تضخم مخاطر الاستدانة في اليمن: الإيرادات تتهاوى

07 يونيو 2021
تدهور العملة المحلية واقترابها من ألف ريال للدولار (العربي الجديد)
+ الخط -

يطل الاقتراض برأسه كمشكلة كبيرة يعاني منها اليمن، إذ لجأت الحكومة إلى الدين العام الداخلي بسبب تعليق الدعم الأجنبي، لتمويل العجز المتفاقم، إضافة إلى ما يشهده الاقتصاد الوطني من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي.

ويشير تقرير حكومي اطلعت عليه "العربي الجديد"، إلى تزايد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 44.5% عام 2014 إلى نحو 100.3% مطلع العام الماضي 2020، وبمتوسط سنوي بلغ 93.2% خلال السنوات الأخيرة.

ويتم في اليمن عادة اللجوء لتمويل عجز الموازنة عبر الاقتراض المباشر من البنك المركزي اليمني، مع ما يحمله الاقتراض المباشر من مخاطر كثيرة على الوضع الاقتصادي، كزيادة الضغوط على ميزان المدفوعات، وإضعاف العملة الوطنية، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم، وتدني مستويات المعيشة.

ويذهب الباحث الاقتصادي، عصام مقبل، بعيداً في تحليله لهذه الأزمة وما يترتب عليها من تبعات كارثية مثل انهيار العملة خلال الفترة الراهنة واقترابها من ألف ريال للدولار الواحد، إذ يلمح إلى وجود أيد خفية تعمل على الدفع بالملف الاقتصادي المتدهور إلى الواجهة وتحريك سوق الصرف واستمرار استنزاف الموارد العامة للتغطية على ما يجري في جزيرة ميون في المخا بالساحل الغربي لليمن والمحاذية لمضيق باب المندب، إضافة إلى تكثيف الوجود والبسط الإماراتي لجزيرة سقطرى ومواقع أخرى. ويضيف مقبل لـ"العربي الجديد"، أن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً استخدم أدواته في سوق الصرف بالعاصمة المؤقتة المفترضة للحكومة اليمنية عدن والذي يشهد موجة انهيار مربكة بصورة غير طبيعية وتوسع مخاطر الاقتراض والدين المحلي والذي يشكل عبئا كبير تعاني منه الحكومة اليمنية ويحد من تدخلاتها في ضبط سوق الصرف والإنفاق العام.

تزايد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 44.5% عام 2014 إلى نحو 100.3% مطلع العام الماضي 2020

ووفق بيانات اقتصادية، فقد ترتب على الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات اليمن ارتفاع الدين العام الحكومي من حوالي 1.1 تريليون ريال إلى 7 تريليونات ريال، إذ أصبح الدين الحكومي يتجاوز حجم الإنتاج المحلي الإجمالي، كما تزايد عبء الدين العام مقارنة بحجم الإيرادات.

ويفسر محللون اقتصاديون أن ما تم هدره ونهبه من أموال منذ بداية الحرب يوازي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي وعشرة أضعاف المديونية الحكومية في اليمن. ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد الحجري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يعاني من إشكالية مزمنة تتعلق بالموازنة العامة للدولة وعدم القدرة على تمويل أكثر من 90% من النفقات الحكومية من المصادر والإيرادات العامة، بحيث يتم اللجوء على الدوام إلى التمويل عبر الدين العام الداخلي أو الخارجي.

Image
أرقام تؤكد عمق أزمة الاقتصاد اليمني

ويحتم ذلك، ضرورة الإسراع بتعبئة الموارد الحقيقية اللازمة لتمويل النفقات الحتمية وأهمها استئناف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال كما كان عليه الحال قبل الحرب. يذكر أن نسبة العجز في الموازنة العامة لليمن بلغت نحو 30% خلال عام 2019.
وتواصل الصادرات السلعية تراجعها بشكل كبير بعد انخفاضها من حوالي 2.42 مليار دولار عام 2014 إلى 0.51 مليار دولار عام 2015، ثم عادت إلى الارتفاع وبلغت 2.34 مليار دولار عام 2017، قبل تراجعها مجددا لتصل إلى 1.57 مليار دولار عام 2019، حسب بيانات رسمية.

يفسر محللون اقتصاديون أن ما تم هدره ونهبه من أموال منذ بداية الحرب يوازي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي وعشرة أضعاف المديونية الحكومية في اليمن

كما تناقصت أيضا قيمة الواردات من 12 مليار دولار عام 2014 إلى 6.57 مليارات دولار عام 2015 ثم عاودت الارتفاع وبشكل مستمر منذ عام 2017 إلى أن وصلت إلى 10.16 مليارات دولار في العام 2019.

في السياق، شهد الأسبوع قبل الماضي، انعقاد أولى جلسات اجتماعات الحكومة اليمنية مع بعثة صندوق النقد الدولي عبر تقنية الاتصال المرئي المباشر، لمناقشة وتقييم الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية لليمن خلال العام المنصرم 2020. وتصدرت أولويات السياسات لدى الحكومة اليمنية وبرنامجها العام جدول أعمال هذه الاجتماعات، إضافة إلى خطط ضبط الإنفاق وترتيب الأولويات والتعامل مع تبعات الانهيار الحاصل في الاقتصاد الوطني والعملة المحلية، وضعف البرامج الحكومية في تحصيل الإيرادات العامة، وفق مصادر مصرفية مطلعة في البنك المركزي اليمني.

إلى جانب ذلك، حضرت مواضيع أخرى تشكل أولوية لصندوق النقد الدولي والمتعلقة بالخطط الحكومية لإصلاح اختلالات السياسة النقدية، والعوامل المعيقة التي أثرت على تنفيذ حزمة الإصلاحات المتفق عليها بين الطرفين سابقاً.
ويؤكد تقرير صادر حديثاً عن صندوق النقد أن أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19) أدت إلى حدوث طفرة في الدين الحكومي والاحتياجات التمويلية في ظل ردة فعل بطيئة واستجابات محدودة للأزمة في معظم البلدان منخفضة الدخل نتيجة نقص التمويل وضيق حيز السياسات.

ويستبعد المحلل الاقتصادي، محمد البيضاني، أن تجدي أي حلول في احتواء مخاطر الاقتراض المتضخم في اليمن وتبعات الانهيار الاقتصادي وتسارع تهاوي العملة الوطنية في ظل هذا الانقسام المالي والنقدي المتوسع في اليمن والذي يعتبره، وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، السبب الرئيسي لإحجام صناديق التمويل الدولية في التدخل لمساعدة اليمن وإعادة بناء مؤسساته وأجهزته المالية والنقدية.

المساهمون