تنويع اقتصاد الجزائر: أفريقيا بوابة الخروج من الانغلاق النفطي

08 يونيو 2024
خلال افتتاح الخط البحري بين الجزائر ونواكشوط، 24 فبراير 2022 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الجزائر تركز على تقليل اعتمادها على النفط بتوجه نحو تنويع الاقتصاد، مستهدفة زيادة الصادرات غير النفطية وتعزيز صادرات الحديد، الإسمنت، والمنتجات الزراعية.
- افتتاح مصارف جزائرية في أفريقيا ومعارض دائمة للمنتجات الجزائرية في موريتانيا والسنغال، لدعم المصدرين الجزائريين وتسهيل التجارة في السوق الأفريقية.
- تعزيز الوجود الاقتصادي الجزائري في أفريقيا من خلال الانضمام إلى منطقة التبادل الحر الأفريقية وتوسيع شبكات النقل، مع التركيز على تنمية القطاعات غير النفطية والدبلوماسية الاقتصادية.

وُضعت القارة الأفريقية في قلب سياسة جديدة لتنويع موارد اقتصاد الجزائر الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط ، وباشرت خلال الآونة الأخيرة خطوات ملموسة في هذا الاتجاه.

إذ يعاني اقتصاد البلاد من تبعية مفرطة لإيرادات النفط والغاز، التي تمثل ما يقارب 90 في المائة من مصادر النقد الأجنبي، مع فشل الحكومات المتعاقبة في تنويع الاقتصاد. وأعلنت السلطات الجزائرية رفع حصة الصادرات غير النفطية من 2% إلى 11% في 2022، أو ما يعادل سبعة مليارات دولار، وتطمح إلى رفع الرقم إلى 13 مليار دولار في نهاية العام الجاري، والوصول لاحقا إلى 15 مليار دولار.

توسّع مصرفي

ورفعت الجزائر صادراتها إلى أفريقيا من الحديد والصلب والإسمنت والأسمدة والمخصبات ومنتجات زراعية على غرار التمور والخضر والفواكه والأجهزة الكهرومنزلية ومستحضرات التجميل والعناية الجسدية. وفي سبتمبر/ أيلول 2023 قام وزيرا التجارة الطيب زيتوني والمالية لعزيز فايد بتدشين أول مصرفين للجزائر في الخارج بكل من نواكشوط الموريتانية وداكار السنغالية، إلى جانب معرضين دائمين للمنتجات الجزائرية في هذين البلدين.

والمصرفان يحملان اسم "بنك الاتحاد الجزائري"، وهما ثمرة شراكة بين عدة مصارف حكومية جزائرية برأس مال بلغ 50 مليون دولار بالنسبة لفرع نواكشوط، و100 مليون دولار بالنسبة لفرع داكار.

وتقول السلطات إن ثالث مصرف بالخارج سيتم افتتاحه قريبا بدولة كوت ديفوار (ساحل العاج)، من بين أهدافه أيضا مرافقة المصدرين الجزائريين لدخول سوق هذا البلد الأفريقي ودول أخرى مجاورة. وسبق لوزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني أن أكد أن تدشين مصرف ومعرض المنتجات الجزائرية في نواكشوط هو انتقال من الخطابات إلى الأفعال.

وشدد زيتوني على أن هذه المصارف سترافق المتعاملين (أصحاب الشركات) الجزائريين وشركاءهم الموريتانيين والسنغاليين من أجل الانطلاق في عمليات تجارية حقيقية. ووفق زيتوني، فإن موريتانيا تنتمي إلى منطقة غرب أفريقيا التي توجد فيها سوق كبيرة بأكثر من 300 مليون نسمة، وستسهل، حسبه، الانطلاق من هذا البلد للولوج إلى هذه السوق.

اقتصاد الجزائر أمام خيار استراتيجي

في هذا السياق، يعتقد علي باي ناصري، وهو رئيس الجمعية الجزائرية للمصدرين (مستقلة)، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أدرج مبكرا ومنذ وصوله سدة الحكم التقارب مع أفريقيا كأولوية استراتيجية، مع إمكانية بلوغ الصادرات ثلاثة مليارات دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة. ويشرح علي باي ناصري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه ضمن هذا الخيار، وجه الرئيس تبون بفتح معارض جزائرية في دول غرب أفريقيا في مرحلة أولى وفتح مصارف، كما جرى التصديق على انضمام البلاد إلى منطقة التبادل الحر الأفريقية.

