل أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية، عمر زرموح، حول الجديد من إعلان مصرف ليبيا المركزي بشأن التوحيد، وإنهاء حالة الانقسام الذي بدأ منذ عام 2014؟
وقال: "المشهد يتكرر مرة أخرى ففي سنة 2021 اتفق المحافظ ونائبه على توحيد مصرف ليبيا المركزي وحتى أغسطس/ آب 2023 لم يحدث شيء ولم يجر الإعلان عن استكمال توحيد المصرف المركزي".
وتقدر قيمة أوراق النقد التي حصلت على موافقة جمركية روسية في السنوات الماضية بنحو 10.8 مليارات دينار، حتى نهاية عام 2019. وفي يوليو/ تموز 2021، قدمت شركة ديلويت الاستشارية للمراجعة المالية تقريراً نهائياً بعد الاطلاع على الوضع. وركز تقرير "ديلويت" على ضرورة إصلاح وتحسين عملية إصدار خطابات الاعتماد، والحاجة إلى ضوابط داخلية فعالة، مع التوصل إلى اتفاق مبدئي على تدابير قصيرة الأجل ومعالجة مشكلات السيولة شرقي البلاد، وحل مشكلة مقاصة "الشيكات".

المساهمون