دولة لا توفر حماية أمنية لأرفع مسئول قضائي بها والنتيجة مصرعه، وتشهد سيناء أمس كل هذه المجازر ضد أفراد الجيش والشرطة، وتقتل قوات الأمن 13 من قيادات جماعة الإخوان بدم بارد وبلا محاكمات أو توجيه تهمة لهم من الأصل، هل هذه الدولة قادرة على تحريك الاقتصاد والنهوض به، وجذب استثمارات خارجية، وإقناع المستثمرين الهاربين عقب ثورة 25 يناير بالعودة مرة أخري، وتوفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل، وانجاز المشروعات القومية التي وعدت بها؟
لا أحد عاقل يؤيد ما حدث لقيادات الإخوان بمدينة السادس من أكتوبر، ولا أحد عاقل أيضاً يؤيد جريمة اغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات، لأن مواجهة سلطة حتى ولو كانت غاشمة وفاشية ومعتدية وتستأصل الأخر، بل وتقتله بلا محاكمات، لا يكن بالقتل والثأر الفردي، وإلا تحولت مصر إلى النموذج العراقي لا قدر الله، ولن أدخل هنا في تحليل أسباب جريمة اغتيال النائب العام ومن يقف ورائها وتأثيراتها السلبية على المجتمع، فهذه الأمور تعنى السياسيين والمتابعين للشأن العام، ولكن سأناقش فقط هنا تكلفة هذه الجريمة وغيرها من الجرائم الأخيرة التي شهدتها مصر.
ولا أقصد بالطبع هنا التكلفة المالية للإعداد لجريمة الاغتيال، أو حتى الخسائر الناجمة عنهما من ازهاق أرواح وتحطم واجهات المتاجر والمنازل في الانفجار وتهشم واحتراق عشرات السيارات، ولا أقصد حتى بالتكلفة تلك الخسارة التي ستتكبدها الخزانة العامة للدولة نتيجة قرار الحكومة المفاجئ منح العاملين بالدولة عطلة عقب الحادث مباشرة، أو الخسائر التي ستلحق بالتلفزيون والفضائيات نتيجة وقف المسلسلات حداداً على مقتل النائب العام.
بل أقصد بالتكلفة هنا تلك الخسائر التي ستتركها تداعيات هذه الجريمة وغيرها على الاقتصاد المصري ومناخ الاستثمار والأعمال، وعلى قدرة الدولة علي جذب استثمارات وعدت بها في عدة مناسبات اخرها مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد بداية شهر مارس الماضي.
دعونا نتفق بداية على أن ما حدث في سيناء أمس وقتل قوات الأمن قيادات الإخوان بدم بارد واغتيال شخصية بحجم النائب العام المصري، هو مؤشر خطير على أن حالة من عدم الاستقرار لا تزال تسيطر على المشهد المصري منذ وقوع انقلاب 3 يوليو 2013.
ودعونا ثانيا نقول إنه رغم حالات القمع والقتل للمعارضين للنظام والمتظاهرين السلميين، الا أن النظام لم يوفر استقراراً حقيقيا لمواطنيه بعد، وأن حالة عدم الاستقرار تلك طاردة للاستثمارات المحلية، ومنفرة لأي استثمارات خارجية تفكر أن تأتي للبلاد أو تعود اليها إذا كانت هاربة منذ ثورة 25 يناير.
فالحكومات، أي حكومات، عندما تروج لفرص الاستثمار داخل بلدانها فإن أول ما تتباهي به هو الاستقرار السياسي والأمني، وبعدها تأتى عوامل أخرى منها فرص الاستثمار الجاذبة والمتوفرة، والأيدي العاملة الرخيصة، وعدد السكان الضخم، وحجم الاستهلاك المحلي، ونشاط الأسواق الداخلية، وسعر الصرف المستقر، وسهولة دخول وخروج الأموال، والقرب من أسواق التصدير الخارجية، وتوافر البنية التحتية والطاقة وغيرها.
وبالطبع فإنه في حال توافر كل هذه العوامل المحفزة بدون توافر الاستقرار السياسي والأمني فإنها لا تعنى شيئا لدى المستثمر الذي يرفع دوما شعار "رأس المال جبان"، صحيح أن هناك رجل أعمال فسدة وأصحاب أموال قذرة ومشبوهة يتغاضون عن مشكلة زيادة المخاطر بالبلاد التي يستثمرون بها سواء كانت مخاطر سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية مقابل تحقيق أرباحا عالية وسريعة.
لكن صاحب رأس المال النظيف يخضع قراره الاستثماري والمالي للاعتبارات السابقة وأبرزها توافر مناخ سياسي وأمنى قوى، إضافة إلى مخاطر أقل وفساد أقل وبيروقراطية أقل.
نعود للسؤال الذي طرحته في بداية المقال وهو: هل يمكن أن يفكر مستثمر خارجي في ضخ أموال واستثمارات في بلد لا تستطيع أن تحمى شخصية بوزن النائب العام وهو أرفع شخصية قضائية في المجتمع، أو تقتل قوات الأمن بها أبنائها بدم بارد، وهل يمكن أن تجذب مصر استثمارات قيمتها 12 مليار دولار كما تقول حكومتها وسيناء مشتعلة وتشهد مثل هذه الأحداث المأساوية المتكررة ؟
أشك في ذلك، والأيام بيننا.
اقرأ أيضا: لا نمو تحت حكم العسكر