في أقل من أسبوعين توافد على الجزائر عدد من المسؤولين الغربيين، إضافة إلى اتصالات سياسية، وكان واضحاً أن تداعيات الحرب في أوكرانيا وتحديات الأزمة الطاقوية على مستوى الغاز والنفط كانت أبرز دوافع قنوات التواصل.
في 28 فبراير/ شباط الماضي، سارع وزير الشؤون الخارجية الإيطالي لويغي دي مايو مرفوقاً بمدير شركة "إيني" للطاقة بزيارة الجزائر، للاتفاق على زيادة واردات ايطاليا من الطاقة من الجزائر، حيث يربط أنبوب بحري بين البلدين لضخ الغاز ووصف دي مايو زيارته في ظروف الحرب الروسية على أوكرانيا بأنها "لحظة تاريخية بالنسبة للجزائر وايطاليا التي تتطلع الى رفع امداداتها من الطاقة، لاسيما الغاز لدى شركائها الدوليين من بينهم الجزائر التي تعتبر مموناً موثوقاً، وهذا يؤكد القيمة الاستراتيجية لشراكة الطرفين".
وتلا زيارة دي مايو، اتصال هاتفي بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء الإسباني السيد بيدرو سانشيز، كان موضوعه الرئيس ملف التزود بالطاقة ، حيث أعرب المسؤول الاسباني"عن شكره للجزائر كشريك موثوق في مجال الطاقة, متطلعاً إلى العمل على تطوير وتعزيز التعاون القائم بين البلدين".
والأسبوع الماضي وصلت نائبة وزير الخارجية الأميركية الى الجزائر لتبحث مع الرئيس تبون والمسؤولين الجزائريين مسألة ضمان حاجيات شركاء واشنطن في أوروبا من الطاقة، في غضون الأزمة الأوكرانية، اضافة الى بحث التعاون في مجال الاستثمار في مجال الطاقات النظيفة.
ووصل الأربعاء الماضي وزير خارجية سلوفينيا أنزي لوغار إلى الجزائر، للقاء الرئيس عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمطان لعمامرة، لبحث ملف التعاون في مجال الطاقة، وقال عقب لقائه الرئيس تبون إن "الجزائر شريك مهم لبلاده في العديد من المجالات، خاصة في قطاع الطاقة والبحث عن شراكات جديدة مع الجزائر في مجال إنتاج الغاز والبترول''.
ويفسر مراقبون توالي زيارات المسؤولين الغربيين الى الجزائر، وتزايد الاهتمام الغربي بالجزائر، بالخوف من استمرار اضطرابات أسواق الطاقة، على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا واستدامة تأثيراتها على إمدادات الغاز والنفط، وهو ما يدفع الدول الغربية إلى البحث عن مصادر تمويل بالطاقة موثوقة وقريبة منها يمكن أن تؤمن لها حاجياتها من الغاز، خاصة أن الجزائر تملك أنبوبين لضخ الغاز باتجاه كل من إسبانيا وايطاليا، إضافة الى أنبوب ثالث عبر المغرب تم توقيف الضخ عبره في اكتوبر تشرين الاول الماضي، اضافة الى بواخر ناقلات الغاز.
وعلى الرغم من ان الجزائر تتجنب الظهور في موقف الدولة القادرة على تعويض الدول الأورويية إمدادات الغاز الروسي، بسبب طبيعة علاقاتها الجيدة مع موسكو، ولتجنب الأضرار بعلاقاتها مع هذه الأخيرة، فإن الجزائر في المقابل، تعتبر ان الفرصة مناسبة للبروز كقوة طاقوية وبلد مؤثر، وتحقيق بعض المصالح السياسية والقضايا المختلفة.
وقال الخبير الاقتصادي مراد ملاح في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "الجزائر شريك طاقوي مهم جداً لأوروبا، والحاجة إلى غاز الجزائر تعاظمت في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، من حيث مساع غربية حثيثة لتعويض الغاز الروسي من الجزائر رابع أهم مورد للغاز في أوروبا بعد أميركا وروسيا وقطر، وربما ما زاد الحاجة إلى التنسيق تزامن توقيت الحرب مع ذروة الطلب على الغاز بسبب الانفتاح الاقتصادي الكبير مع انقشاع إغلاقات الجائحة، وهو ما جعل الطلب على الغاز كبيراً جداً".
وأشار ملاح إلى أن سلسلة الزيارات الغربية "تفسر أهمية الغاز الجزائري التي تزايدت مع تأكد الغرب يوماً بعد يوم أن الغاز القطري لن يكون متاحاً بالسرعة والكميات التي اعتقدوها في البداية، حيث رغم القدرات الهائلة لدولة قطر خاصة باعتبارها الأولى عالمياً في تصدير الغاز المسال".
أضاف: " لكن المفاجاة كانت كبيرة من حيث ان الغاز القطري المتاح هو عشرة في المئة فقط التي تخضع للبيع الفوري بينما تسعون بالمئة من الغاز القطري مرتبط بعقود مع دول آسيوية مهمة هي الهند والصين وسنغافورة واليابان، ويبدو أن القطريين ليسوا مستعدين بتاتاً للإخلال بتعهداتهم مراعاة لسمعتهم المحترمة في توريد الغاز من جهة، وخوفاً من فقدان حصصهم السوقية لصالح أستراليا، وعليه يؤمل عدم حدوث أي خلل في التوريد".
وأشار إلى أن هذا أمر متاح في بلد تعطلت به وغابت عنه كثيراً الاستثمارات الجديدة في قطاع الطاقة في العقدين الأخيرين نظراً لضعف قانون الاستثمار وقانون الطاقة ناهيك عن الفساد الكبير الذي حال دون تشجيع شركات عالمية للدخول في حقول جديدة في الجزائر.
وقال: "أعتقد ان الزيارات الأوروبية لن تحمل في طياتها رغبات أوروبية في الاطمئنان على مصدر توريد الغاز وإنما للتأسيس إلى شراكات قوية خاصة الطاقة النظيفة على رأسها الهيدروجين الأخضر تماشياً والتوجه العالمي لخفض الانبعاثات الكربونية".
وكانت شركة "سوناطراك" قد أعلنت رسمياً في يوليو/ تموز من السنة الماضية أنها تخطط لزيادة انتاجها مع الشريك الإيطالي شركة "إيني" التي تملك حقوق إنتاج في الجزائر قدرها 90 ألف برميل من المكافئ النفطي يومياً.