ويعلق بالقول "كل هذه التدابير توضح التوجه الجزائري الواضح لرفع وزنها وحضورها الاقتصادي إلى مستوى وزنها السياسي والدبلوماسي في أفريقيا". ويضيف "هذه الإجراءات ستتوسع أيضا إلى الكاميرون وكوت ديفوار، والتي ستشهد فتح معارض دائمة للمنتجات وأيضا مصارف جزائرية قبل نهاية العام الحالي".

ولفت إلى أنه من الضروري أيضا الإشارة إلى إطلاق الوكالة الجزائرية للتعاون والدولي برصيد مالي يقدر بمليار دولار، موجهة لتمويل مشاريع ذات منفعة عمومية بأفريقيا، وهي في حالة نشاط وهناك مشاريع في أجندتها. ويعترف باي ناصري بأن حجم المبادلات البينية مع دول أفريقيا حاليا هي بمتوسط 500 مليون دولار سنويا، ولا ترقى إطلاقا لحجم الطموحات والإمكانيات المتاحة.

ويعتبر باي ناصري أنه بالنسبة للمصدرين الجزائريين خارج قطاع المحروقات، فإن الطموح هو بلوغ ثلاثة مليارات دولار من المبيعات في دول أفريقيا وخصوصا غرب القارة.

ومطلع العام 2022، أعلنت الجزائر افتتاح أول خط بحري بينها وبين موريتانيا والسنغال من أجل زيادة حجم التبادلات التجارية يربط ميناء جن جن بولاية جيجل على الساحل الشرقي، بنواكشوط وداكار.

من جهتها، أعلنت شركة الخطوط الجوية الحكومية الجزائرية قبل أشهر عن توسيع شبكتها نحو عواصم ومدن القارة السمراء، لمواكبة التوجه الاقتصادي للبلاد، إذ صارت تسير حاليا رحلات نحو تسع عواصم ومدن افريقية، وتسعى لرفعها إلى 11 وجهة خلال العام الحالي، كما أعلنت إدارتها سابقا.

كما كثفت الجزائر تحركاتها لدعم الصادرات إلى دول الجوار الجنوبي في إطار التحضير لتفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية التي قررت الانضمام إليها في مايو/ أيار 2021. وتنص الاتفاقية على استفادة الدول المنضمة من رفع القيود الجمركية، التي يمكن أن تصل إلى صفر في المائة على مدى خمس سنوات بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وتشمل الاتفاقية 55 دولة أفريقية، يتجاوز عدد سكانها 1.2 مليار نسمة.

توفير الثقة لشركات الجزائر

أما المحلل الاقتصادي مراد كواشي، فيرى أن الجزائر عادت بقوة نحو القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، وكانت البداية، حسبه، من موريتانيا والسنغال ببنوك ومعارض للمنتجات الجزائرية. ويشير كواشي، وهو أستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة أم البواقي الحكومية، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن توجه الجزائر نحو دول في غرب أفريقيا سيعطي ثقة أكبر للشركات الجزائرية التي يمكن أن تنافس في هذه المنطقة.

وحسب المتحدث، فإن الكثير من الشركات الجزائرية المصدرة عانت في السنوات الماضية من غياب بنوك جزائرية بالخارج بما فيها غرب أفريقيا وكانت تضطر للتعامل مع مصارف أجنبية. ويشرح كواشي أن توجه الجزائر نحو غرب أفريقيا لم يقتصر على المصارف ومعارض الإنتاج، بل امتد أيضا إلى الملاحة الجوية، من خلال شركة الخطوط الجوية الحكومية التي أعلنت تسيير رحلات إلى دول افريقية، فضلا عن خطوط بحرية بين موانئ جزائرية وأخرى في السنغال وموريتانيا.

ويعلق بالقول "هناك توجه لتفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية وخصوصا بالقارة الأفريقية"، ويلفت إلى أن الجزائر تعمل حاليا على تنفيذ مشروع طريق بري يربط تندوف (جنوب غرب)، والزويرات الموريتانية (شمال)، والذي يعد معبرا أيضا نحو سوق غرب أفريقيا. وحسب كواشي، فإن مبادرة إطلاق معارض دائمة للإنتاج الجزائري في دول أفريقية، ستساهم في الترويج أكثر للسلع والبضائع المحلية، وإيجاد فرص تسويقية لها في المنطقة، وهو ما سيعزز نمو القطاعات غير النفطية. ويضيف أن "موريتانيا والسنغال ما هما إلا بوابتان نحو سوق القارة السمراء التي تضم مليارا و200 مليون نسمة".

المساهمون