على عكس سلفه، الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان دائم الانتقاد لبنك الاحتياط الفيدرالي،" البنك المركزي الأميركي" وقياداته، ووصفهم في إحدى المرات بأنهم "حمقى"، واعتبر المؤسسة المالية الأكثر الأهمية في العالم ورئيسها "العقبة الوحيدة" التي تعوق انطلاق الاقتصاد الأميركي، تشير التوقعات إلى أن الرئيس الواصل حديثاً إلى البيت الأبيض سيكون برداً وسلاماً على المركزي الأميركي الذي لعب الدور الأكبر في إنقاذ الاقتصاد الأميركي خلال أحلك لحظات أزمة كوفيد-19 قبل ما يقرب من عشرة أشهر.
وفي الوقت الذي توقع فيه أكبر خبراء الاقتصاد والمستثمرين في العالم، وعلى رأسهم المدير التنفيذي السابق لبيمكوالمصري الأميركي محمد العريان، انهيار أسواق الأسهم والسندات الأميركية، وحدوث أزمة تفوق ما حدث في أزمة الرهون العقارية في 2008، وأزمة فقاعة الإنترنت أوائل الألفية الثالثة، وأعلن فيه الملياردير المخضرم وارين بافيت تصفية العديد من القطاعات في محفظته الاستثمارية، كان البنك الفيدرالي، بقيادة رئيسه جيروم باول، حاضراً بمنتهى القوة، ليعلن استعداده "عمل كل ما ينبغي" لإنقاذ الاقتصاد الأميركي، لتتجاوز أغلب الأسهم الأميركية مأساة الجائحة، وتتضاعف قيمتها عدة مرات في بعض الأحيان، في غضون شهور قليلة.
ورغم الدور الكبير الذي لعبه البنك الفيدرالي، استمر الرئيس الأميركي "السابق" ترامب في انتقاده، متجاهلاً حقيقة أن أي تراخ أو تباطؤ في تعامل البنك مع الأزمة كان كفيلاً بإعادة اقتصاد البلاد سنوات إلى الوراء وإلغاء إنجازات السنوات الأربع السابقة، وكتابة نهاية العصر الترامبوي قبل موعدها بشهور. ولا يتوقع أحد أن يطلق ضيف البيت الأبيض الجديد تغريدات بعد منتصف الليل أو في الساعات الأولى من الصباح، يتدخل بها في مهام وسياسات وقرارات البنك الفيدرالي، ويصف أعضاء مجلس إدارته بكلمات غير معتادة لدى هذا المستوى من القيادات، إلا أن هذا لا يعني أن الفترة القادمة ستكون خالية من الضغوط على البنك، في وقت لم يستعد الاقتصاد الأميركي فيه كامل عافيته حتى الآن. وفي حين جاء اختيار بايدن لمنصب وزير الخزانة على قدر من الذكاء والموضوعية، بترشيحه الدكتورة جانيت يالين، الرئيس السابق للبنك الفيدرالي والتي جمعتها والرئيس الحالي للبنك سنوات من العمل المشترك، تبقى الجائحة تحدياً كبيراً للبنك وقياداته الحالية، كما كامل الفريق الاقتصادي في الإدارة الجديدة، بعد ما تسببت في من تعطل للنشاط الاقتصادي، وفقدان الملايين لوظائفهم، واتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء بصورة غير مسبوقة ولا مقبولة، خاصة لدى الحزب الذي ساعدت قياداته، المعروفة بانحيازها للأقليات والفئات الأضعف داخل المجتمع الأميركي، في وصول الرئيس المنتخب إلى البيت الأبيض.
وتوقع اد ميلز، محلل سياسات الإدارات الأميركية المخضرم، أن ترى واشنطن "ديناميكيات التنسيق تتبلور بين البنك الفيدرالي ووزارة الخزانة" تحت قيادة يالين، التي يتوقع أن يتم تأكيد توليها للمنصب بسبب الأغلبية الديمقراطية في مجلسي الكونغرس. وقال ميلز "أرى أن السياسات الخارجة من البنك وتلك الصادرة من وزارة الخزانة ستكون الأكثر توافقاً في التاريخ، حيث سيتم التركيز فيها بصورة كاملة على إنعاش الاقتصاد". ومع توقع أغلب المحللين بقاء معدلات الفائدة الأميركية عند مستوياتها الصفرية، على أقل تقدير في أول عامين من حكم الرئيس الجديد، لا يتوقع أحد أن يتبع بايدن أسلوب المكايدة الذي اتبعه سلفه، بإشاراته المستمرة إلى البنوك المركزية في أوروبا واليابان، من أجل دفع باول لتخفيض معدلات الفائدة ودفع معدلات النمو الاقتصادي إلى أعؤلى. ويقول كريستوفر ويلان، المستثمر المخضرم، ورئيس شركة ويلان غلوبال للاستشارات المالية، "بايدن رجل يعرف التقاليد وسيحترم منصبه"، مضيفاً "سيمثل بايدن نقلة تاريخية حقيقية، وشيء جيد أن يكون لدينا رئيس يكبح جماح العديد من الأشخاص المتطرفين في حزبه".
ولن تقتصر النقلة التاريخية التي يتوقع ويلان أن يمثلها وصول بايدن إلى البيت الأبيض على اختفاء التغريدات المستفزة للبنك الفيدرالي ورئيسه، حيث يتوقع أن يثير الرئيس الجديد قضايا تخلى عنها ترامب خلال فترته الأولى والوحيدة بالبيت الأبيض، مثل التغير المناخي والتفاوت في الدخل بين الأميركيين. ورغم محدودية الأدوات المتاحة للبنك لإحداث تأثير مباشر في مثل هذه القضايا، إلا أن بعض الخطوات التي اتخذها مجلس إدارته مؤخراً تشير إلى إمكانية التعاون مع رئيس كان ضمن أول الأوامر التنفيذية التي وقعها يوم تنصيبه العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ.
وقبل عدة أشهر، انضم بنك الاحتياط الفيدرالي إلى "شبكة النظام المالي الأخضر"، وهو اتحاد من البنوك المركزية حول العالم يهدف إلى معالجة مشكلة تغير المناخ، قبل أن يبدأ أعضاؤه في التحدث عن إمكانية مطالبة البنوك التي يشرف عليها البنك الفيدرالي بتكوين مخصصات للخسائر المالية المرتبطة بتغير المناخ عند إجراء اختبارات الإجهاد التي تتم بصفة دورية.
ويقول إد ميلز "ما رأيت دائماً أن بنك الاحتياط الفيدرالي يفعله هو الاستجابة للبيئة السياسية السائدة في واشنطن"، مضيفاً أن أول ما يريد بنك الاحتياط الفيدرالي فعله هو الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السلطة، "والطريقة التي يحافظون بها على سلطتهم هي إبقاء الحزب المسؤول سعيداً"، على حد تعبيره.
وبعد أن أتم ترامب تعيين أربعة من أعضاء مجلس إدارة البنك المكون من سبعة أعضاء، لم يتبق لبايدن سوى مكان شاغر، فشل ترامب أكثر من مرة في ملئه، وسيكون اختيار بايدن لهذا االمرشح رسالة واضحة على الأغلب في أي اتجاه يريد البيتُ الأبيضُ البنكَ الفيدرالي أن يسير خلال السنوات الأربع القادمة.