ازدادت معاناة فئة محدودي الدخل وأصحاب الأجور الثابتة والمعاشات التقاعدية، في ليبيا جراء ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مقابل انخفاض مستويات الدخول الحقيقية، تزامنا مع تخفيضات للعملة المحلية بقيمة 70% مقابل الدولار.
يقول صلاح السليني، من ذوي الاحتياجات الخاصة لـ"العربي الجديد" إن معاناته زادت خلال الفترة الأخيرة مع سعر الصرف الجديد وخاصة مع تأخر المنحة المالية التي يتقاضاها من صندوق التضامن الاجتماعي ما يقرب من شهرين.
وطالب بضرورة رفع سقف المنحة البالغة 450 دينارا أي ما يعادل 100 دولار فهي لا تكفي أدوية ومستلزمات للإعاقة لمدة أسبوع مع غياب الخدمات الصحية، والارتفاع الكبير في معدلات التضخم وبالتالي تدني الدخول الحقيقية للأفراد لا سيما ذوي الدخول الثابتة والمحدودة.
ومن أمام مصرف التجاري الوطني فرع ميدان الشهداء في العاصمة الليبية طرابلس، يقول المواطن سالم العزابي، لـ"العربي الجديد" إن مدخراته في المصرف 40 ألف دينار وبعد تعديل سعر الصرف أصبحت تعادل نحو 10 آلاف دينار بالمقارنة بين سعر الدينار مقابل الدولار الذي ارتفع من 1.4 دينار وإلى 4.48 دنانير وبالتالي تهاوت قيمة العملة.
وتزداد المأساة الإنسانية يومًا تلو الآخر، نتيجة انهيار الخدمات الأساسية للمواطن وغياب الاحتياجات الأساسية له من ماء ودواء وكهرباء وغاز وطعام، وتأخر صرف المرتبات ونقص الأدوية بمختلف أنواعها. كما أن أسعار المستهلك (التضخم) سجلت زيادات هذه الأيام بنسب تتراوح ما بين 20% إلى 25%، حسب مراقبين.
وقال رئيس قسم المعلومات بصندوق التضامن الاجتماعي، عصام اليوسعي، لـ"العربي الجديد" إن 82 ألف مواطن يتقاضون رواتب من الأرامل والمطلقات والشيوخ والعجزة بقيمة 450 دينارا للشخص شهريا، وهي لا تكفي لتوفير الحاجيات الضرورية، خاصة بعد تخفيض قيمة العملة المحلية. كما أشار إلى أن شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود تعاني من أمراض مزمنة.
ويقول وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية، محسن أبوسنية، إن قيمة المعاشات الأساسية والحد الأدنى للأجور تراجعت بسبب سعر الصرف الجديد. وأوضح أبوسنية في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الأسرة المكونة من خمسة أشخاص يجب أن يصرف لها راتب يقدر بنحو 1300 ألف دينار شهريا حتى لا تنضم إلى الطبقة الأفقر، وذلك وفق دراسات اجتماعية.
ومن جانبه، يقول الباحث الاقتصادي، أبوبكر الهادي، لـ"العربي الجديد" إن الدولة يجب عليها رفع الحد الأدنى للأجور والمنح المالية للطبقات الفقيرة في سقف ألف دينار لحماية الطبقة الفقيرة من العوز وضيق الحال.
وتعيش ليبيا أزمة اقتصادية خانقة معقدة منذ سنوات وذلك نتيجة لتفشي الفساد وسوء الإدارة وانعدام التخطيط والانقسام السياسي والمؤسسي. ويذهب نحو 56% من الإنفاق العام للرواتب، حسب البيانات الرسمية. وقال المحلل الاقتصادي، نور الحبارات، لـ"العربي الجديد" إن معدلات تضخم مرتفعة تُسجل بشكل ملحوظ في السلع الأساسية من غذاء ودواء ووقود وخدمات صحية وتعليمية وإسكان ونقل وغيرها، وهذه المعدلات يتوقع أن ترتفع بشكل أكبر مع التوسع في الإنفاق العام ورفع الدعم وارتفاع سعر الدولار وانخفاض مدخرات المواطنين.
كما أن شريحة واسعة من السكان يعيشون على حد الكفاف وفقًا لخط الفقر الموضوع من قبل البنك الدولي، وهناك مئات الآلاف من إجمالي تعداد السكان (نحو 6 ملايين) يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، حسب تقارير البنك الدولي الذي حدّد خط الفقر المدقع في حدود 336 ديناراً شهرياً للفرد. ويعتقد مصرفيون من المصرف المركزي أن تعديل سعر الصرف الأخير وذلك بخفض سعر الدينار الرسمي سيساهم في حل مشكلة السيولة الحالية وذلك بإغراء من يحتفظون بالدينار الليبي خارج الدورة النقدية "لشراء الدولار من السوق السوداء" من إعادة مخزونهم من العملة المحلية إلى المصارف، وبذلك تنتهي مشكلة السيولة.
ولكن مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية، أحمد أبولسين، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن مشكلة السيولة لن تحل بهذه الطريقة لأن المواطن يحتاج إلى أربعة أضعاف راتبة الشهري لكي يعيش ضمن الطبقة الوسطى وذلك بسبب تخفيض مدخراته من العملة المحلية بنسب كبيرة.
ويأمل مراقبون في تحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في حال إتمام مقترح الموازنة الموحدة لكلتا الحكومتين في الشرق والغرب. وكان مسؤول بوزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني قد أكد في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" أن الموازنة الموحدة يرتقب أن تتراوح قيمتها ما بين 70 و75 مليار دينار، بسعر الصرف الجديد 4.48 دنانير مقابل الدولار الأميركي. وتعوّل الدولة على إنتاج ما بين 1.3 إلى 1.5 مليون برميل نفط يوميًا في العام الحالي، على أساس سعر نفط 50 دولارًا للبرميل في الموازنة المقترحة.