تطور صناعة الدواء في شمال سورية رغم الحرب

08 يونيو 2023
معمل أدوية في شمال سورية (العربي الجديد)
+ الخط -

خلال سنوات الحرب الطويلة التي عاشتها مناطق الشمال السوري، تعرّض السوق الدوائي لجملة من المتغيرات كانت مرتبطة بالعمليات العسكرية على الأرض بشكل مباشر.

وذروة التغيير كانت بعد سيطرة قوات النظام السوري على حلب، والتي كانت تضم أهم معامل الأدوية المورّدة للمنطقة، ما أدى إلى انقطاع بعض الأدوية والاعتماد على الأصناف الهندية والتركية التي كانت تأتي عبر طرق التهريب، بعد دفع المستوردين إلى الإتاوات لإدخالها إلى مناطق الشمال السوري، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

تلك المعطيات وغيرها شجعت على الاستثمار في مجال التصنيع الدوائي، بهدف تلبية احتياجات السوق وتحقيق أرباح جيدة في نفس الوقت، حسب عاملين في القطاع لـ"العربي الجديد".

يقول الصيدلاني محمود السبع، مدير تسويق معمل "ريفا فارما" في مناطق الشمال السوري، لـ"العربي الجديد": بدأت الشركة أعمالها منذ سنوات إلا أنها تطورت مؤخراً بشكل كبير، فبعد أن كانت مختصة بتصنيع بعض أنواع خافضات الحرارة للأطفال باتت الشركة قادرة على تصنيع مختلف أنواع الأدوية، بما فيها أدوية الأمراض المزمنة.

وأردف السبع، إن الاضطراب الذي عاشه السوق الدوائي في الشمال السوري ووصول الأدوية ضعيفة الفعالية من مناطق النظام، دفعنا إلى تعزيز العمل في سبيل تحقيق خطوات مهمة في الاكتفاء الذاتي وتمكنا من إنتاج نحو 160 صنفا دوائيا.
يعمل في الشركة 250 عاملا وكيميائيا وصيدليا، وباتت كمية الإنتاج من الأصناف التي نجح المعمل في إنتاجها قادرة نوعا ما على تحقيق أمن دوائي في المنطقة، حسب السبع الذي قال: نسعى لتأمين أصناف جديدة في السوق، بحيث لا نحتاج إلى استيراد الأدوية من مناطق النظام.

وتابع: في حال انقطع توريد الأدوية من مناطق النظام إلى الشمال السوري فإننا قادرون على تحقيق اكتفاء ذاتي كامل من أدوية الضغط والسكري، عدا الأنسولين إذ يتم استيراده من الخارج. وتعمل الإدارة اليوم على تنفيذ مشروع لتصنيع أدوية الأمراض المزمنة الأخرى، مثل مرضى الصرع والاكتئاب.
وأضاف السبع: لا يخلو العمل من المشاكل والتي تتعلق بتصدير الأدوية خارج المنطقة، إذ تعتبر شهادة المنشأ ورقة أساسية للتصدير، لكن ضعف الاعتراف بشهادات المنشأ الصادرة عن مناطق الشمال السوري يمنع تصدير هذه الأدوية.
وعن آلية الرقابة الدوائية المفروضة على المعمل يقول السبع: إن الرقابة الذاتية التي تفرضها الإدارة على العمال تعتبر من الدرجة الأولى أثناء عملية التحضير، بالإضافة إلى فحوصات وزارة الصحة ومن قبلها مديرية صحة إدلب المستمر على عمل المعمل وأقسام الإنتاج والتعبئة، إذ تنفذ زيارات دورية للمنشأة لفحص العينات ومعاينة العمل.

أما عن مصدر المواد الأولية المستعملة في التصنيع فيقول السبع: أسسنا مكتب مشتريات في تركيا، وسجلنا ترخيصا رسميا للمعمل، بهدف تأمين مصادر ثابتة من المواد الأولية بجودة عالية، والتي يجب أن تكون مطابقة لشهادة المواءمة الأوروبية.

وعن آلية العمل ضمن الشركة، يقول الصيدلاني عمر بكور مدير الإنتاج بالمعمل لـ"العربي الجديد": تدخل المواد الأولية للشركة بإشراف قسم ضبط الجودة إلى دائرة الإنتاج تحت إشراف دائرة ضمان الجودة، حيث تبدأ عمليات الإنتاج بداية من قسم التحضير ثم أقسام التعبئة والإنتاج والترميز، بعدها تنتقل المواد إلى قسم التغليف الأولي والثانوي، ثم قسمي الحجر وضبط الجودة، حيث تبدأ الاختبارات عليها بما فيها الاختبارات الجرثومية والفطرية، بعدها يتم طرح المستحضر في الأسواق.

لبّت الأدوية المصنعة محليا حاجة السوق من كثير من الأصناف، وبدأ الأهالي يثقون في الصناعات المحلية،


ولبّت الأدوية المصنعة محليا حاجة السوق من كثير من الأصناف، وبدأ الأهالي يثقون في الصناعات المحلية، إذ تقول الصيدلانية سوسن سعيد لـ"العربي الجديد" إن الأدوية المصنعة في المناطق المحررة حلت أزمة كانت تعيشها الأسواق في الشمال السوري، حيث انقطعت الأدوية عدة مرات أو تعرضت لرفع أسعار متتال، ما حمل الأهالي أعباء كبيرة، لكن بعد بدء التصنيع المحلي استقرت الأسعار إلى حد ما وباتت غالب أنواع الأدوية متوفرة بشكل ثابت.

وتابعت السعيد: نعتمد في السوق على الأدوية المصنعة محليا بشكل كبير، بعد أن باتت بجودة تضاهي الأدوية المصنعة في مناطق النظام السوري، لاسيما بعد تراجع الرقابة على هذا القطاع في مناطق النظام، بينما تخضع الأدوية المصنعة محليا لعدة اختبارات قبل أن يتم اعتمادها وطرحها في الأسواق، كما أن الكلفة باتت أقل.

وعن قبول الأهالي بهذه الأدوية، تقول السعيد في البداية كان هناك تخوف من قبل الأهالي ورفضوا استعمالها، لكن بعد التجربة المتكررة ثبت أنها بجودة عالية أفضل من الأدوية الواردة من خارج المنطقة، بينما ما زال بعض الأهالي، خاصة كبار السن، يبحثون عن أدويتهم القديمة نفسها ورفض أي دواء مغاير للدواء الذي جربوه لسنوات طويلة.

بدوره، يقول سعيد خيرالله، وهو مريض سكري من إدلب لـ"العربي الجديد"، إنه يثق في الصيدلي الذي يتعامل معه، ولا يعرف مصدر الدواء الذي يتناوله، سواء كان مصنعا في مناطق النظام أو في الشمال السوري، فهو يطلب الصنف الدوائي الذي يحتاجه دون البحث عن مصدره، بينما يرفض آخرون ممن يعرفهم سعيد، الاعتماد على أي صنف جديد باستثناء الذي يستخدمونه منذ سنوات، مرجعا الأمر للعامل النفسي.

المساهمون