استمع إلى الملخص
- أسباب الحياد: الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي يعتقد أن الحياد ناتج عن انتهاء عهدة قيادة الاتحاد منذ أكثر من سنة ونصف، مع القلق من تحريك ملفات قضائية ضد رجال الأعمال.
- المال السياسي: الانتخابات السابقة شهدت تدخلات من رجال الأعمال، مع شبهات حول دفع أموال للحصول على تزكيات، وتسعى السلطات لجمع 4.5 مليارات دولار من الصلح الجزائي مع المتهمين بالفساد.
لا يبدي رجال الأعمال في تونس أي موقف من المترشحين للانتخابات الرئاسية، حيث يلوذ الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال) بالحياد إزاء الحدث السياسي المهم الذي تقدم عليه تونس في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول القادم. وينتخب التونسيون في بداية الشهر المقبل رئيساً جديداً لولاية تستمر لخمس سنوات، حيث يتبارى على موقع الرئاسة ثلاثة مترشحين، هم الرئيس الحالي قيس سعيد، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، والمترشح المستقل عياشي الزمال.
ولأول مرة منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 تُجرى انتخابات رئاسية في تونس دون ظهور بارز لدعم رجال الأعمال لهذا المرشح أو ذاك. ومنذ إعلان تدابير 25 يوليو/ تموز 2021، التي سيطر بمقتضاها الرئيس سعيد على كامل الصلاحيات، تلوذ منظمة رجال الأعمال بالصمت، مكتفية بإصدار مواقف تتعلق بالشأن المهني للجامعات المنضوية تحتها أو بما يتعلّق بالشأن الاقتصادي البحت.
وخلال العقد الماضي، لم يخفِ رجال الأعمال وكبار المتعاملين الاقتصاديين في تونس دعمهم مرشحي الانتخابات، حيث لا تخلو حملات المرشحين من مختلف الأحزاب السياسية من حضور بارز لشخصيات اقتصادية نافذة، فيما تظل الأرقام المالية التي يضخها رجال الأعمال في حسابات الأحزاب والمترشحين غامضة، رغم قوانين الرقابة الصارمة على حسابات الأحزاب والحملات الدعائية وسط تحذيرات من التأثيرات السلبية الخطيرة للمال السياسي الداخلي والخارجي.
أسباب حياد رجال الأعمال
ويعتقد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن الحياد الذي يبديه أرباب العمل في القطاع الخاص من الشأن السياسي والانتخابات الرئاسية قد يكون خياراً من قيادة منظمة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. ويقول الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن قيادة منظمة رجال الأعمال انتهت عهدتها قانونياً منذ ما يزيد عن سنة ونصف، وهو الأمر الذي قد يفسر تجنبها اتخاذ أي موقف واضح وملزم بشأن الانتخابات الرئاسية والمحطات السياسية الجديدة.
ويرأس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة سمير ماجول منذ سنة 2018 ويواصل إدارته للمنظمة رغم انقضاء المدة القانونية لولايته منذ يناير/ كانون الثاني 2023، كما لم تعلن المنظمة عن نية لعقد مؤتمر انتخابي جديد. وحول أهمية مشاركة الفاعلين الاقتصاديين في الشأن السياسي من عدمه، يرى رضا الشكندالي أنه من المهم مشاركة رأس المال والعمل في القرارات والتوجهات الاقتصادية الكبرى في البلاد في إطار تشاور وشراكة مع الفاعل السياسي.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن السلطة السياسية لا يمكنها تطبيق قرارات أو إصلاحات اقتصادية دون التوافق مع اتحادي الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد العام التونسي للشغل. ويضيف: "يتطلب تحريك الإنتاج استقراراً سياسياً وهو عامل مهم من عوامل النمو ودفع الاستثمار الخاص". ولا يستبعد الشكندالي أن يكون القلق من تحريك ملفات قضائية ضد فاعلين اقتصاديين وراء خيار حياد اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من الانتخابات الرئاسية.
وطاولت الإيقافات خلال السنتين الماضيتين عدداً من رجال الأعمال ومالكي المجموعات الاقتصادية الكبرى.
ويواجه رجال الأعمال المسجونون تهماً بالفساد واستغلال النفوذ، إلى جانب شبهات تبييض الأموال. وكان الرئيس قيس سعيد قد أطلق في مارس/ آذار 2022 مساراً للصلح الجزائي مع رجال الأعمال الفاسدين يهدف إلى استعادة أموال الشعب المنهوبة، مؤكداً حينها أنه "عوض الزج بالمتهم في السجن، يدفع الأموال التي تمتع بها بشكل غير مشروع إلى الشعب".
وتتطلع سلطات تونس إلى جمع نحو 13.5 مليار دينار، أي نحو 4.5 مليارات دولار، من عائدات الصلح الجزائي مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد، غير أنها لم تفصح منذ فترة عن نتائج تقدم المفاوضات مع المعنيين بالصلح. وشهدت النسخ السابقة للانتخابات التشريعية ترشح عدد من رجال الأعمال بصفة رؤساء على قوائم في عدد من الأحزاب، وهو ما رأته بعض الجهات محاولة من أصحاب النفوذ المالي لدخول الساحة السياسية وافتكاك مواقع فيها، مقابل استفادة هذه الأحزاب من أموال هؤلاء.
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية وعلاقة المال السياسي، فقد شهدت الساحة السياسية التونسية جدلاً كبيراً حول وجود شبهات لقيام عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية بدفع أموال لقاء الحصول على تزكية من المواطنين، علماً أن القانون الانتخابي التونسي يفرض على المرشحين لرئاسة الجمهورية جمع عشرة آلاف تزكية من مواطنين عاديين أو تزكية عشرة نواب من البرلمان.
وكانت الانتخابات التشريعية والرئاسية عامي 2014 و2019 فارقتين في تاريخ تدخل الكارتلات الاقتصادية في الشأن السياسي، حيث سجلت حضوراً لافتاً لرجال الأعمال بصفة نواب للشعب بنسبة تجاوزت 10% من إجمالي عدد النواب. وقبل 2011، كانت الثروة وأصحاب الثروات مكملين للسلطة، غير أن الوضع تغيّر بعد سقوط نظام بن علي، حيث اتجه أصحاب رؤوس الأموال إلى تحصين أنفسهم عبر لعب دور مباشر في الحياة السياسية.