يستمر التضخم الأميركي في الارتفاع إلى مستويات غير مشهودة منذ عقود، ليطاول قطاع العقارات الحيوي، ما يزيد من مخاطر تعرضه للركود بفعل ارتفاع أسعار المنازل وزيادة تكاليف الرهن العقاري في أكبر اقتصاد في العالم.
وزاد معدل الفائدة المطبق على قروض الرهن العقاري إلى 5% للمرة الأولى منذ عام 2011، ما يعيد إلى الأذهان أجواء ما قبل الأزمة المالية العالمية حينما ارتفعت الفائدة على هذه النوعية من القروض إلى أعلى مستوى لها، بينما من المتوقع أن ترتفع الفائدة بنسبة كبيرة على مدى عدة سنوات قادمة، مع تحرك بنك الاحتياط الفيدرالي لكبح جماح التضخم، من خلال رفع أسعار الفائدة.
ويُفقِد صعود الفائدة، ملايين الأميركيين القدرة على الحصول على قرض لشراء منزل جديد، وهو ما اعتبره محللون تهديداً واضحاً لنشاط بيع العقارات، بل للنشاط الاقتصادي الأميركي برمته.
ويقول كبير الاقتصاديين لدى شركة كوكون لبيانات السوق العقارية، رالف ماكلوغلين، إنّ السوق لم تشهد من قبل ارتفاعاً لمعدلات الفائدة على قروضها بهذا الشكل إلا وتسبب ذلك في تباطؤها بصورة ملحوظة.
وارتفع متوسط سعر الفائدة المطبق على قروض الرهن العقاري من 3.22% مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 5% في آخر تعاملات الأسبوع الماضي، وهو أعلى معدل ارتفاع منذ ثلاثة عقود ونصف، وفقاً لشركة فريدي ماك، المعنية بتسويق تلك النوعية من القروض في السوق الثانوية.
وعلى نحو متصل، توقع بنك الاستثمار العملاق غولدمان ساكس، أن يواجه بنك الاحتياط الفيدرالي مهمة صعبة في طريقه لتهدئة التضخم المشتعل عن طريق تشديد السياسة النقدية من دون التسبب في ركود في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّ احتمالية انكماش الاقتصاد الأميركي خلال العامين القادمين تقترب من نسبة 35%.
ويحاول البنك الفيدرالي منذ الربع الأخير من العام الماضي تحقيق ما يعرف بالهبوط الآمن، من خلال النجاح في تخفيض معدل التضخم المرتفع بعد أكثر من عقد كامل من الانتعاش القوي للاقتصاد الأميركي، من دون التسبب بركود يتسبب في تراجع معدل النمو وفقدان الوظائف التي نجح في استعادتها بعد الخروج من الركود الذي سببه الوباء.
ووفق دراسة مسحية نشرها البنك الفيدرالي في نيويورك، الاثنين الماضي، تسبب ارتفاع فائدة الرهن العقاري وزيادة أسعار المنازل في عزوف المشترين المحتملين عن شراء منازل جديدة. وكشفت الدراسة أنّ الأسر تتوقع أن ترتفع فائدة الرهن العقاري بنسبة كبيرة على مدى عدة سنوات قادمة، لتبلغ في المتوسط 6.7% سنوياً من الآن، ثم تصل إلى 8.2% خلال ثلاثة أعوام.
ورفع البنك الفيدرالي سعر الفائدة في مارس/آذار لأول مرة منذ عام 2018، وذلك بمقدار ربع نقطة مئوية، ويُنتظر أن يستمر المسؤولون في زيادة أسعار الفائدة على مدى بقية العام الحالي، حيث أظهرت توقعات البنك التي نُشرت في ذلك الوقت أن صانعي السياسة النقدية يتوقعون أن ترتفع أسعار الفائدة إلى 1.9% بحلول نهاية 2022.
لكنّ رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، في سانت لويس، جيمس بولارد، قال في ندوة افتراضية لمجلس العلاقات الخارجية، مساء الاثنين، إنّ التضخم "مرتفع جداً" داعياً إلى زيادة أسعار الفائدة إلى 3.5% بحلول نهاية العام.
وفي ظل التضخم المرتفع، يتزايد القلق من دخول البلاد في ركود كبير. وأظهر مسح أجرته وكالة بلومبيرغ في الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان الجاري، أنّ 27.5% من المشاركين في الاستطلاع توقعوا حدوث ركود في أميركا، مقارنة بنسبة 20% قبل شهر واحد.
وأشار الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان مراراً إلى أنّ مخاطر حدوث ركود في الولايات المتحدة وأوروبا ارتفعت بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة، مؤكداً تأخر البنك الفيدرالي في التعامل مع "جني التضخم الذي يبدو أنه قد خرج من القمقم".
ويوم السبت الماضي، نقل العريان على حسابه على موقع تويتر جزءاً من مقال منشور في جريدة فاينانشيال تايمز، يقول كاتبه المحلل الاقتصادي كريس غايلز إنّ "الطريق الذي نرغب فيه جميعاً ضيق ويقع بين هذه الكوارث الاقتصادية... من الممكن أن نقضي على التضخم المرتفع دون حدوث انكماش اقتصادي عميق، لكنّ الاحتمالات بشأن هذه النتيجة الإيجابية منخفضة الآن بالفعل".