يمرّ قطاع المقاولات في اليمن بأسوأ مرحلة له منذ بداية الصراع الدائر في البلاد قبل نحو ثمانية أعوام مع دخول السوق العقارية وأعمال البناء في حالة ركود تام منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2022.
وفي هذا السياق، يشكو العامل في مجال البناء، نبيل العواجي، من انخفاض فرص العمل المتاحة أمامه ووصولها إلى أدنى مستوى في هذا القطاع، خلال الفترة الماضية.
ويؤكد العواجي لـ"العربي الجديد" أنّ نشاط المقاولين وشركات البناء لم يكن يتوقف على الإطلاق إلّا للضرورة القصوى ولفترات قليلة جداً، إذ كان يتنقل في العمل بشكل متواصل مع الجهات التي يعمل معها بين المحافظات والمناطق اليمنية في ظل حركة كانت مزدهرة في العقارات وأعمال البناء، إلا أن كل ذلك تبدل في الفترة الأخيرة.
يشاطره الرأي، تاجر مواد بناء، شهاب الفقيه، الذي يشير في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هناك تراجعاً كبيراً في مبيعات مواد البناء وما يتعلق بها من كهربائيات وأدوات منزلية، إذ انخفضت المبيعات، وفق قوله، إلى أدنى مستوى في الربع الأخير من عام 2022.
أسباب الركود
يرجع المحلل الاقتصادي، صادق علي، لـ"العربي الجديد"، أسباب الركود الكبير الحاصل في السوق العقارية باليمن إلى جملة من العوامل منها الغلاء الكبير في أسعار الحديد والأسمنت والمواد الخرسانية، جراء مضاعفة تكاليف النقل، إضافة إلى الإتاوات المفروضة على هذه المواد من الأطراف كافة.
وأضاف: "كذلك، يعاني القطاع من تدهور سعر صرف العملة المحلية وانقسامها بين طرفي الصراع، فضلاً عن الارتفاع الحاصل في أسعار العقارات في المدن اليمنية خلال الفترة الماضية نتيجة المضاربة في الأراضي، غير أنها حالياً تمر بحالة ركود".
وقفز سعر طن الحديد في الأسواق اليمنية إلى نحو 500 ألف ريال، ما يعادل 850 دولارا، في حين يصل إلى أكثر من مليون ريال (1500 دولار) في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في حين تقترب أسعار الأسمنت من أربعة آلاف ريال للكيس الواحد (50 كيلوغراماً) بعد تأرجحها طوال الفترة الماضية بين 3000 و3500 ريال (الدولار = نحو 1250 ريالا).
المهندس المعماري، نجيب العديني، يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ هذا القطاع في حالة سكون منذ نهاية العام بسبب جمود المشاريع والأعمال، معتقداً أنّ تكون قرارات البنك المركزي الملزمة للصرافين بإيقاف المضاربة في الأراضي وعدم كشف أي حسابات مالية ساهم في هذه الوضعية التي يمر بها هذا القطاع وما يرتبط به من مشاريع وأعمال بناء وتشييد.
وبرزت شركات ومحال الصرافة في مختلف المدن الرئيسية اليمنية كمتهم رئيسي في أعمال المضاربة الواسعة في الأراضي وارتفاع أسعارها بصورة قياسية مع وصول متوسط سعر اللبنة (تساوي 44.44 مترا مربعا) كما تسمى في صنعاء وتعتبر أهم وحدات قياس المساحة في اليمن إلى أكثر من مليوني ريال.
مضاربات الأراضي
وتعاني كثير من الأعمال التجارية وأنشطة التوريد والشركات الهندسية والاستشارية من تعثر وتهاوٍ مع توقف كثير منها عن العمل، إضافة إلى المشاكل والتحديات المتعلقة بالنظام المصرفي المتهالك.
ويفسر الخبير القانوني، رأفت الحمادي، لـ"العربي الجديد" أن الكيانات المالية والمصرفية التي تتبع نافذين وتجارا ورجال أعمال، استغلت ما يعاني منه قطاع الأراضي في اليمن من إشكاليات قانونية ومنازعات والتباسات في الممتلكات العامة والخاصة والوقف، واتجهت للمضاربة في الأراضي كملاذ رئيسي انتشر بشكل كبير خلال السنوات الماضية في اليمن إما لغسل الأموال أو للتربح وجني المكاسب غير المشروعة.
وجددت الجهات والمنظمات الممثلة لقطاع البناء والمقاولات خلال الفترة القليلة الماضية مطالبتها بصرف المديونية المالية السابقة للمقاولين اليمنيين على الحكومة جراء تنفيذ مشاريع حكومية في فترات سابقة، وبصورة تمكن قطاع المقاولين من تجاوز حالة التعثر التي يعيشها حالياً والخروج من دائرة الإفلاس وإغلاق الشركات.
ويأتي ذلك، حسب منظمات المقاولات من خلال تخصيص جزء من موارد النفط والغاز أو البحث عن تمويلات خارجية لسدادها أو منح قروض، إضافة إلى إيجاد آليات لمعالجة مشاكل التعثر للمشاريع قيد التنفيذ جراء الحرب، من خلال تقييم مستوى التنفيذ وتقدير التكاليف واستلام المراحل المنفذة من المقاولين بصورة نهائية، ومن ثم الدخول بتعاقدات جديدة للمراحل المتبقية.
مساعدة القطاع
يرى عضو جمعية المقاولين اليمنيين، معين الهريش، أن هذا القطاع وما يرتبط به من أعمال بناء وتشييد يشغّل عددا كبيرا من الأيدي العاملة ومصدر رئيسي لإنعاش سلسلة من الحرف والمهن والأعمال الاستثمارية والتجارية، لذا من المهم وفق حديثه، مد يد العون والمساعدة لانتشاله من قبل الدوائر والمؤسسات الحكومية.
وأضاف: "كما يجب مراعاة حالة التعثر وحجم المديونية للقطاع لدى الجهات الحكومية، وإيجاد الآليات المناسبة التي تمكنه من الحصول على التراخيص اللازمة لاستمرارية الأعمال في هذا القطاع الذي يعاني من انحدار متواصل".