تعويم الجنيه المصري.. ما المبرر المعلن هذه المرة؟

28 سبتمبر 2022
يتم تقديم قرار التعويم للرأي العام على أنه في صالح المواطن والاقتصاد (فرانس برس)
+ الخط -

عندما قررت الحكومة المصرية تعويم الجنيه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 كان المطلوب منها تبرير هذا القرار الخطير وغير المسبوق للرأي العام، رغم أنه إن لم تفعل ذلك وتقدم مبرراً مقنعاً للمواطن لن تجد من سيسألها عن المبرر أو ينتقدها.

إذ إنه بات من المعلوم والمتعارف عليه لدى المواطن أن القرارات الخطيرة أصبحت تصدر بشكل فوقي خلال السنوات الأخيرة ودون استشارة أحد، ولا أحد يحاسب السلطة القائمة أو يسألها: لم هذا القرار بالذات وفي هذا التوقيت، وهل هناك بدائل ولِم لم يتم اختيارها؟

ساعتها أوعزت الحكومة لكل وسائل الإعلام والفضائيات المختلفة بأن يتم تقديم قرار التعويم للرأي العام على أنه في صالح الاقتصاد، وأنه يصب في صالح المواطن وأحواله المعيشية.

فالتعويم، وحسبما رددت كل وسائل الإعلام في نهاية 2016، يلعب دوراً مهماً في زيادة إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، حيث يعمل على زيادة الصادرات الخارجية بدرجة كبيرة، وتنشيط قطاع السياحة الحيوي، والعمل على زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.

كانت هذه الرسالة الأبرز التي ظلت وسائل الإعلام ترددها شهوراً طويلة، ومع كل تراجع في قيمة الجنيه مقابل الدولار كانت الرسالة تتكرر على مسامع الرأي العام، وأن ذلك التوجه أمر جيد ويصب في مصلحة المواطن حيث يعمل على تنشيط الاقتصاد وزيادة معدل النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل.

وفي حال حدوث ذلك فإن زيادة معدل النمو يلعب دوراً مهماً في الحد من البطالة والفقر والعشوائيات، وزيادة فرص التشغيل، وتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي في تدبير النقد الأجنبي المطلوب لسداد كلفة الواردات وأعباء الديون.

هكذا كانت وسائل الإعلام تردد على مسامع المصريين ليل نهار في شتاء 2016 وطوال العام 2017، خاصة في الفترة التي أقترب فيها سعر الدولار من حاجز العشرين جنيها.

التعويم يفتح الباب على مصراعيه أمام الحكومة لاغتراف القروض الخارجية بغض النظر عن التكلفة العالية وغياب أوجه الإنفاق

وتمر السنوات، وإذا بالتعويم يكشر عن أنيابه، حيث فتح الباب على مصراعيه أمام الحكومة لاغتراف القروض الخارجية من كل حدب وصوب وسوق بغض النظر عن التكلفة العالية للاقتراض، وغياب المعلومات المتعلقة بأوجه إنفاق كل تلك المليارات من الدولارات التي تم اقتراضها خلال فترة زمنية وجيزة.

فقد اقترضت الحكومة أكثر من 100 مليار دولار في غضون سنوات قليلة، وتحولت البلاد بعد التعويم إلى ساحة للأموال الساخنة الباحثة عن الربح السريع والتي استفادت من سعر الفائدة العالي الممنوح على أدوات الدين الحكومية، وتجاوزت قيمتها نحو 50 مليار دولار في بعض الأوقات، وكانت الحكومة تتباهى بها وتعتبرها نوعاً من الاستثمار وأنها أحد النجاحات الاقتصادية المهمة.

أما بالنسبة للأهداف المعلنة من قبل الحكومة لتبرير قرار تعويم 2016 فلم تتحقق بدرجة كبيرة، إذ لم تشهد البلاد طفرة في الصادرات الخارجية، أو تحويلات المغتربين، بل وتراجعت قيمة الاستثمارات الأجنبية في بعض السنوات اللاحقة، وسارعت بدمج الصادرات البترولية في بند الصادرات حتى تضخم رقم الصادرات وذلك في مخالفة لكل الأعراف المتعارف عليها في احتساب رقم الصادرات الخارجية.

صندوق النقد طلب من الحكومة خفض قيمة الجنيه مقابل تمرير القرض، كما فرض شروطاً تتعلق بالدعم والأسعار والضرائب وبيع أصول الدولة

ومصر على أعتاب تعويم جديد للعملة المحلية، سواء كلي أو جزئي، ما الحجة التي ستقدمها الحكومة هذه المرة لتبرير قرار التعويم الرابع، هل ستكرر أسطوانة زيادة الصادرات وتنشيط السياحة والاستثمارات الخارجية، وأن القرار في صالح المواطن.

أم تكون واقعية وتعلن أن التعويم مفروض على البلاد من الدائنين الدوليين، وأنه جاء بقرار من واشنطن حيث مقر صندوق النقد الدولي الذي طلب من الحكومة خفض قيمة الجنيه مقابل تمرير القرض الجديد، كما فرض شروطاً تعسفية أخرى تتعلق بالدعم والأسعار والضرائب وبيع أصول الدولة ومخصصات موازمنة الدولة وسداد مستحقات الأجانب وغيرها.

المساهمون